هل اتباع الإجراءات القانونية السليمة تكفي لحماية الحقوق؟ (بيع العقار انموذجاً)


سالم روضان الموسوي
2023 / 9 / 17 - 20:31     

ابتدأً هذه المادة ليس تعليق على نص قانوني او حكم قضائي، وانما سؤال يلحُ دائما كلما وجدنا ان مشتري العقار حسن النية يكون ضحية للاحتيال، والمؤسف ان الدولة بأجهزتها لم تتمكن من حمايته بل هي من تسهم في ذلك، وسأعرض الامر على وفق الاتي:
1. ان بيع العقار لا ينعقد ولا يكتسب المشروعية ما لم يسجل لدى دائرة التسجيل العقاري وعلى وفق ما ورد في المادة (508) من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 وكذلك نص المادة (3/2) من قانون التسجيل العقاري رقم 43 لسنة 1971 المعدل، وبذلك فان أي تصرف لابد وان يسجل حتى يحتج به امام الغير، كما جاء في المادة (10) من قانون التسجيل العقاري بان سند الملكية للعقار هو حجة على الناس كافة، ومعنى ذلك انه مثبت لحق المالك المقيد باسمه العقار.
2. ان إجراءات دائرة التسجيل العقاري تكاد تكون أطول مدة من أي تصرف ناقل للملكية، لإنها تمر بمراحل متعددة، والمواطن يلمس ذلك عند مراجعته لدوائر الطابو، والعذر في ذلك هو ان يكون التصرف اكثر موثوقية ولحمايته من أي تلاعب.
3. ان هذه الموثوقية التي عليها التصرف في بيع العقار جعلت من أي شخص يقدم على شراء عقار، والذي أصبحت اقيامه بالمليارات، بان يطمئن الى انه اشترى العقار من مالكه الحقيقي، لان دائرة التسجيل العقاري تضمن له ذلك من خلال تحققها من شخص المالك والمشتري عند التسجيل، وانها تملك أدوات دولة وليس افراد، وعلى هذا الأساس، فان المشتري يطمئن ويقدم على الشراء، وتكون الدولة ممثلة بدائرة التسجيل العقاري عنصر مساهم في إتمام عملية البيع، لأنها توفر الأمان للمشتري بانه اشترى من المالك الصحيح.
4. لكن نرى ان التطبيقات القضائية ومنذ عقود بل منذ ان صدر القانون المدني، تعتبر أي خلل في عملية البيع سبباً لبطلان التصرف، حتى لو مضى عليه عشرات السنين او ان الملكية انتقلت الى اشخاص عدة حتى لو كانوا اكثر من عشرة ملاك متعاقبين، وان الأول كان قد ارتكب خطأ متعمد في نقل الملكية فان تصرفات نقل الملكية اللاحقة تكون باطلة جميعاً، وهذا يربك الاستقرار ويؤثر في الامن الاجتماعي.
5. كان لقرار الهيئة الموسعة في محكمة التمييز الاتحادية الصادر بالعدد 300/هيئة موسعة/2023 بتاريخ 21/8/2023 اثراً في اثارة النقاش حول هذه النقطة، حيث انه قضى باعتبار كل التصرفات التي جرت على نقل ملكية عقارٍ ما بانها باطلة، حتى وان كان البيع ونقل الملكية الأول تم في عام 1996، حيث انتقلت الملكية الى ورثة المالكة بموجب قسام شرعي في حينه ومن ثم تم بيع العقار لعدة مرات، وكل هذه التصرفات تكون تحت رعاية وعلم دائرة التسجيل العقاري، ثم ظهر لاحقاً بان هذا القسام كان مزوراً وان البائعة هي احدى الوريثات، ثم في عام 2020 اقام احد الورثة الدعوى لأبطال القيد، أي بعد اكثر من 27 سبعة وعشرين عاماً، وان محكمة البداءة ومحكمة الاستئناف قد ردت الدعوى لان المدعي قد تأخر كثيرا في الطعن، وان هذا يتعارض مع مبدأ استقرار المعاملات، الا ان محكمة التمييز الموقرة قد نقضت الحكم لمرتين، لإنها ترى ان ما بني على الباطل فهو باطل، وبذلك فان لجوء المشتري الأخير وقبله الملاك المتعاقبين السابقين منذ عام 1996 ولغاية الان ، الى اتباع السبيل القانوني لا يكفي لحماية حقوقهم.
6. السؤال الذي يجب ان يكون مدخلا لإيجاد الحل، الى أي جهة يذهب المشتري ليتحقق من صحة ملكية العقار حتى يطمئن ويشتريه؟ فاذا دائرة التسجيل العقاري وسنداتها وقيودها حجة تثبت الحقوق، ومن ثم تظهر هشاشة هذه الحجة، ويفقد المشتري كافة حقوقه، خصوصاً في ظل الارتفاع الجنوني لأسعار العقارات،
7. متى يتم العمل بمبدأ حسن النية في التصرفات الناقلة للمكية العقارية، وان المادة 150 من القانون المدني اكدت على ذلك، ودائرة التسجيل طرف مهم في عملية نقل الملكية، واعمالها يجب ان تندرج ضمن هذا المفهوم؟ مع الالتفات الى محكمة التمييز الاتحادية الموقر كان لها موقف واضح لمناصرة مبدأ حسن الية في ملكية العقار بموجب قرارها العدد 335/ موسعة مدنية/2019 في 23/12/2019 حيث جاء فيه الاتي (لتصرف بالقطعة من قبل البلدية او الجهة المالكة سابقاً بعد سحبها من الشخص الذي خصصت او ملكت له. وبيعها او تخصيصها او تمليكها للغير حسن النية وتم توافر شروط التخصيص فهنا يحق لهذا الشخص المطالبة بتعويضه نقداً عن قيمة القطعة التي سحبت منه من الجهة التي خصصت او ملكت القطعة له ولا إلى فيه يصار إلى المطالبة بابطال القيد العقاري وذلك حماية للغير حسن النية والمحافظة على مبدأ استقرار المعاملات)
لذلك أرى ان يكون هناك تدخل تشريعي يحمي المشترى حسن النية، من هذه الصور من صور الاحتيال التي يقع فيها المواطن من جراء ثقته بسجلات دائرة التسجيل العقاري.