خلافة على منهاج النبوة


كريم محمد الجمال
2023 / 8 / 7 - 22:48     

لم يفرض الإسلام نموذجا محددا لصورة الحكم ليجبر الناس عليها، ولكن وضع في القرآن أساس الحكم وبينت السنة نماذج تطبيقية فوضع ظروف الزمان والمكان والثقافة والحضارة في اعتباره حينما فرض التشريع وجعلها قسمين قسم ثابت في اصل العقيدة أوضحته النصوص في الق رآن والسنة وهي شروط الحكم في الإسلام كالعدل والشورى والمصلحة العامة والمسئولية الجماعية والاستعانة باهل العلم والمتخصصين والجزء الآخر يشملهحديث )أنتم أعلم بشؤون دنياكم( والسياسة والحكم من أمور الدنيا كقول عمر بن الخطاب عن ابي بكر الصديق يوم السقيفة ان رسول الله ا رتضاه لديننا أفلا نرضاه لدنيانا ومقولة ابن تيمية ان الكفاءة هي معيار الحكم وليس اي معيار آخر وجري العرف في التراث الإسلامي أن القائد العسكري القوي الفاجر أفضل من الضعيف التقي العابد، لأن نفع القوي على فساد خلقه إنما يمتد للجنود أما فساده فيقتصر على نفسه وحسابه على الله .ولذلك انتشر الإسلام في دول كثيرة وبين أمم متعددة مختلفة حضاريا وثقافيا ولم يحدث اي تعارض بين الحضارة والتقدم والإسلام، لأن التشريع الالهي به مرونة مختلف عن التشريع البشري في المسائل الدينية. وإنما الخلاف أن القانون البشري لن يحل محل القانون الإلهي أبدا في المسائل الدينية والعقائد وإنما القانون البشري ياتي لحاجات الناس المعيشية والحياتية، ومن هنا جاء الإسلام كرسالة وضعت الأسس الدينية الثابتة من عند الله وحده ،فلا تكون في يد حاكم يشرع من دون الله ما لم ينزل به سلطانا فيستعبد الناس ويدخل النار والجنة طبقا لهواه أو فهمه اواجتهاده لتستمد الأمم
المسلمة على اختلافها المبادئ التي تعيش عليها وتتطور لتصير في مقدمة الأمم علميا وفكريا وحضاريا فالهدف من خلق الإنسان بعد عبادة الله هو تعمير الأرض.

