ثقافة العولمة تعمل على تغيير نمط العلاقات الاجتماعية / 2


فواد الكنجي
2023 / 8 / 27 - 10:22     

فـ(الحداثة المعاصرة) والانفتاح على العالم الخارجي عبر وسائل الاتصالات الحديثة ومنصات التواصل الاجتماعي المتعددة؛ فتحت إمام أفراد الأسرة فرصة لتعرف واسع على هويات مجتمعية أخرى؛ وهذا هو التحدي الأكبر التي تواجه الأسرة؛ فإذ لم يحصن الأفراد بقيم المجتمع الذي ينتمي إلية وبيئته وبطبيعة مورثهم الثقافي وعاداتهم وتقاليدهم الرصينة؛ فأنهم لا محال سينسلخون عنه بتطبيع واقتباس واخذ وتقليد من ثقافات أجنبية بدون وعي وأدارك مخاطر استبدال قيمهم بقيم بعيدة عن واقعهم وتربيتهم؛ وهذا ما يجر المجتمع إلى تفكيك نسيجه المجتمعي؛ وهذا ما تعمل علية (ثقافة العولمة) لتغيير نمط العلاقات الاجتماعية؛ بل نمط التواصل الأسري بعلاقات (عولمية) من اجل محو خصوصية الأسرة وأفرادها الأخلاقية.. والثقافية.. والتاريخية .
وأكثر من ذلك حاولت (العولمة) استهداف (الطفولة) بمنافذ مبرمجة لا تخطر على البال؛ وتحت عناوين ( حماية الطفولة) ولكن الحقيقة هي غير ذلك – إن لم تكن على عكسها – إذ تحاول (العولمة) السيطرة على (لغة الأم) للطفل لسيطرة على أفعاله وتصرفاته بما تواكب (المعاصرة المعولمة) لطمس هويته بمجتمعه وبيئته التي لا محال تؤدي إلى إحداث تغيرات سلوكية وشخصية؛ لان (الأطفال) تحديدا ونتيجة اعتمادهم على ما يقرؤون ويسمعون ويشاهدون على (الإنترنيت) ونتيجة استمرارهم ومتابعتهم المستمرة لما ليتقونه؛ يحدث تغيير في سلوك الأطفال.. والمراهقين.. والشباب؛ بما ليس له علاقة بالواقع الأسري أو بواقع مجتمعهم؛ فيصاب (الأطفال) – تحديدا – بنوع من التطرف في المزاج وتعاملهم مع الأخريين؛ لان طبيعة تفكير الطفل والمراهق وبما تلاقه من مواقع المتعددة في منافذ (الانترنيت) سيغير الكثير من تفكيره.. وإدراكه.. ومعتقداته.. وسلوكه؛ بل إن الكثير من الفئات المجتمعية وخاصة الأطفال.. والمراهقين.. والشباب؛ أثرت عليهم (الانترنيت) تأثيرا بالغا وبما غيرت طبيعة حياتهم التقليدية إلى حياة أخرى لا تشبه سابقتها أبدا؛ وهذا التغيير الذي أحدثته (الانترنيت) والوسائل التواصل الاجتماعي اثر أيضا على (الهوية الاجتماعية)، لان الاستخدام المفرط لـ(الإنترنيت) عززت مفاهيم (العزلة) و(الاغتراب) في نفوس الأفراد؛ لان القيمة الفردية والميل للوحدة والعزلة للمراهقين والشباب تطغوا على القيم الاجتماعية الإنسانية من التفاعل الاجتماعي والتعاون الأسري والمجتمعي؛ وهي أمور تنمي دائرة التعاون والمشاركة والتآخي وتعزز في المجتمع مبادئ وقيم السلم المجتمعي والأهلي، لأن (الإنترنيت) تساهم مساهمة فعالة في انعزال الأبناء داخل الأسرة والتفكك العائلي؛ لان أفراد العائلة عبر انشغالهم ولساعات طويلة إمام أجهزة الاتصالات الحديثة وخاصة الأطفال.. والمراهقين.. والشباب؛ لا محال تجعلهم منعزلين عن الأسرة وبعيدين عن التواصل مع أولياء أمورهم وأفراد أسرتهم أو أصحابهم، مما يفقدون أساليب بناء المهارات اللازمة للتفاعل مع الآخرين وعلى مستوى العلاقات الأسرية ومع الأصدقاء والأقرباء؛ وبذلك يتسع نطاق الغياب الروحي والعاطفي بين أفراد الأسرة برغم الحضور الجسدي، حيث يمسك كل واحد منهم بـ(اللابتوب) أو (هاتفه النقال) فيتجاهلون عمن يجلسون معه؛ وهذا الاستغراق في استخدام هذه الوسائل يضعف العلاقات الاجتماعية ويقلل من التفاعل الاجتماعي في محيط الأسرة وفي محيط الأقرباء والأصدقاء، وذلك من خلال قلة الزيارات واللقاءات العائلية، وهذا ما يزيد من (الاغتراب النفسي للأفراد) نتيجة التغيرات والتحولات الاجتماعية التي طرأت على المفاهيم الثقافية.. والسياسية.. والاجتماعية.. والاقتصادية؛ والتي ألقت بظلالها على مختلف شرائح المجتمع؛ وهي التي ساهمت في أضعاف وتفكك نسيج العلاقات الأسرية والمجتمعية؛ بل وعملت على (اغتراب) الأفراد وتدمير شخصيتهم؛ مما ساهم في تعدد أشكال الانفصال داخل (الأسرة) و(المجتمع)؛ والتي تجسد في تدمير الذات الإنسانية نتيجة (الاغتراب) التي ابعد الأفراد عن التضامن والمشاركة مع الآخرين في كل الممارسات .
فغياب الوعي عند الإنسان (المعولم) ساهم في الابتعاد عن تحمل المسؤولية لكي لا يلقى على كاهله تحديات التي تواجهها الأسرة في حياتها اليومية وأيضا تحديات مجتمعه؛ لكون (الاغتراب) شبعت أفكاره بكل ما هو(سلبي)؛ لذلك اختار طريق الابتعاد عن الآخرين وعدم المواجهة وعدم المساندة والدعم أية جهة كانت سواء في دائرة المحيطة من حوله أو مجتمعه؛ لأنه يريد إن يصنع لنفسه عالم خاص دون تبعية أو أملاءات حتى وان كان من اقرب المقربين إليه .
يتبع