الرفيق محمد سليمان (أبوالعافية)


المنصور جعفر
2023 / 10 / 1 - 08:00     

حتى وفاته في 28 سبتمبر 2023 كان الرفيق المهندس محمد سليمان محمد طه (أبو العافية) زولاً كريمًاَ هاشاً باشاًٍ ودوداً وخبرة شيوعية ثرة في هندسة الجمال وأستاذاً في فنون الواقعية، وبوفاته أصبح مثل الشمس يغيب مثلها وتبقى معانيه كمعانيها خالدة تخلق الحياة.


كان محمد يليمان من قادة الحركة الطلابية السودانية في مصر السبعينيات اًي في زمان الانقلاب والعصف الليبرالي الذي قاده الأمريكان والإسرائيليين، بفضل السادات فكان نجم السودان في الكفاح المشترك ضد جبروت وانفتاح حرامية ذلك العهد، وبضروب هذا النضال وبذله وضع الطالب السوداني البسيط أسمه الوضاء في قائمة المتهمين الثوريين والنقابيين الفطاحل في محكمة أمن الدولة العليا في القضية التي عرفت أياناً باسم "قضية الشيوعية الكبرى" رقم 52 عام 1980.


في تلك الفترة كان النضالين الشعبين السوداني والمصري وشيجين مثلما كان حالهما منذ العشرينيات إلى ستينيات القرن العشرين فقائمة الأعداء الخارجيين والداخليين للشعبين كانت واحدة يتلوها الهتاف بسقوط أمريكا ورفض شروط الديون الامبريالية وبرفض ديكتاتورية نميري والسادات وما اليها من قمع وما يواكبها من دجل وارهاب جماعات الاخوان المسلمين الذين لعبوا دور كلب الحراسة للنظامين الليبراليين في مصر والسودان مدافعين عن حرية التجارة والخصخصة ومهاجمين وجود وحركة النقابات وبنضال الشعبيين ضد هؤلاء الخصوم الباطشين اللئام نما نضال الطلاب السودانيين في شسوع وادي النيل وضمن قيادتهم في مصر أواخر السبعينات الطالب الجامعي محمد سليمان.


كان محمد سليمان طالباً موجباً محباً للإطلاع في بلد ذاخر بكل صنوف اللهو والقمع وكل صنوف الإبداع وضد حالتي اللهو والقمع واجتهاده للإبداع والاطلاع الواسع أصبح طالب الهندسة محمد سليمان في مستوى معرفة ونشاط "المهندس الإجتماعي" ففي فترات قصيرة علم كثير من الطلاب السودانيين والمصريين وتعلم منهم بناء مولدات ومحركات الوعي أي الاتحادات العامة والجمعيات المتخصصة والصحافة الحائطية والنشرات الصغيرة والمجلات السرية والموسيقى والأناشيد الثورية والتعبير الموجز والعمل المنظوم والمناقشة الموضوعية والتفكير الديالكتيكي.


كان محور كل هذه الأنشطة التوعوية الشاقة أربعة أنواع من التضامن: الأول مع قضايا الطلاب، والثاني مع قضايا الديمقراطية والمجتمع والثالث قضايا السيادة الوطنية والرابع كان بالتصدي لجبروت الامبريالية والتطبيع. وفي كل هذه القضايا الخطرة كان محمد سليمان نجماً في مجالاتها متفوقا على أضرابه في مصر الحافلة بالتنظيمات وبالكتاب الثوريين والمبدعين وصنوف من اللهو والقمع.


برحيق مناطق مروي ونوري وأشعار خاله "حميد" كان طالب الهندسة محمد سليمان ضرغاماً في مواجهة القمع الساداتي، والدجل والخبث والعنف الإخواني وإرهاب الجماعات الإسلامية المصرية واستعمالها الجنازير والسيوف داخل الجامعات، وكان حصيفاً في مواجهة الدعاية المضادة للإشتراكية سواء كانت مضادة لفكرة العدالة أو كانت ناكرة وجود الاستغلال الطبقي والاستعمار الحديث أو مبررة لتأجيل مقاومتهما مقاومة مشتركة.


رغم بؤس المعيشة وإنخفاض قيمة الجنيه وتضخم المقررات الدراسية وتكثيف الامتحانات وطغيان الليبرالية والخصخصة وضعف أنشطة وإعلام الاتحاد بين الجمهوريات السوفيتية وتكثف الخبث والعنف الإسلامي كان محمد سليمان من الدفع الباسلة التي إنتصرت في معارك الديموقراطية النقابية الطلابية على صنوف القمع الخديوي وعلى خبث وعنف الكيزان والجماعات الإسلامية المصرية ذات الجنازير والسيوف (داخل الجامعات) وعلى أكاذيب الإعلام الليبرالي الحكومي والتجاري ضد التقدم الاجتماعي والإشتراكية اللازمة لإنهاء صنوف الأنانية الرأسمالية في العالم وداخل كل بلد.


