القرآن براء من السب والشتم


سامح عسكر
2023 / 8 / 10 - 01:12     

بالنسبة للأخوة الذين يقولون أن القرآن به سب وشتم

هذا غير صحيح

أولا: القرآن نهى عن السب والشتم بألفاظ صريحة بقوله "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم "[الأنعام : 108] ونهى كذلك عن العدوان.."وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" [البقرة : 190]

ثانيا:الإشكال الذي يراه بعض الأخوة في سب وشتم القرآن العلة فيه حرف (الكاف)

كمثل الحمار يحمل أسفارا
أولئك كالأنعام بل هم أضل

هذا تشبيه موضوعي يصف المنافقين والأغبياء والمتنطعين بأنهم كالحمير يحملون علما لا يستفيدون منه، لم يقل (هؤلاء حمير ولاد وسخة) مثلا..هذه لغة يتعفف عنها القرآن.

لاحظ الآية

"مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا"..[الجمعة : 5]

هذا تمثيل وتشبيه (موضوعي) وليس تشبيها (ذاتيا) على نحو (انك لو لم تفعل ذلك أصبحت كالحمار الذي لا يفهم شيئا) يعني أنت إنسان مكرم يجب أن تفهم بطريقة أفضل، وتسلك ما يتفق مع فهمك الصحيح لم يقل.." الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها هم حمير ولاد ستين كلب"..لأن الغرض تمثيل وتشبيه (موضوع) الفهم والسلوك، وليس تشبيه (ذات) الكافر أو المنافق..شخصنة وتهجم

نفس الحال كالأنعام هذا أيضا تشبيه موضوعي يصفهم بالغباء والعمى والطرش وتعطيل كل مدركات العقل.. لاحظ:

"أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا" [الفرقان : 44]

" لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون" [الأعراف : 179]

الآيات تتحدث عن (معنى/ موضوع) وليس عن (ذات/ شخص) والقرآن أعطاهم الأدلة العقلية بأن سلوكهم يشبه صفات الحيوان من حيث المعنى، وأنهم يجب أن يترفعوا عن ذلك كونهم آدميين.

باختصار: العلة في حرف (الكاف) كالأنعام كالحمار، أعد صياغة هذا الأسلوب ستجد أنك تستعمله في حياتك اليومية مرات رغم ادعائك حسن الخلق، كذلك يستعمله بعض الفلاسفة لتشبيه واقع وموضوع من جهة العظة والعبرة

أما قوله تعالى (عُتّل بعد ذلك زنيم)

ففيه رأين شائعين بين المفسرين، الأول هو الملحق بقوم ليس منهم، أي هو ابن الزنا واشتهر هذا القول عن عطاء وعن عكرمة الخارجي مولى ابن عباس ، اما الثاني فهو اللئيم المعروف بالشرور والآثام، ونقل ذلك عن أئمة كثيرين منهم سعيد بن جبير والضحاك..

تابع معي

1-(زَنِيمٍ) أي معروف بالشرور والآثام ، كما تعرف الشاة بالزنمة روى عن ابن عباس أنه قال : هو الرجل يمرّ على القوم فيقولون رجل سوء (تفسير المراغي 5213)

2-عن مجاهد قال: نزلت في الأسود بن عبد يغوث، أو عبد الرحمن بن الأسود.
والمشهور أن الآيات نزلت في الوليد بن المغيرة، أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: نزلت على النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ، هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ فلم نعرفه، حتى نزل عليه بعد ذلك: عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ فعرفناه له زنمة كزنمة الشاة ..(التفسير المنير للزحيلي 29/ 51)

3-قال سعيد بن جبير : الزنيم الذي يعرف بالشر ، كما تعرف الشاة بزنمتها ، والزنيم الملصق ، وقال الضحاك : كانت له زنمة في أصل أذنة..(مختصر تفسير ابن كثير للصابوني 2594) (فتح القدير للشوكاني 5/ 376)

4-قال إبراهيم النخعي : الزنيم : هو اللئيم في أخلاق الناس...(تفسير ابن رجب 3/ 491)

5-روى معاوية بن صالح ، عن كثير بن الحارث عن القاسم مولى معاوية. قال : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العتل الزنيم قال : "هو الفاحش اللئيم ".( تفسير ابن رجب 3/ 492)

