نشأة صفة المثقف في فرنسا


فاطمة الفلاحي
2023 / 9 / 6 - 16:49     

نشأة صفة المثقف في فرنسا

المثقف: Intellectuel ؛ صفة كانت من ابتكار مدير صحيفة، كجزء من معركة ضارية خيضت بسلاح مواد مطبوعة. بالضبط كان ذلك في باريس يوم 14 يناير 1898،
عندما بادر صاحب يومية الفجر، المدعو جورج كليمنصو، النائب، بداية، ثم وزير الداخلية ورئيس المجلس، لاحقًا، إلى نشر بيان سميّ بيان المثقفين:
"إن الموقعين أدناه، المحتجين على الأسرار التي أحاطت بقضية استرهازي(Esterhazy ) ، يستمرون في طلب إعادة النظر في....".
هكذا ولد هذا اللفظ الجديد، ولم ترد الصفة في قاموس ليتريه للغة الفرنسية ولا في قاموس لروس الشامل الكبير لعام 1878.
بل أنه لا يعود إلا إلى نهاية القرن التاسع عشر. وانبثق اللفظ من حرب أهلية كامنة متمثلة بقضية دريفوس ( Dreyfus) .
وتقول تقلبات ولادته الكثير من المحن التي كانت في انتظاره. وفي الواقع كان كليمنصو قد حول الإهانة إلى مديح. ذلك أن الثقافوية (Intellectualisme ) كلمة عبرت عن الازدراء .
فكان يقصد باللفظ، على حد تعبير خصومه، أن التفكير في الأمور يتم بطريقة سطحية ولفظية، من خلال فرض أطر جامدة ومصطنعة على أرض الواقع.
وكان ذلك يعني أيضا التضحية بخصوصبة الغريزة لحساب قناعات التفكير النقدي الذي يعد قوة كبح وتدمير وكبت فكما هو بيّن، تفوح من الكلمة رائحة البارود.
والسبب وجيه، إذا كان مفكر ما لا يستطيع التفكير في شيء حسن إلا تضادًا مع فكرة معارضة، حتى لو كان ذلك ضد فكره بالذات: الأفضل من بينهم يوجهون تفكيرهم ضد أنفسهم .
وحتى مدير مجلة لوريان أكسبرس (L Orient Express) الشهرية الفرانكوفونية يندرج تماما ضمن خط التقليد الصحيح؛ فسيمر مؤرخ إذا ما نظرنا إليه عبر كتابه المشترك مع فاروق مردم بك بعنوان:
"رحلات من باريس إلى القدس"، وهو كاتب بالنظر إلى كتابه: "تاريخ بيروت" ولهذا كله كان أكاديميًا قبل أن يصبح مناضلًا.
وما سوف أستحضره القول لـ "ريجيس دوبريه" هنا يتماشى مباشرة برحابة صدر مع الدروب التي سارت عليها قامات كبيرة.
كان "زولا" فنانًا وصحفيًا، شأن "جيد"و"مورياك" و"سارتر"، أؤلئك النساك المكافحين الذين توجهوا تارة ككهنة إلى الجميع بلغة مبتذلة،
من خلال وسائل الإعلام؛ وكرهبان تارة أخرى، منصرفين إلى تعميق إيمانهم بعيدًا عن الأنظار. ذلك أن تاريخ المثقف العلماني الحديث،
له عصره الديني والقروسطي أيضًا، السابق على التاريخ.
في وسع الأستاذ التفكير بصوت عالٍ داخل مدرجه، وبالإمكان الشاعر الهذيان بصوت خفيض من غير الاكتراث لوجود الجمهور،
أما المتعلم الذي ينتفض لظلم لا يطاق، فيجب عليه أن يهز مشاعر جيرانه، لذا تراه يؤثر البيانات وعرائض الاحتجاج .
وبالنسبة إلى المحرض فإن المبدع يمثل له ما يمثله الزهد بالنسبة إلى راعي الأبرشية ، أو ما يمثله الملحن بالنسبة إلى قائد الفرقة الموسيقية .
وعليه فإن الأول يسترشد برسالة، أما الثاني فبوفاء وإخلاص، إلا أن الصحافة أيضا في وسعها أن تكون كهنوتًا.

المفكر في مواجهة القبائل
- ريجيس دوبريه