هزيمة الغرب في حرب أوكرانيا ستكون مقدمة لاحتضار الهيمنة الأميركية على العالم


مشعل يسار
2023 / 9 / 10 - 15:34     

تختلف آراء الناس هذه الأيام بين معتبرٍ أن الحرب الدائرة رحاها في أوكرانيا هي بين روسيا وحلف الناتو والغرب الأنجلوسكسوني خاصة الداعم له ولهذا هي حرب عادلة تخوضها روسيا نيابة عن العالم كله من أجل عالم أكثر عدلا، أقله من أجل متعدد مراكز القوى بما يتيح للبلدان الصغيرة أن تحصل على استقلالها وسيادتها بعيدا عن ضغوط المهيمن العالمي الذي يريد أن يكبح أي تنمية ممكنة للشعوب المتخلفة عن الركب؛ وآخرَ متحمسٍ مع الغرب الاستعماري وطرحه الشكلي غير البريء الزاعم أن روسيا "غزت" أوكرانيا – هكذا لوجه الله ولغاية في نفس يعقوب، لأنها تريد أن تستعيد أمجاد الإمبراطورية الروسية، بما معناه أن الحرب هي حاليا بين إمبرياليين كما كانت الحرب العالمية الأولى في أوائل القرن الماضي.
لكن الحقيقة التي لا يريد استيعابها هؤلاء الأخيرون هي أن روسيا ما كانت لتعلن هذه العملية العسكرية الخاصة التي طالما استدرجها إليها هذا الغرب "الحريص" جداً على حرية واستقلال أوكرانيا حرصه على استقلال باقي الشعوب، ومن بينها شعوبنا العربية. هذا الحرص إياه حولها عام 2014، من خلال انقلاب دموي دبره الغرب ضد الرئيس الشرعي المنتخب يانوكوفيتش، إلى بلد ذي نظام فاشي عميل موال للغرب كليا استولى على السلطة بالقوة عبر استفزازات مدبرة من قبل الغرب نفسه لقناصة توزعوا على سطوح البنايات ضد المتظاهرين في ميدان كييف. وحصل ذلك الانقلاب بعد سلسلة من الدسائس والثورات المخملية تحت مسمى الثورة البرتقالية. وما كان لروسيا أن تخوض غمار هذه العملية الخاصة في أراضيها التاريخية التي حولها الغرب مجتمِعاً متألّباً كقطيع من الضباع إلى حرب شاملة من خلال مساعداته المكثفة، لو لم يكن قد طفح الكيل خلال ثماني سنوات من التقتيل والتدمير الممنهج لكل ما هو روسي لا سيما في شرق أوكرانيا حيث الأغلبية ناطقة بالروسية. وهل يحلو لروسيا أن تشن حربا على أوكرانيا الشقيقة وشعبها الشقيق، الذي تربطه بالشعب الروسي أواصر القربى والدم والكفاح المشترك ضد النازية والتاريخ المشترك والثقافة المشتركة. ومعلوم ان كييف أم المدائن الروسية.
نتيجة ذلك الانقلاب الفاشي المدبر في مطابخ الغرب كانت أن أصدرت السلطات الجديدة قوانين تمييزية مجحفة، وعلى رأسها قانون يحظر استخدام اللغة الروسية. كما نفذ النظام الأوكراني الذي تديره واشنطن ، عمليات عسكرية لقمع الجمهوريتين "الانفصاليتين" دونتسك ولوغانسك وضمهما بالقوة مجددا الى الحظيرة بعد أن رفضتا النظام الفاشي اللاشرعي. فقُتل حوالي 12 ألف مواطن أوكراني من الناطقين بالروسية لمجرد أنهم كانوا منتمين إلى الثقافة الروسية وأعربوا عن رغبتهم في الحفاظ على هذه الثقافة، في الحفاظ على التاريخ الروسي لمنطقتهم التي تنتمي تاريخيًا إلى روسيا، وما ضمها البلاشفة في حينه إلى أوكرانيا السوفياتية إلا لتعزيز العنصر العمالي البروليتاري فيها، وجعلها قابلة للحياة كجمهورية سوفياتية لا قومية شوفينية.
