ذوي الأنوفِ الطِوالِ… تنمَّروا على المجرمين!


فاطمة ناعوت
2023 / 8 / 30 - 10:21     

أنوفُهم طويلةٌ كما الأبد، معقوفةٌ مُدبّبةٌ كما أنيابِ الكَمَد، ودون حقٍّ أو سند، يغرسون أنوفَهم في كل أرضٍ كما وتد، لا يترأّفون بأمٍّ ولا شيخٍ ولا ولد، ولا يستئذبون على لصٍّ ولا قاتلٍ ولا خائنِ بلد، بل على مسالمين عُزّل لم يجوروا على أحد!
عن "المتنمرين ثقلاء الظلّ" أتحدثُ. الفعل: “تنمَّرَ"، والجذر اللغوي": "نَمِرَ"، ومعناه: "ساءَ خُلُقُه”، يعني بالبلدي: “قليل الأدب مش متربي”! والمقابل لـ "المتنمر" هو "الُمتحضِّر”. لأن أحد تعريفات "الحضارة" هي: “رقّة التعامل مع الآخر”. ولهذا فكل متنمر هو بالضرورة شخصٌ همجيٌّ غيرُ متحضر. تراهم في كل التوافه حاضرون يتصدّرون المشهد. شاغرون عن أي عمل مفيد. فهم يدركون أنهم من هامش المجتمع غير المفيد، ولا يُشعَر بغيابهم إن غابوا؛ لهذا يعمدون إلى إثبات حضورهم ولفت الأنظار عن طريق التنمّر والتطاول واستخدام أرخص المعاجم وأعلى الأصوات؛ لكي نترك ما في أيادينا من جادّ الأعمال، وننظر صوبهم، وهذا عينُ مَرامهم. فهم دون الضجيج والتنمر غيرُ مرئيين. لأن لا منجزَ لهم ولا قيمة. سلاحَهم ليس العلمُ ولا العملُ ولا الكدُّ ولا الإنتاج، بل هو "المعجمُ الرخيص وثقلُ الظلّ"، وفقط. وظيفتهم على المدفع ليس "بوررم"، حتى نضحك كما ضحكنا مع "إسماعيل ياسين"، فكما أسلفنا هم ثقلاءُ الظل، إنما ظيفتهم الوحيدة: "كسر الخواطر"، بدلا من "جبر الخواطر المكسورة"، كما يفعل المتحضرون النبلاء. بل تمتد جرائمُهم حتى تصل إلى "القتل" العمد مع سبق الإصرار والترصّد. ولا أقصد "القتل المعنوي"، بل أقصد "القتل الحقيقي"، أي "إزهاق الروح" حرفيًّأ، عبر التنمر، وسأسوق لكم المثال خلال هذا المقال.
-"ولماذا تكتبين هذا المقال بـ سَوط وعصا، بدلا من كتابته بالقلم؟! ألستِ تتنمرين عليهم الآن، بينما تنتقدين التنمُّر؟!" سؤال افتراضي موجّهٌ لي. وإجابتي:- “نعم. بالفعل أنا أتنمَّرُ عليهم الآن. ذاك أن التنمّرَ على المُتنمّر مشروعٌ وحلال بلال، بل هو واجبٌ قومي؛ حتى يذوقوا الكأسَ التي يُذيقون للناس؛ فكلُّ ساقٍ سيُسقى بما سقى. مادام لم يردعهم أمرُ الله الصريح: “لا يسخرْ قومٌ من قومٍ"، ولم يردعهم قانون العقوبات وهذا نصُّه: “يُعاقبُ المتنمرُ بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وغرامة لا تقل عن ١٠ آلاف جنيه.” وكيف يفلتون من العقاب إذن؟! آه، لقد نسيتُ أن أخبركم عن صفة أخرى للمتنمر غير طول الأنف وثقل الظل. المتنمرون الجدد جبناءُ، يتخفّون وراء الشاشات بأسماء وهمية، ويمارسون رذيلة التنمر على صفحات سوشيال ميديا.
أحدث ضحاياهم كان الفنان "شريف منير" وابنته الإعلامية "أسما". لسبب ما قامت "أسما" بقص شعرها كاملا وظهرت في مهرجان الدراما حليقة الرأس. فانهال عليها وعلى أبيها وابلٌ من سهام التنمر القاتلة، بكلمات يعفُّ قلمي عن كتابتها! وبثّ الأبُ فيديو يناصر فيه ابنته ويقول للمتنمرين: أنتو مالكوا؟! شعرها وهي حرّة فيه! فهي لم تؤذِ أحدًا!” وهذا هو لبُّ الأمر. لماذا لا نرى المتنمرين "الحِشَريين" يمارسون رذالتهم على مَن يُكفّرُ ويهدرُ الدمَ ويغتصب ويتحرّش ويسرق ويخون الوطن؟! ما أرخص أن تترك جميع مَن سبق من مجرمين يُزيدون في غلوائهم، ثم تتنمّر على ضفيرة فتاة أو فستان سيدة أو عاهة مُعوّق أو شيخوخة عجوز! ما هذا الرخص والتدنّي والإفلاس؟! وعلى ذكر الإفلاس أذكّركم بحديث الرسول (ص) حين قال: “أتدرون مَن المفلس؟"، قالوا: "المفلسُ فينا مَن لا درهمَ له ولا متاع"، فقال: "إن المفلس من أمَّتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، وقد شتَم هذا، وقذف هذا، وأكَل مال هذا، وسفَك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإنْ فَنِيَتْ حسناتُه قبل أن يقضي ما عليه، أُخذ من خطاياهم فطُرحت عليه، ثم طُرح في النار.” وفي يقيني أنك لو بحثت وراء "متنمري سوشيال ميديا"، لن تجد صلاةً ولا زكاة ولا صيامًا، بل ستجد من بينهم مجرمين ومتحرشين وسارقي مال النبي، لكن غطاءَ الستر لم يسقط عنهم بعد، وريثما يسقط، يُنصّبون من أنفسهم قضاةً وديانين وجلادين على عباد الله المُسالمين، غاضّين الطرف عمن يدمرون المجتمع ويُفسدون في الأرض.
وأما "التنمُّر القاتل" الذي وعدتكم أن أحكي عنه، فدعوني أذكّركم بالفنانة الكوميدية الجميلة "حنان الطويل" التي تنمّر عليها بعضُ الشاغرين وسخروا منها، فدخلت في نوبة بكاء، ثم انهارت ودخلت مستشفى الأمراض النفسية، وما لبثت أن ماتت عام ٢٠٠٤. وتعددت الأقاويل حول موتها انتحارًا أم إثر أزمة قلبية، لكن الحتمي أن القاتل هم المتنمرون الذين حطّموا معنوياتها واغتالوها بكل خسّة.
أيها المتنمرون مصاصي الدماء، الحقَّ أقولُ لكم إن عذابكم في الدارين لشديد، فتوبوا وأصلحوا واتقوا ال،له وارتقوا، فإن القاعَ تدنّسَ وفاضَ، بعدما امتلأ.

***