كل المنتجين قالوا لى : - آسفين نوال السعداوى جريئة والرقابة متشددة -


منى نوال حلمى
2023 / 8 / 29 - 22:07     

مهما تكلمنا عن مضار وخطورة الخوف فى حياتنا ، ومهما شرحنا أن المخاوف أغلبها أوهام فى عقولنا وخيالنا الموروث منذ عهود سحيقة ، فان الطريقة المثلى هى " الفعل " الذى نقوم به لابادة الخوف والمخاوف . ومن تجاربى وليس من قراءة الكتب ، أن الوسيلة الأكثر فعالية والأسرع والتى تدوم ، هى أن " نواجه الخوف بالفعل المضاد " . هذا يعنى أننى اذا حددت ما الذى أخاف منه ، فاننى لا أتجنبه بأى شكل أو درجة ، بل أدخل الى عرينه المتوحش ، وأعطيه فرصة أن يفترسنى . مواجهة مباشرة كاملة . وعندما تمر لحظات ، وأفاجأ أننى على قيد الحياة ولم يفترسنى شئ ، سأشفى الى الأبد . وهذه طريقة متبعة فى الطب النفسى .


*****
لا أحضر الأفراح والمآتم وسرادقات العزاء . لست أؤمن بالمشاعر الجماعية فى الفرح والحزن . فهى أدق المشاعر الحميمية ، ولذلك لابد أن تبقى فى حيز الخصوصية ، وياريت لو بقيت سرية . عندما أموت ، لا أريد عزاء ّ . ليس فقط لأننى لا أؤمن بهذه الأشياء . ولكننى متأكدة أن الذين سيحضرون عزائى من النساء والرجال ، سوف يستمتعون بشرب القهوة ، وهم يتبادلون الحديث عن أسرهم وكيف سيقضون الأجازات القادمة فى المنتجعات والقرى السياحية ، وعن أضمن البنوك لوضع مدخراتهم وأفضل المشروعات لاستثمار أموالهم . سوف يتبادلون أرقام الهواتف والعناوين ، ويشكرون الظروف التى جهلتهم يتعرفون على بعضهم البعض ، أى موتى .
ليست القضية كما أعتقد أن نموت ،ولكن أن نميت الأشياء بداخلنا ، ونحن أحياء .. التنفس والحركة والأكل والشرب والتكاثر ، ليست معايير الحياة ، هى فقط تدل على أننا نشغل حيزا من الفراغ ، ليس الا . وما أكثر الذين يشغلون حيزا فى الفراغ . وما أقل الذين يحيون .

******

الى كل النساء والرجال على كوكب الأرض ... تعاطوا فقط " الحرية " بجميع مكوناتها ومكملاتها ، و لا تتعاطوا الأدوية ، كبسولات وأقراص وحقن فى العضل والوريد وتحت الجلد ، لا تأخذوا الفيتامينات والمعادن والمكملات الغذائية . حقنة حرية واحدة فى العقل ، قبل الافطار وقبل النوم ، وتتكرر كلما شعرتم بالضعف أو قلة المناعة أو اليأس أو تهكم وشتيمة الآخرين .
******

الاستعجال صفة ايجابية للماكينات والآلات ، وصفة سلبية للبشر .
الناس كلها فى عجلة من أمرهم ، فى كل مكان نجدهم مستعجلين ، يجرون ، ويهرولون ، يدفعون بعضهم
البعض ، كأنه آخر يوم فى الحياة على كوكب الأرض . حتى القهوة يشربونها سريعة الذوبان ، وأقراص الدواء يريدونها سريعة المفعول ، والحب يريدونه سريع الايقاع ، والنجاح يريدونه سريع الخطوات ،
يأكلون ويشربون بسرعة ، والكلام بسرعة ، والضحكات بسرعة ، وكسب الفلوس بسرعة ،
والزواج بسرعة ، وأخذ القرارات بسرعة ، والخلفة بسرعة ، والانفعالات سريعة ، وقيادة السيارات بسرعة ، والغناء سريع والرقص سريع .
انها لمتعة ما بعدها متعة ، أن نفعل الأشياء بتمهل ، ولكن بدقة . " التأنى " الآن أصبح عملة رديئة غير مستحبة ، منبوذة . يقولون أنه عصر السُرعة ، عصر " الانسان الآلة " ، الذى ينسجم مع التطور ،
ويتناغم مع الحضارة الرأسمالية التى تحكم العالم . حضارة تجعل البشريشعرون أنهم فى سباق دائم . واخترعت شعارات وضعتها فى أدمغتهم ، مثل " الوقت فلوس " .
ان السُرعة تقود الى الأخطاء ، والقرارات الهوجاء ، وهى تمثل ضغطا نفسيا هائلا على البشر .
وهناك نكتة سمعتها زمان ، أن رجلا قال لسائق سيارته : " أنا مستعجل سوق ببطء ".
وعلينا أن نتذكر دائما : " أن أحلى الثمار هى التى تمنحها الأشجار التى تكبر ببطء " .
******

