الاغتراب لا يكون محصورا في ذات الفرد ونفسيته فحسب بل في ذات المجتمع ليتسع مفهومه فيشمل الإطار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي / 5


فواد الكنجي
2023 / 9 / 5 - 08:07     

فـ(العولمة الاجتماعية) جاء نشرها واتسعت منظومتها عبر (الانترنيت) و(عالم الاتصالات) و(ثورة المعلومات) لتحدث خللا سلوكيا في منظومة الاجتماعية وتحديدا في منظومة القيم الأسرية؛ نتيجة ما تبعها من غزو مفاهيم كالحرية.. والتحرر.. والانفتاح الغير المحافظ لقيم المجتمع والأسرة؛ لدرجة التي فرضت (العولمة الاجتماعية) سلطتها داخل نظام الأسرة نتيجة تعرضها لمؤثرات خارجية، وهذا ما أدى إلى تفكيك الأسرة بعد أن فقدوا أفرادها الاحترام المتبادل فيما بينهم؛ فلم يعد الابن أو بنت يحترمان كلمة أولياء أمورهم؛ لأن عقولهم تعرضت إلى الغسيل المبرمج بما تعرضه مواقع (الانترنيت) الخاضعة لثقافة (العولمة الرأسمالية) ووفق برامج اتصالية خاصة من وسائل التواصل الاجتماعي ومن قبل (وسائل الإعلام) و(الإنترنيت) وغيرها؛ فأفقدتهم ثقافة الاحترام المتبادل والحس والشعور بالآباء.. والأمهات.. والأخوة.. والجيرة.. والقربة؛ وهذا ما أدى إلى تفتت ليس فحسب نظام الأسري بل نظام المجتمع؛ نتيجة تفاقم المشاكل الاجتماعية وعدم تماسكها نتيجة ابتعاد كل أفراد المؤسسة الاجتماعية المعاصرة عن مورثهم الحضاري.. والثقافي.. والاجتماعي؛ وهذا جاء لعدم تمكنهم التكيف المنظم في إطار التغيير الإيجابي بما يضمن ديمومة وعيهم الاجتماعي ويحفز أفراد المجتمعات بصور عامة لمواكبة الحداثة بشكل معقول وإيجاب مع تطورات العصر وما أفرزته ثورة الاتصالات من (ثقافة العولمة) التي هي لدى أعلب المجتمعات ثقافة (دخيلة)، وهذه (الثقافة الدخيلة) هي ثقافة بدون استيعاب وفهم عمقها.. ودوافعها.. وأيدلوجيتها؛ لتلافي مطب (الاغتراب الذاتي) بتداخل مفاهيم متناقضة عن كل ما تلقاه الفرد من قيم في التربية والتنشئة وما اكتسبه من محيطه وبيئته الأصلية من قيم وعادات وتقاليد رصينة لتجنب فقدان الفرد هويته الاجتماعية والأسرية ولكي لا يفقد الانتماء عن روح مجتمعه ورسالتها وقيمها الإنسانية؛ وحين يسقط الفرد في هذا المطب انه لا محال سيشعر بالغربة عن الذات وهذه (الغربة) هي التي تبعد الفرد عن مجتمعه؛ لان وجه (الاغتراب) لا يكون محصورا في ذات الفرد ونفسيته فحسب بل في ذات المجتمع ليتسع مفهومه فيشمل الإطار الاجتماعي.. والسياسي.. والاقتصادي، لان العجز المادي الذي يشعر به الفرد بعدم تمكنه امتلاك ما يرغب امتلاكه؛ فانه لا محال سيلجئ إلى كل الوسائل لامتلاك المادة والتي ستجعله في ظل مفاهيم الرأسمالية والليبرالية الراديكالية عبدا لها؛ ورويد.. رويد.. ونتيجة انغماس الفرد في العمل للحصول على مزيدا من الأموال التي يرغب في اقتنائها سينفقها لامتلاك كل ما هو حديث حتى وان كان فاض عن احتياجاته، ونتيجة رغبته المستمرة في امتلاك فانه لا محال (سيتشيؤ) في هذه الأشياء المادية؛ وسيولد عنده شعورا داخليا بالإحباط والانفصال عن المحيط الذي يعيش فيه؛ لأنه يعيش (ثقافة ذاته) بمعنى انه تلقائيا يغترب عن محيطه؛ ليزداد شعوره بـ(الاغتراب) أكثر فأكثر بعد إن يفشل في التعرف عن العالم ومحيطه الاجتماعي بشكل موضوعي بناء؛ فيبقى خاضعا لمحيطه المادي الذي (تشيئه) وجعله صنما يقوده الآخرين بدون وعي حتى انه لا يعرف ماذا يرد إلا من خلالهم؛ لأنه يصبح أسير لموقع عمله يفرض عليه شروط الآلة الصناعية وإنتاجها ووفق قيم (الرأسمالية) المتوحشة التي هي من تزرع في ذات الفرد شعور بـ(الاغتراب)، لان (النظام الرأسمالي) لا ينظر إليه كمنتج بل خاضعا للإنتاج ونظامه؛ لان بطبيعة (النظام الرأسمالي) هي تسويق الإفراد حسب قناعاتها ليتم سوقهم جميعا خلف عربتها الصناعية كقطيع يمتثلون إلى إرادة الآلة بلا وعي وعليهم الطاعة دون تساؤل؛ ليصل بهم إلى قمة (الاغتراب) و(الاستلاب) و(العزلة) ليتم صناعة ذاتهم وفق الطبيعة (الرأسمالية) و(ثقافة لليبرالية الراديكالية)، لكي يتم تعقيد علاقاتهم – أي علاقات الأفراد مع بعضهم البعض – مع الآخرين ولكي (لا) تكون لهم أية علاقة بين الذات والآخر؛ لكي يتم نزع كل القيم الإنسانية من ذات الفرد لدرجة التي تلغي من مدركاته ومشاعره أية فكرة تتعلق بالمواطنة والقومية وقيمها الأصلية؛ لتخلق في ذات الفرد أو الإنسان عالم من الروح مغتربة عن ذاته؛ ليتم الانفصال بين العالم الواقعي الفعلي وعالم العقل والوعي والتحليل والإدراك ما هو صح وما هو خطا، لان في عالم (الرأسمالية) تربط كل الأشياء في محاور (العمل) الذي يبقى عن العامل غريبا عنه؛ ولكن يهيمن علية بالقوانين (الرأسمالية الصناعية) وهي قوانين غريبة عنه؛ وهذا (الاغتراب) هو الذي جعل الفرد في حالة (التسيؤ) .
يتبع