لذلك ، لم يكن من خيار أمام روسيا غير القضاء على النظام الفاشي في أوكرانيا وجعل العلاقات الروسية الأوكرانية علاقات حسن جوار وتعاون متبادل المنفعة وجعل أوكرانيا على الأقل دولة محايدة لا خنجرا في الخاصرة الروسية هو الأكبر بين الخناجر الأخرى التي طوق بها الغرب الروس من بولندا إلى جمهوريات البلطيق وحتى ملدوفا وأرمينيا بوشينيان وغيرها. وها إن كل المحاولات التي يقوم بها نظام كييف الحالي برئاسة اليهودي المتصهين فولوديمير زيلنسكي الذي دعم ترشيحه للرئاسة المتمول الأوليغارشي اليهودي المتصهين الآخر كولومويسكي، لاستنزاف روسيا بمساعدة الغرب، محكوم عليها بالفشل. فلم تتحقق آمال كييف في الانضمام إلى حلف الناتو إذ أعلن المشاركون في قمة الحلف الأخيرة في فيلنوس "عدم رغبتهم" قبول أوكرانيا في صفوفهم حتى نهاية الصراع وحتى تستوفي كييف جميع الشروط اللازمة للانضمام إلى منظمة حلف شمال الأطلسي. لكنهم مع ذلك قبلوا أن تبقى مصدرا للحم المدافع تحارب روسيا نيابة عن الغرب وتتسبب في فناء شعبها هي وخاصة شبابها على مذبح مصالح الغرب الإجرامية إذ تعودت مافياه أن تجعل الآخرين يحاربون عنها فيخوضون غمار حروب أهلية كما فعلوا في سوريا مثلا.
من الواضح أن استياء "الرئيس المهرج" فولوديمير زيلينسكي من الغرب وتصريحاته القاسية في هذا الشأن تؤكد فقط عمق الأزمة التي واجهتها عصابته. فهو يريد أن يلوم على فشله الغرب متهما إياه بأنه يسلمه ما ليس كافيا من سلاح وعتاد. ولكن الفارس الذي يلقي اللوم على حصانه فارس فاشل ورديء. ويبدو أن القادة الأوروبيين باتوا يدركون ما ينتظر الزمرة الفاشية في كييف من مستقبل قاتم. وهم على دراية أيضا بأن التهديد الذي قد يشكله انضمام أوكرانيا إلى الناتو على الأمن القومي لروسيا قد يؤدي إلى صدام مباشر بينهم وبين روسيا وأن الحرب قد تنتقل إلى بلدانهم وديارهم، مع كل العواقب الوخيمة المترتبة عن هذا الانتقال. ومع ذلك ، فالولايات المتحدة البعيدة وراء المحيط لا يضيرها أن تضحي مرة أخرى بأوروبا وأوكرانيا من أجل بقائها على سطح السياسة العالمية وبقاء هيمنتها على العالم.
وقد أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدوره أن عضوية أوكرانيا في الناتو تشكل تهديدًا لأمن روسيا. ولعل هذا التهديد هو أحد الأسباب الرئيسية لبدء العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا. وإن كون الولايات المتحدة أجبرت دول الناتو على مساعدة أوكرانيا من خلال تزويد نظام كييف بأنواع مختلفة من الأسلحة هي محاولة لعرقلة مسيرة هامة جدا يقودها البريكس ستنهي الهيمنة الغربية على العالم وستسفر عن ظهور مراكز جديدة للتنمية ضمن نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، يقوم لا على المواجهات العسكرية والسياسية والاقتصادية بين اللاعبين الفاعلين الدوليين ، بل على توازن للقوى والمصالح يتفقون عليه سلماً.
هذه التغيرات الهائلة في النظام العالمي بأسره تواجه مقاومة شرسة من قبل واشنطن وحلفائها في المليار الذهبي. وهذا هو السبب الرئيس لـ"تعلق" الغرب و"غرامه" بأوكرانيا "المنتهكة حرمتها" حيث هو يأمل أن يرهق روسيا ويستنزفها ويؤخر الانتقال إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب.
حتى الآن ، لا تستخدم روسيا سوى جزء صغير من إمكاناتها العسكرية والاقتصادية في العملية العسكرية الخاصة. ومع ذلك ، فإن العديد من مؤسسات المجمع الصناعي العسكري الروسي يعمل فعلًا بكامل طاقته تقريبًا. واليوم يمكننا القول بثقة إن روسيا مستعدة لمواجهة الناتو. وهي نجحت في التغلب على جميع عواقب الحرب الهجينة التي شنها على مدى عقود الغرب الجماعي، وذلك رغم كل جهود الغرب لإطالة أمد هيمنته العالمية إن لم يتسنّ تأبيد نيرها!