تناحر الأحزاب الكردستانية والعودة الى ( الحزبوية العميقة )


صلاح بدرالدين
2023 / 9 / 30 - 00:53     

صلاح بدرالدين

في ظل افتقار المشهد الكردستاني العام الى مرجعية قومية متوافق عليها ، وميثاق ملزم للتعاون ، والعمل المشترك ، والاتحاد في وجه الأعداء والخصوم المشتركين فان العلاقات الباردة ، والمتوترة وصولا الى العدائية ، هي السائدة بين الأحزاب الكردستانية الأكبر ( الحزب الديموقراطي الكردستاني – العراق ، الاتحاد الوطني الكردستاني – العراق ، حزب العمال الكردستاني – تركيا ) وتستمرالأنظمة الأربعة في البلدان التي تقتسم الكرد ووطنهم التاريخي في استثمار ذلك الخلل ، بل استخدام – ب ك ك – كذراع ضارب باتجاه الحاق المزيد من الأذى بالكرد بطرق ، ووسائل مختلفة ، مستهدفة بشكل رئيسي تصفية الإنجاز الكردي الوحيد بالشرق الأوسط ( فيدرالية إقليم كردستان العراق ) وعقد الصفقات على حساب مصالح الكرد السوريين بعد الاطباق على مناطقهم من خلال الاستلام والتسليم ، وزرع الفتنة العنصرية بين المكونات القومية ، واثارة وتعميق الفرقة والانقسام ليس بين الأحزاب فحسب بل حتى بين كرد الأجزاء الأربعة على المستوى الشعبي .
تطورات مثيرة للقلق
ابرمت الحكومة المركزية ببغداد اتفاقا امنيا جديدا مع النظام الدكتاتوري الشوفيني الإيراني تقضي بتجريد المعارضة الكردية الإيرانية من السلاح ، واخراجها من إقليم كردستان ، ومن كل العراق ، مع كل نتائجها الإنسانية وتبعاتها الأخلاقية ، وبحسب الدستور العراقي كما يفسره حكام بغداد فان الاتفاقية تسري على حكومة الإقليم الفيدرالي أيضا ، وقبل ذلك ابرمت اتفاقيات امنية بخصوص الناشطين من اللاجئين السوريين وخصوصا الكرد منهم بالتوقف عن مهاجمة النظامين بالاعلام ، وهناك تسريبات ان الاتفاقية الأخيرة الجديدة تحمل نفس البنود السابقة أيضا من دون اعلان ، في حين نرى ان الحكومات العراقية المتعاقبة وباوامر وتوجيهات من نظام طهران ، تقدم الدعم المادي والتسليحي والبشري لنظام الأسد المستبد الذي ذهب بعيدا في قتل شعبه وتدمير بلاده ، وهو السبب في لجوء مئات الالاف الى كردستان ، والعراق ، وقد صرح رئيس الحكومة العراقية – السوداني – قبل يومين لشبكة – السي ان ان - عن وقوفه الى جانب نظام الأسد ، ورفض اية محاولات لاسقاطه .
نظام طهران في كل العهود العدو الأكبر للكرد
وفي هذا السياق فان نظام طهران يمارس الضغط والتهديد على حكومة الإقليم منذ اندلاع الثورة السورية من اجل عدم تقديم الدعم للمعارضين لنظام الأسد بل وإخراج البعض من الناشطين من الإقليم وقد كنت شخصيا مشمولا منذ أواخر عام ٢٠١١ ، بل ان عملاء نظامي طهران ودمشق سجلوا موقعين على الأقل وبنفس التوقيت على الفيسبوك تحت اسم ( اطردوا صلاح بدرالدين من الإقليم ) ولكن الاشقاء بقياداتهم الحكيمة لم يكونوا بوارد تنفيذ تلك الرغبات الشريرة ، ومن المفارقات المثيرة ان النظام الإيراني في عهد الشاه أيضا كان من الد أعداء الحركة الكردية والسورية منها خصوصا ، حيث امتعض ممثلوه من كلمتي في مؤتمر البارتي الثامن بناوبردان – كردستان العراق عام ١٩٧٠ وقدموا احتجاجا شديد اللهجة للاشقاء حينذاك كما اخبرني الزعيم الراحل مصطفى بارزاني في اليوم الثاني لاختتام المؤتمر وبحضور الرفيق المرحوم محمد نيو الذي ذكر ذلك في كتاب مذكراته ، ، وهناك من يعتقد انه كان - للسافاك – تاثير على نتائج ( مؤتمر ناوبردان ) لتوحيد الكرد السوريين .
احترام مبدأ مراعاة مصالح شعب كردستان الفيدرالي
