العمل الفني – وفق جادمر، درويسن وهيدجر-


فاطمة الفلاحي
2023 / 9 / 4 - 16:12     

إن العمل الفني ليس مجرد أثر من الأثريات التراثية الت تعيننا على فهم أو إعادة تأسيس العالم العقلاني الذ تنتمي إليه باعتبارها بقايا الماضي.
ولا هو مجرد مصدر من المصادر التي تشكل تراثًا لغويًا مفسرًا لعالم ما، وتكون بمثابة سجلات تم حفظها وآلت إلينا بغرض الاسترجاع.
ولا هو كما ظن "درويسن " شكل هجين من الأثريات والمصادر اللغوية التراثية شأنه شأن الوثائق التاريخية والعملات.. إلخ.
لو أننا اكتفينا بمثل هذه النظرة إلى العمل الفني، لكنا ننظر إليه مثلما ينظر المؤرخ إلى الوثيقة التاريخية. ولا شك أن العمل الفني يحمل طابعًا : و"ثائقيًا" من حيث أنه يدوم أو "يبقى" ؛
فحتى الفنون الوقتية – كالموسيقى على سبيل المثال- تبقى من خلال إمكانية إعادة عرضها على الدوام.والأعمال الفنية الناجحة بوجه عام تدوم وتبقى حاملة معها تاريخها الأصلي أو عالمها الذي انحدرت منه وآلت إلينا.
ولكن العمل الفني لا يدوم ويبقى بهدف استرجاع شيء ما قد حدث ذات مرة؛ لأنه لا يستند في دوامه وبقائه على طابعه الوثائقي، وإنما على صداه الذي يتردد في وعي الأجيال،
أي أنه يعتمد في بقائه على إرادة حافظة تتمثل في أولئك الذين يتلقون ويفهمون رسالته أو خطابه، ومنثم يحفظونها ويجعلونها متواصلة على الدوام.

وكلام جادمر هنا – مثلما هو الحال في مواضيع أخرى عديدة من كتاباته – يذكرنا بكلام هيدجر عن عملية "حفظ العمل الفني"،
وهي عملية لا تشير إلى مفهوم التذوق أو الوعي الجمالي الذي ينصرف إلى المتعة بالمظاهر الشكلية أو الخصائص الجمالية للعمل الفني، وإنما تشير إلى فهم الحقيقة التي يقولها العمل حينما نتيح له أن يكشف عن ماهيته.
وهذا الفهم يتطلب نوعًا من التعرف، ولكن التعرف هنا ليس من قبيل المعرفة التي تقوم على مجرد معلومات وأفكار عن شيء ما، وإنما هو رغبة في الفهم والمشاركة في نداء الحقيقة التي يتردد صداها في العمل الفني،
أو كما يقول جادمر : "نحن لا يمكن أن نفهم ماأن يقال لنا" *1 . وعندئذ فقط ينفتح أمامنا عالم العمل الفني، وتصبح حقيقته التاريخية متواصلة في عالمنا.

____________________


*1 M. Heidegger,"The origin of the work of Art" trans. By A. Hdfstadter, poetry,language Thought (New York:Harper & Row, 1971), P.65.Ed.