6- يقول الضحاك : هو الوليد بن المغيرة ، وكان أسفل أذنه زنمة كزنمة الشاة (غرائب التفسير وعجائب التأويل 3/ 1237)

7- وفي الزنيم أربعة أقوال : أحدها أنه الدعي في قريش وليس منهم رواه عطاء عن ابن عباس وهذا معروف في اللغة أن الزنيم هوالملتصق في القوم وليس منهم وبه قال الفراء وأبو عبيدة وابن قتيبة قال حسان ... وأنت زنيم نيط في آل هاشم ... كما نيط خلف الراكب القدح الفرد ...
والثاني أنه الذي يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس
والثالث أنه الذي له زنمة مثل زنمة الشاة وقال ابن عباس نعت فلم يعرف حتى قيل زنيم فعرف وكانت له زنمة في عنقه يعرف بها ولا نعلم أن الله تعالى بلغ من ذكر عيوب أحد ما بلغه من ذكر عيوب الوليد لأنه وصفه بالحلف والمهانة والعيب للناس والمشي بالنميمة والبخل والظلم والإثم والجفاء والدعوة فألحق به عارا لا يفارقه في الدنيا والآخرة والزنمتان المعلقتان عند حلوق المعزى وقال ابن فارس يعني التي تتعلق من أذنها
والرابع أنه الظلوم رواه الوالبي عن ابن عباس..(زاد الميسر لابن الجوزي البغدادي 8/ 334)

8-أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال : الزنيم هو المريب الذي يعرف بالشر ، وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر والحاكم وصححه عنه أيضا قال : الزنيم الذي يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : هو الرجل يمر على القوم فيقولون رجل سوء وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله : { زنيم } قال : ظلوم وقد قيل إن هذه الآيات نزلت في الأخنس بن شريق وقيل في الوليد بن المغيرة"..(فتح القدير للشوكاني 5/ 377)

9-زنيم أي ولد زنا وقيل هو الذي في عنقه زنمة كزنمة الشاة التي تعلق في حلقها وقيل معناه مريب قبيح الأفعال وقيل ظلوم وقيل لئيم..(التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزئ 3/ 208)

10- أخرج عبد بن حميد عن أبي امامة في قوله : عتل بعد ذلك زنيم قال : هو الفاحش اللئيم..(الدر المنثور للسيوطي 8/ 246)

أكتفي بذلك والنصوص بالمئات

ترجيحي الشخصي: أنه لا يمكن أن يكون معنى الزنيم هو ابن الزنا، لماذا؟

لأن الوصف اللاحق للزنيم هو (أن كان ذا مال وبنين) ومن الصعب أو يكون من المستحيل في ذلك العصر بين عرب قريش أن يكون ابن الزنا كبير في قومه يملك أموال وبنين كُثر، أو يُصبح من الأعيان، وهذا تراه اليوم..من الصعب أن يكون شخص مجهول النسب من أعيان المجتمع، فالوصف إذن لشخص لئيم شرير كان من الأعيان ويعارض الدعوة في مهدها ويدبر لها المكائد ويستعمل سلطاته المختلفة في تشويه الرسول وأصحابه وآل بيته..

أما من يتعصب لمعنى الزنيم أنه ابن الزنا، فهو غالبا يريد إثبات أن القرآن نص شرير يأمر بالشتم والسب، فهو لا يدين بالإسلام ويتعصب ضده، وليس كل من لا يدين بالإسلام متعصب، منهم حكماء بُلغاء فصحاء وعلماء وأتقياء، إذا علموا أن القرآن ينهى عن السب والشتم لا يتعصبون لنفي ذلك لأن معنى ثبوت أخلاقية النص القرآني يعني أن المسلمين صاروا مجبرين على الأخلاق..وهذا شئ يصب في مصلحتهم، ويحصر الخلاف الديني في الفكر لا غير..

باختصار: حجة من يرى أن القرآن به سب وشتم تدور في معظمها حول معنى الزنيم، والرد على ذلك أن أمامك الآراء مختلفة تنوع بها المفسرون واختلف فيها المحققون، فإن كنت من أهل العلم عرضت كل الآراء وناقشت النصوص بحيادية وتجرد، أما نقل رأي دون الآخر والتعصب له فهو موافق للنهج السلفي وأنتم مرآة للجماعات المتشددة لا غير..