من الموضوعية بمكان ان يحافظ كل حزب كردي مخلص لقضيته على مكاسب الإقليم الكردستاني ، ويحترم قوانينه ، وسيادته ، وان لايمارس أي عمل عسكري او سياسي يشكل احراجا من دون التنسيق مع الاشقاء الذين لن يالوا جهدا في دعم اشقائهم الاخرين ، ولكن من جهة أخرى تكمن المشكلة في علاقات العداء بين اطراف رئيسيين ، وعدم توفر شروط للتفاهم ، والتنسيق وهذه الحالة وبالرغم ان – ب ك ك – يتحمل المسؤولية الأكبر الا ان الأطراف الأخرى مسؤولة أيضا ، لذلك لابد من عقد اتفاق مصالحة ، وانبثاق مجلس ، او مؤسسة ، او مرجعية قومية مشتركة وديموقراطية ، تتوافق عليها الأطراف جميعا من أحزاب كبرى وصغرى ، ووطنييون مستقلون ، تضع ميثاقا يحرم الاقتتال ، ويقرر انسحاب مسلحي – ب ك ك – من جزئي سوريا ، والعراق ويؤسس للحوار ، والتنسيق ، والعمل المشترك من دون التدخل بشؤون البعض ، او الهيمنة ، او مصادرة القرار المستقل لكل جزء .
للتذكير : مايتعلق باللجوء ، والايواء فقد استقبل الوطنييون الكرد السورييون ( وهم لم تكن لهم منطقة حكم ذاتي او فيدرالية ) ورغم كل التبعات والمخاطر الأمنية اشقاءهم المناضلون السياسييون من جزئي العراق ، وتركيا في بيوتهم حتى قبل ان ياذن لهم النظام بموجب اتفاقات لاحقة .
عودة الى – الحزبوية العميقة -" ا و ك " نموذجا
من المعروف ان حزب ( الاتحاد الوطني الكردستاني – العراق ) الذي تاسس بدمشق عام ١٩٧٥ ، تشكل بالأساس من انضواء ثلاثة اطراف آو تيارات سياسية ، في اطار حزبي واحد : ١ - المرحوم جلال الطالباني كشخصية كاريزمية واحد مؤسسي الحزب الديموقراطي الكردستاني – العراق برئاسة الزعيم الراحل مصطفى بارزاني ، والذي انشق عنه ضمن مجموعة عرفت بتيار المكتب السياسي بزعامة المرحوم إبراهيم احمد . ٢ – كتلة او تيار علي عسكري السكرتير العام للحركة الاشتراكية الكردستانية . ٣ – كتلة شاسوار جلال المعروف ب آرام سكرتير عام ( كومةلة ) وهي تيار ماركسي .
في المؤتمر الخامس الأخير ل ( ا و ك ) المنعقد مؤخرا بالسليمانية بغياب جميع ممثلي التيارات الأخرى ، والإبقاء فقط على ( الاتحاد العميق ) الذي يقوده افراد عائلة الطالباني .
وقد سبق للحزب الديموقراطي الكردستاني – العراق ان مر بتجربة في هذا المجال ، فبعد نكسة عام ١٩٧٥ جراء اتفاقية الجزائر ، وتفكك الحزب الى مجموعات منشقة ، اعيد ترميم البناء الحزبي من جديد يتصدره ١ - كل من الراحل ادريس ، والرئيس مسعود ومعهما مجموعة من القياديين السابقين القدامى . ٢ – مجموعة القيادة المؤقتة ومن ابرز عناصرها ( جوهر نامق وكريم سنجاري ) ٣ – مجموعة الشهيد سامي عبد الرحمن ( حزب الشعب ) . ٤ – مجموعة الحزب الاشتراكي ( د محمود عثمان وعدنان مفتي ورسول مامند ) ، وبتتالي المؤتمرات ،ومرور الزمن اعيد زمام القيادة والمبادرة الى ( البارتي العميق او الأصيل ) .
مايتعلق الامر بحزب العمال الكردستاني – تركيا ( ب ك ك ) فانه لايخضع لسجلات وبنود الأنظمة الداخلية المدنية الديموقراطية المتعارف عليها باعتباره تنظيم شبه عسكري حيث يتبع تقليد التصفيات الجسدية خلال الصراعات الداخلية ، ويجسد تجربة دموية فريدة في الحياة السياسية الكردستانية بالعصر الحديث .
وفي حقيقة الامر فان متطلبات المرحلة الراهنة للحركة الكردستانية تتطلب الانفتاح ، والانتقال من ( الحزبوية العميقة ) الى فضاء – الكردايتي - وتوسيع العمل النضالي الى حركات تستوعب كافة طبقات ، وفئات الشعب ، وعبر الطرق الديموقراطية المدنية الشرعية ، لان مهام التحرر لم تنجز بعد ، ومازال الكرد مستهدفون من جميع الجهات ، وكما أرى فان ماحصل مع الحزبين الرئيسيين له صلة بخصوصيات الوضع في كردستان العراق ، حيث السلطة ، والموارد ، والنفط ، والغاز وهي كلها عوامل موضوعية ولها دور رئيسي في سير الاحداث .
عموما هذه الظاهرة تحتاج الى المزيد من البحث والنقاش ، وهل لها علاقة بالتغيير ، او الانتقال من مرحلة الثورة والنضال السري المعارض الى مرحلة استلام السلطة ، او تسليم القيادة من جيل الى آخر ، ام ان التجربة الحزبية الكردستانية الراهنة برمتها التي بدات منذ منتصف القرن الماضي باتت بحاجة الى إعادة نظر جذرية ؟ .