كانت الفترة منذ منتصف السبعينيات إلى ما بعد أول عشرية في الألفينات فترة إختبار عصيبة لوعي المناضلين ألقت ببعض كبار الحلاقيم في الأوهام الليبرالية/النظام العالمي وأولها تلك الأوهام وهم ان حرية التجارة والخصخصة ستحل أزمات الإقتصاد! وثانيها وهم أن الطبقة الوسطى ستصبح مفتاح العدالة والمساواة والسلام ! وثالثها وهم ان أساليب المجتمع المدني ستحل الأزمات وتنهي داخل الاوضاع الرأسمالية الصراع الطبقي! ورابعها وهم ان وجود الأحزاب الشيوعية غير مفيد ويجب حلها من داخلها بالجملة أو حلها بأسلوب جزئي أو قطاعي عبر تغييرات في إسمها أو برامجها أو طبيعة تنظيمها أو مركزيتها الديموقراطية! أطغاث أحلام.


في تلك الفترة الكالحة انتبه محمد إلى أزمة الفرق بين الإدارة البروليتارية الأصلية لأمور إتحاد الجمهوريات السوفييت بواسطة السوفيتتات حتى الخمسينيات ثم تكل ادارة نفس الاتحاد منذ نهاية الخمسينيات بمبررات النشاط والتخصص التقني إلى لجان سوفيتية الشكل قوامها الخبراء التكنوقراط وأنماط من البيروقراطية التابعة لهم أو المصارعة ضدهم، لجان غذت نموء النخبوية والشخصانية والتكلس والانتهازية والفروق الإدارية والسياسية والمعيشية وكل أنواع الفروق والتناقضات التي ترفضها الأفكار الإشتراكية.


شاهد محمد سليمان حل الإتحاد السوفييتي بين الخمسة عشر جمهورية اشتراكية وان الليبرالية في حوالي مائة وخمسين دولة عجزت عن حل أي أزمة من أزمات التهميش والاستغلال الطبقي،
واذ شاهد محمد سليمان تهليل الليبراليين الرجعيين والحداثويين لحل الاتحاد بين الجمهوريات السوفيتية فقد شاهد أيضاً فشلهم في اقامة أي نظام عادل مستدام للتنمية الاجتماعية في أي دولة من دول العالم، بل كانوا جالبين أو فقهاء أو مستقبلين للخصخصة والإستغلال وصندوق النقد الدولي ثم مؤيدين أو متفرجين على غزو العراق ومقاومته الباسلة التي ضعضعت ذلك النظام العالمي الفظ الغليظ.


كان الرئيس الأميركي جورج بوش (الاب) قد بين معالم ذلك النظام الذي في 11 سبتمبر 1990. (النظام) وظنه أبدياً لكن بفضل تناقضاته الراسمالية وتواصل نضالات الشعوب ماتت بسرعة في الفترة بين عامي 2004 و2011 فكرة واشكال ذلك النظام وبقيت أزماته مشتعلة إلى اليوم.


في نفس الفترة أدت النتائج الباهرة لإدارة الشيوعيين للموارد ومبادرات الشعب في الصين وفيتنام إلى توكيد صحة الحتميتين التين تشكلان اهمية كبرى في الجدلين الشيوعي والاشتراكي وهما: "الحتمية التاريخية" الإجتماعية والسياسية الشكل لحدوث قفزة تغير وتطور في تاريخ كل مجتمع من المجتمعات عند وصول تناقضاته حد الانفجار، و"الحتمية التكنولوجية" الإسهام التقدم الصناعي في تقدم أوضاع المجتمعات وسياساتها، وان مزيج الحتميتين مواشج لإمتزاج العدالة والتنمية.


رغم كثافة التضليل وظروف المعيشة وتعثر الصحة لم ينقطع نضال محمد سليمان وعطائه وبذله بل واصل سقى رفاقه ومجتمعه وأنشطتهم وآفاقها الثورية بهندسة الجمال وفنون الواقعية وأسس ومعاني النضال الوطني الديموقراطي ضد أنانيات الإستغلال والتهميش والتحزب الضيق والجهوية والقبيلية والرسملة التي تغذيهم وتغذي أشجارهم العنصرية.


كانت الحكمة تتعلم من محمد سليمان، ورغم انه كان صموتاً هيناً ليناً إلا أن المجد كان ينحني إحتراماً له. ولحديقة زملاءه التي أنبتته ونظرت إلى إخلاصه ودأبه كقمر ملهم، الخلود والجمال الكامل.


بتخليد معانيه يتحقق السلام لضشعبه ولأسرته أميرة وشاهندا وغسان.