شهاب الدين ... أسوأ من أخيه


خالد بطراوي
2023 / 9 / 5 - 20:48     

يبدو أن الانقلابات العسكرية التي حصلت في القارة الإفريقية مؤخرا تحظى بإهتمام دولي وشعبي عارم، لكنها في ذات الوقت بالنسبة للشعوب مشوبة بالحيطة والحذر.
فتاريخ البشرية، المعاصر منه تحديدا، يفيد بأن الإنقلابات العسكرية الدامية لم تأت للشعوب بما هو جديد كمتغير دراماتيكي بغية تحسين حال الشعوب، بل إستبدال الإستعمار الجديد لحرسه القديم، حيث يتكلل ذلك كله بإجراء إنتخابات شكلية يستبدل فيها قائد الإنقلاب العسكري بزته العسكرية بالبدلة الرسمية ليصبح رئيسا للبلاد، ويطغى حكم العسكر مع بعض الرتوش التجميلية.
ومن الطبيعي، بل من الطبيعي جدا ومن البديهيات أن ذلك العسكري الذي وصل الى سدّة الحكم عبر العسكر والانقلاب، سوف تدور الدوائر عليه وتتم الإطاحة به يوما ما بذات الطريقة التي أطاح هو بها سلفه، فكما يقول المثل الشعبي "طباخ السم ... بيذوقه".
لذا، فإن الإنقلابات العسكرية التي حصلت مؤخرا – وربما تحصل – في القارة الإفريقية إما أن تكون بترتيب وتنسيق مع إحدى القوى العالمية لإعادة توازنات في القارة الإفريقية، أو أن تكون قد حصلت على حين غرّة – مع إستبعاد ذلك – لكن سرعان ما أسرعت القوى العالمية العظمى للتكالب عليها والإستفادة منها وإحتوائها.
أما الشعوب، فإنه مما لا شك فيه ستشعر بالفرح للتخلص من رموز النظام البائد، وسترحب في البداية بعملية " التغيير" ولو أنها أتت على قعقعة السلاح، لكنها سرعان ما تكتشف زيف كل ما حصل عبر الممارسة العملية لقادة الإنقلاب بتعليق الدستور وإعلان حالة الطوارىء وتغييب البرلمان والبدء بانتهاكات لحقوق المواطن في هذا البلد أو ذاك، ولنا في تجربة ما يسمى جزافا " بالربيع العربي" الكثبر من العبر.
إن التصريحات النارية التي يطلقها قادة الإنقلاب هنا أو هناك والتي توحي كما لو أنهم فعلا ضد الإمبريالية والرأسمالية ونهب خيرات البلد ما هي إلا " سحابة صيف" لا مطر مرجو منها، لأنه وببساطة .... لن تسمح الدول العظمى لأية عملية تغيير تؤثر على مصالحها في القارة الإفريقية وفي أي بقعة من بقاع العالم وعلى ضمان إستمرار نهبها للثروات.
إذا، ستكون المعادلة ... معادلة إعادة توازن قوى عالمية وتموضع ... وتقسيم "للكعكة" وسينطبق المثل على شعوب القارة الإفريقية الذي يقول " هارب من الدلف ... الى المزاب"، حيث قد تحتمي بعض الدول بروسيا هروبا من فرنسا مثلا، وربما يتكرر مشهد إنشاء قواعد عسكرية روسية بدلا عن القواعد العسكرية الفرنسية، وبالنسبة للشعوب فـ " شهاب الدين ... أسوأ من أخيه".
لكن ذاك كله لا يعني إستكانة الشعوب إذ لا خيار لها إلا استمرار النضال ولو كما "زحف السلحفاء" لأجل تحرير الإنسانية.
أتمنى في قرارة نفسي أن أكون مخطئا فيما ذهبت إليه بهذه المقالة ... لكنني أستشعر أن الظروف الذاتية والموضوعية لم تنضج بعد نحو إنعطاف تاريخي في العالم لصالح الشعوب ... لكن متى يتم ذلك ... الله أعلم ... "ألا إن نصر الله قريب".