كلما ازداد ما نملكه من أشياء ، كلما ازدادت عبوديتنا له حريتنا حريتنا حريتنا وبالتالى نقصت سعادتنا وراحتنا النفسية . لا أدرى لماذا الطمع والجشع ؟. لماذا لا نكتفى بالقليل ، طالما أنه يسد احتياجتنا ؟؟. نجد امرأة أو رجلا عنده بيت بسيط مريح ونظيف ، لكنه يريد أكثر من بيت وفى أكثر من مدينة وفى أكثر من بلد . ونجد دولاب النساء والرجال ممتلئ بالأثواب والأحذية والجواهر من كل شكل ولون وماركة . والتلاجات فى المطابخ فيها كل أنواع البقالة والنوع الواحد فيه عشرات الأنواع ، ونجد كل أنواع اللحوم والطيور والأسماك . والمشروبات بجميع أنواعها . طبعا هذا للميسورين ماديا ، والذين يجدون متعتهم فى المزيد من الامتلاك ، وينسون أن هناك فى العالم 830 مليون تحت خط الفقر ، ويعيشون حالة المجاعة ، نساء وأطفالا ورجالا ، ومن جميع الأعمار.
الحرية هى قدرتنا على الحياة بأقل القليل .

******

فى أشعارها حب للطبيعة ، والرغبة فى الانطلاق بعيدا عن القيود والذكريات والألم الحتمى الذى لا يفارقنا . وكانت قصائدها لا تخلو من التشبث بلحظة فرح تمضى عابرة ، رومانسية جدا ومنسية جدا . كانت تحب قصائد الشاعر الانجليزى جون كيتس 31 أكتوبر 1795 - 23 فبراير 1821 والشاعرة الانجليزية اليزابيث براوننج 6 مارس 1806 - 29 يونيو 1861 وكانت الحرب الأهلية الأميركية 12 ابريل 1861 - 9 ابريل 1865 من الأسباب الرئيسية لشعورها بالمزيد من الانفصال عن العالم ورغبتها فى الانطواء وترسيخ احساسها بالضياع والفوضى التى تموج بقلبها وعقلها . كتبت حسب ما هو معروف ومعلن أكثر من 1500 قصيدة ، لم يتنشر منها فى حياتها الا 11 قصيدة كتبتها بأسماء غير اسمها الحقيقى . وبعد وفاتها اكتشفت اسرتها هذه القصائد ونشرتها . اعتبرها التاريخ الأدبى الأمريكى من أفضل شعراء القرن 19 مع الشاعر والت وايتمان ( الذى عاصرها ) 31 مايو 1819 - 26 مارس 1892 .
قالت اميلى : " اذا استطعت ان أصنع فارقا فى حياة شخص واحد ، سأعتبر أن حياتى لم تذهب هدرا ". منتهى التواضع والحكمة والثقة بالنفس .

******

أى قانون جديد للأحوال الشخصية ، لابد أن يعطى المرأة حق تطليق نفسها ، اذا رغبت فى ذلك . العدالة فى الحقوق هى غاية القوانين ، التى من الضرورى أن تتغير مع تغير الحياة . ولابد أن يوثق الطلاق كما فى الزواج، المرأة كاملة الأهلية والمواطنة والكرامة. لابد أن تتوقف المرأة عن قول : " طلقنى .. " . من غير المعقول أن تستجدى المرأة من الزوج الانفصال ، وهو حسب مزاجه يطلق ، أو لا يطلق ، ويبقيها رغما عنها .
******