المسلم لايجد تناقضا، أوصعوبة في فهم فكرة التشريع المتكامل وأن هذا المنهج وضع أسسا لحرية التفكير والتعبير، ووضع قاعدة شرعية :
وهي المصلحة وربطها بالشرع في خلاف لما يروج له أنصار تيارات الإسلام السياسي الذين بعدوا كثيرا عن المفهوم والمضمون الاساسي للحكم في
الإسلام.وقدم الإسلام نماذج متعددة ليس للحكم فقط وإنما في كل مجالات الحياة فاشتمل واحتوي كل المذاهب والإفكار الإنسانية والوحي الالهي ،بل والأديان الأرضية كجزء أساسي من هيمنة كتاب المسلمين وهو القرآن على كل الكتب السابقة بل والكتب كلها ولابد من أجل اكتمال فهم
الإسلام والإيمان به اقامة الحجة الالهية بالرسالة وعلي المسلمين اختيار ما يناسبهم من هذه النماذج التي صححها وأحكمها الإسلام. فلا يجعل الله المسلمين معرضين للتتجربة والخطا بل قدم لهم إرشادات طريق الصواب ووجهم لذلك ولعل الملحدين من أصل إسلامي لم يستوعبوا طريقة حساب السيئات والحسنات، وآلية الحساب و فكر الثواب والعقاب ،ولعل هذه القضايا تخرج من دائرة الخلاف الديني العقائدي إلى فكر فلسفي بحت مما جعل الأصولييين يبتعد وا عن اي تفكير في هذه النقاط بل وخوفهم من امتداد السؤال الغيبي ان تطول أفكارهم ماهية الإله و تتطرق عقولهم إلى الملا الاعلي ويبداوا باسئلة يعجز عن الرد عليها هؤلاء العلماء ضعيفي الخيال قليلي الهمة مما جعل الإيمان في الدين الإسلامي تجربة وعلاقة خاصة بين المسلم وبين الله. بعد السرد التاريخي والشرعي والعقلي لمسالة تولي الحكم في الإسلام يتضح أن الخلافة ليس فريضة وإنما هي اجتهاد بشري لانها لم ترد بالنص عليها وان الدولة الدينية بمفهومها الشرعي الإسلامي لدى أهل السنة هو ولاية الإمام المهدي سلام الله عليه وبذلك يخالف مفهوم الإمامة الشيعي المتعارف عليه وبالامكان تقسيم الإمامة إلى ثلاثة اقسام إمامة سياسية ،وهي الحكم وامامة فقهية وهي المرجعيات الدينية المختلفة وامامة عرفانية اومعنوية وهي التي تسوق الناس إلى الكمال والإمامة بمفهومها الشيعي. وولاية الفقيه أحد صور الدولة الدينية وهو مخالف للمفهوم السني ولكن بوضع ملاحظات حول قضية الإمامة وإنها اجتهاد أيضًا إذ لا نص صريح عليها، لا في القرآن ولا حتى في كتب المذهب المتقدمة مثل نهج البلاغة للامام على وإنما ظهر في عهد الإمام جعفر الصادق مؤسس المذاهب والمدارس الإسلامية السنية والشيعية فقد أخذ من علمه علماء مذاهب الطائفتين ولذلك فالمذهب الجعفري شائع في فقه السنة ويعتبر في ما نقلت كتب الشيعةمن روايات لتاسيس نظرية الإمام فكلها من الإمام الصادق سلام الله عليه. ومن هنا يتضح مبدا الحاجة والانسجام فمع استقرار الحكم لبني أمية ولعدهم بني العباس لم تعد حاجة المذهب لامامة سياسية وإنما لحاجة فقهية فاحتاج الشيعة للتمييز لقلة عددهم اما عند أهل السنة فالوضع يختلف قليلا إذ يرون يوم الهجرة إرشادهم ودليلهم فابو بكر رضي الله عنه هاجر مع النبي ونام الإمام على مكانه ومن هنا يبدا الحكم الرباني وينتهي بهما.وما رسخ لدى أهل السنة ان عطاء الله واسع

فمواضع التفضيل متعددة فلا افضلية مطلقة مثلا لابي بكر على الإمام على، أو لعائشة على خديجة فهذا فهم قاصر فكل صحابية وصحابي وقبلهم ال البيت وأمهات المؤمنين لهم خاصية تميزهم عن الآخرين فكان كل ما ورد عن الإمام على أفضلية دينية أو علمية وليست سياسية ولذلك اختار المسلمون الأفضل سياسيا وهذا دليل آخر على مدنية الدولة الإسلامية. أصبح التشيع مذهب كل معارضي الدولة لأنه لامواطنة فتتخذ كل جماعة دينا، أو مذهبا يمثلها.وبتعدد النماذج التي استوعبها الفكر الإسلامي فإننا نرى مبادئ الليبرالية والرأسمالية والاشتراكية والقومية فكان أول من أرسى دعائمها ويبقى تطور الزمن والفكر الإنساني عاملا حاسما في الأخذ بأفكار السياسة الحديثة وعلومها كاي علم أو فكر وانما. لدي المسلمين رصيد كبير في الفكر والتراث بامكانهم العودة اليه والأخذ به، وتطويره كمرجع أساسي للسياسة على اختلاف التوجهات والإفكار والتيارات في المجتمعات المسلمة.

و صنف المؤلفون والمصنفون مؤلفات غزيرة في هذا الباب مثل الأحكام السلطانية للمواردي ،الإمامة والسياسة لابن قتيبة ،السياسة الشرعية لابن تيمية ،الجمهورية الإسلامية للخميني ، وغير ذلك من كتب القومية العربية وحزب البعث ،وحتى كتب تيارات الإسلام السياسي على اختلافها وتنوعها.