مدينة الأحلام … لأبناء طيف التوحد


فاطمة ناعوت
2023 / 8 / 23 - 11:24     

“مدينة الأحلام" … لأبناء طيف التوحد

لا شكَّ أن الدولة المصرية الراهنة باتت تولي اهتمامًا مشهودًا بأبنائنا من "ذوي الهمم". وأطلق الرئيس السيسي مبادرات طيبة تستهدف توسيع مِظلة الحماية المجتمعية لذوي الهمم، كان آخرها تصديقه على قانون دعم صندوق "قادرون باختلاف" بمليار جنيه. وهنا أتمسّك بالعبارة الجميلة: "قادرون باختلاف" لأتحدث عن أبناء "طيف التوحّد" Autism Spectrum الذين يزداد عددهم بشكل مخيف. فمن الصعب أن نُطلق عليهم "مرضى"، بل هم "مختلفون" يرون العالم على غير ما نرى، ويتصرفون تجاه الأشياء على نحو مغاير لما نسلك. والمشكلة، بل النعمة، في المتوحدين، أن ملامحهم طبيعية تمامًا. فلن تكتشف أنك أمام "متوحد" إلا حين تبادره بالحديث، وتكتشف أنه لا يعبأ بك رغم إدراكه لما تقول، ماعدا المجاز والمبالغات والمجاملات التي لا يتعامل معها عقلُه. ولن ينظر في عينيك مباشرة، فتظنه خجولا أو منطويًا، وولن تنتبه لكونه من "القادرين باختلاف". لهذا فهم أكثر الناس عُرضة للتنمر.
أتكلمُ اليومَ لا بوصفي كاتبة، بل بصفتي أمًّا لطفل متوحد، صار اليوم شابًّا جميلا في التاسعة والعشرين من عمره. لهذا فأنا أحمل في سلّتي خبرة ثلاثين عامًا معايشة يومية مع "التوحد"؛ قرأتُ خلالها عشرات الكتب ومئات الأبحاث وطاردتُ خلالها آلاف بوارق الأمل في الشفاء، حتى تيقنت أخيرًا أن "الاختلاف" عن الشائع، لا شفاء منه، لأنه أصلا ليس مرضًا. لكنني لا أدري مصير ابني بعدما أمضي إلى حيثُ تمضي الأمهاتُ ولا يعدن. ومع يقيني أن الله أحنُّ على ابني منّي ومن البشر، إلا أن تفاصيل حياته ونوعية طعامه الخاص تستوجب قلقي. فمن الخطر أن يأكل المتوحدون الخبز والحليب ومشتقاتهما. لأن "الجلوتين" في القمح، و"الكازيين" في الحليب يشكلان خطورة عليهم بسبب نفاذية الأمعاء ومشاكل guts brain access أي التواصل بين المخ والجهاز الهضمي. لهذا أُطعم ابني "خبز اللوز" و"حليب اللوز" وأنواع معينة من المكسرات غير متوفرة في مصر وغيرها من المواد باهظة الثمن، لكنها بالنسبة لابني كالماء والهواء، لو أوقفتها عنه تتدهور حالته وتتكاثفُ حول مخه سحائب الضباب التي تعوق تواصله مع الناس والحياة.
لهذا أناشد الرئيس السيسي والدولة المصرية الكريمة والمجتمع المدني ورجال الأعمال النبلاء أن تتكاتف جهوُهم لإنشاء "مدينة الأحلام للمتوحدين" كما رسمها الكيميائي-الحيوي المصري-الكندي "رامز سعد"، الذي كان له الفضل بعد الله في اكتشاف المعادن الثقيلة في جسم ابني "عمر" بعد تحليل خصلة من شَعره في معامل كندا، ثم وضْعِ بروتوكولٍ غذائيٍّ خاصٍّ التزمتُ به وكانت نتائجه فائقة؛ فبدأ "عمر" يخرج من شرنقة الانعزال عن العالم ويتفاعل ويتحدث. لكن هذا البروتوكول الغذائي يجب أن يستمر طوال العمر وإلا انتكس. فما أحوجنا، كأمهات لأطفال متوحدين، لهذه المدينة الفاضلة التي سوف تكون لأطفالنا ملاذًا بعد رحيلنا عن هذا العالم.
ملامح مدينة الأحلام كما رسمها "رامز سعد" ويحلم بأن تكون بلدُه مصرُ رائدةً في تشييدها: مخصصة لأطفال اضطراب طيف التوحد ASD لمساعدتهم على مواصلة الحياة بشكل صحي. المدينة مبنية على أسس علمية وأبحاث عمل عليها لسنوات أثبتت أن مشكلة طفل "التوحد" هى "عدم إتصال المخ بالمعدة" بسبب خلل نسب المعادن فى جسمه. هذه المدينة سوف تُجهّز بأجهزة لفحص صورة الدم والسكر التراكمي والكانديدا وفيتامين د، ومعامل لتحليل المعادن، الصحية والسامّة، في جسم المتوحد، ثم يوضع لكل طفل بروتوكول غذائي خاص وفق بصمته المعدنية؛ لإخراج السموم التي تعوّق تواصله الاجتماعي مع الناس. المدينة ستكون مجهزة بأطباء أسنان ومخ وأعصاب وجهاز هضمي وأخصائيين تخاطب وتعديل سلوك. وبالطبع عربة إسعاف وصيدلية وفريق تمريض مُدرّب. سيكون بالمدينة معاملُ مخصصةٌ للأبحاث وتسجيل الإحصاءات ومراقبة نسب تحسن الحالات.وسيتم تدريب كوادر جديدة من مختلف الدول، مع فتح باب التطوع لمن يريد المشاركة بهذا المشروع القومي النبيل. سيكون بالمدينة قاعات مخصصة لتنمية المهارات وتعليم الفنون الجميلة كالرسم والموسيقى، لأن أبناء التوحد غالبًا موهوبون في الفنون. وبالمدينة أرضٌ للفروسية وملاعب تنس وسلة وكرة قدم وتراك جري ودراجات وحمام سباحة أوليمبي؛ لأن الرياضة جزء أساسي من بروتوكول العلاج. سيكون هناك مطبخٌ مخصص لإعداد الوجبات الخاصة بكل طفل وفق البروتوكول الغذائي المناسب لبصمته المعدنية. وسيكون بالمدينة حقول لزراعة الأعشاب والنباتات اللازمة في رحلة علاج الطفل التوحدي، وستزرع بطريقة عضوية فقط دون مبيدات. سيكون هناك دورات تدريبة للأهل لتدريبهم على كيفية التعامل مع الطفل وتعليمهم أسس التغذية السليمة التى يحتاجها فى كل مرحلة من مراحل علاجه. وسيقيم الطفل أو الشاب بهذه المدينة حتى نضع قدميه على طريق الشفاء بإذن الله ليخرج إلى الحياة إنسانًا كامل الأهلية، وقد يساهم المتوحد بعد شفائه في مساعدة غيره ممن في بداية الطريق، ويدخل غيره وتستمر دائرة العطاء دون توقف. آمين يتحقق الحلم.
***