تواصلت منذ شهور مع عدد من المنتجين ، بخصوص انتاج فيلم عن احدى روايات أمى " نوال السعداوى " أو عن احدى روايات شريف حتاتة أبى ,, والجميع ردوا بهذا الرد على اختلافهم : " آسفين ونعتذر .. الجرأة فى روايات د . شريف و د . نوال عالية جدا .. والمناخ الآن سقف حرياته منخفض جدا جدا جدا ، وأيضا الرقابة متشددة جدا جدا جدا " . وبعض كتاب السيناريو من النساء أو الرجال أيضا ، أكدوا هذا الكلام .
هذا هو الحال اليوم فى " هوليوود الشرق " . عندما أعيد تقييم الأفلام المصرية ، أجد أنها تدور فى التيمات المكررة ، المستهلكة ، أو أنها فقيرة المستوى الفكرى ، لا رؤية ، لا تجديد حقيقى ، ولا ابداع . أفلام أكشن ، وافلام عنف ، تحكى حواديت ساذجة .
وعندما نسأل أهل السينما ، لا يقولون الا هذه الجملة : " أصل مافيش ورق حلو ".
فى " هوليوود الشرق " ، لابد أن أكون من أصحاب الملايين والمليارات ، حتى أقوم بانتاج رواية مختلفة شكلا ومضمونا ، ترضينى على المستوى الفكرى والفنى ، وتقدم الفن الذى يكسر الخطوط الحمراء ، ويقول ما نسكت عنه ، مع المتعة والبساطة .
كل يوم ، تتصدع أدمغتنا برسالة الفن المقدسة ، وكيف ان الفن هو قاطرة التقدم ، والقوة الناعمة الضرورية التى تعلى من قيمة المجتمعات ، وأن الفن هو مرآة لا تخدع ، تعكس التناقضات ، وتعرى القبح ، وتفضح الكذب .
والبعض من أهل السينما ، يشيدون بالأفلام الأميركية والأوروبية وغيرها من بلاد العالم ، ويتحسرون على ضعف سوق الفيلم المصرى . ويبررون هذا الضعف بقلة الامكانيات والميزانيات .
لكن حقيقة الأمر ، ليست فقر الفلوس ، وانما فقر الفكر والخيال والجرأة .
عندما جاءنى الرد : " آسفين .. الروايات جريئة والرقابة متشددة وسقف الحرية منخفض " ، تسائلت منْ سيغير
هذا المناخ ؟؟. والى متى ، لا نقوم بمسئوليتنا نحو التنوير ؟؟. ومنْ هم الذين يقاومون الجديد ، ؟؟؟.
أمى كتبت ما يقرب من 35 رواية ، تُرجمت كلها الى 40 لغة عالمية ، ولم تتحول أى واحدة منها الى فيلم سينمائى . وأبى شريف حتاتة ، له 20 رواية ، لم تأخذ طريقها الى الشاشة . منذ ستينات القرن الماضى ، منذ عهد عبد الناصر ، ثم السادات الذى سجن نوال مع رموز المعارضة فى اعتقالات سبتمبر 1981 ، ثم عهد مبارك ، لم
يقدما تنازلات ليرضى النظام عنهما . وبعد ثورة 30 يونيو 2013 ، تغير رأس النظام السياسى فى مصر . ولكن الثورة الثقافية ، والدينية ، والفكرية ، لم تحدث .
بعد رحيل نوال ، وشريف ، صممت أننى لن أتوقف حتى يتم انتاج بعض من رواياتهما فى السينما . وكان هناك حلم لأمى ، وهو ان ترى احدى رواياتها على الشاشة ، باخراج ابنها وأخى المخرج السينمائى عاطف
حتاتة .
******


يكرهنا الناس أسوأ أنواع الكراهية والتى ليس لها علاج ، لأننا فقط نقول الحقيقة ، دون ترقيع ومواربة وتحايل ومراوغة . تريدين أن تحصلى على كراهية الناس من جميع الأطياف ، فقط قولى الحقيقة دون أن تجعليها ترتدى حجابا أو نقابا . وأنت تريد أن يلعنك الناس على اختلافهم ، ليل نهار الى الآبد ، فقط " قل للأعور انت أعور فى عينه ". لن يكرهنا الناس ، لآننا ناجحون ، أو أثرياء ، أو ذو نفوذ . لا شيء يزعج ، ويظهر فى الناس أسوأ ما فيهم تجاهنا ، هو أن نحب الحقيقة ، ونتشبث بها ، وندافع عنها ، أمام الجميع ، ولا نعبأ بالعواقب. الحقيقة رغم بساطتها ، وبديهيتها ، " متوحشة " ، واعصار يطيح بكل الأشياء . الحقيقة ولو أنكرها الجميع ، تظل حقيقة .

******

من حياة اليتم فى دار " راهبات العناية الالهية " الى قمة الشهرة والثراء . وكان لها حس فلسفى ساخر وآراء بديعة عن الحياة والجمال والحب والنساء والرجال والفقر والثراء . حقا فان التجارب الصعبة هى ما تصنع الانسان ، اما أن تبقيه فى القاع أو تنتشله من القاع الى القمة . وكوكو شانيل واسمها الحقيقى جابرييل ، عرفت كيف تقاوم وتحقق طموحاتها ووتشبث بأحلامها وتخلق من التراب ذهبا . عند رحيلها كانت أغنى نساء العالم . وكانت تفعل ما تريد بصرف النظر عن مجاراة عادات وتقاليد المجتمع الفرنسى فى عصرها . وابتكرت أزياء للمرأة ، تجمع بين البساطة والشياكة والعملية . من أقوالها الرائعة :
تحتاج المرأة الى الجمال لكى يحبها الرجال . وتحتاج الى الغباء لكى تحبهم.
أناقة الأزياء لا تفيد دون أناقة القلب والروح . .
اذا كانت المرأة بداخلها القبح فلن ينفعها أى ماكياج . .
العمل والحب هما الحياة . .
حياة واحدة نعيشها ، لابدأن تكون ممتعة . .
الأزياء تتغير. لكن فن الأزياء خالد . .
المناصب المرموقة كثيرة . وكذلك النساء الدوقات . ولكن هناك كوكو شانيل واحدة ..
انها كوكو شانيل ، أشهر منْ صمم الأزياء فى القرن العشرين ، والتى يمر على ميلادها 140 عاما ، فى 19 اغسطس 2023 .
******

" تعلمت منذ زمن طويل ، ألا أتصارع مع خنزير أبدا ، لأننى سأتسخ أولا ، وسيسعد هو بذلك ثانيا".
من أجمل مقولات جورج برنارد شو 26 يوليو 1856 - 2 نوفمبر 1950 ". كلمات حكيمة لو طبقناها ،
سوف ننعم بالهدوء ، والراحة ، والسلام الداخلى .

******