- ولم تشرق الشمس- -حين يصبح عنوان الرواية مدخلًا قويًّا يدعونا للتعايش مع واقعنا وحقوقنا المهدرة-


محمود حمدون
2023 / 8 / 4 - 16:52     

" ولم تشرق الشمس"
"حين يصبح عنوان الرواية مدخلًا قويًّا يدعونا للتعايش مع واقعنا وحقوقنا المهدرة"
رؤية انطباعية لواحدة من روائع : نادي جاد, الروائية
-----------
أنهيت قراءة رواية "لم تشرق الشمس" على مدار فترة زمنية آثرت قبل البدء ألّا تقل عن أسبوع , ذلك لغاية في نفسي, فقراءة أعمال " نادي جاد", لا يُستحب أن تقرأ على عجل أو في وقت فراغ المرء. وإلّا لن تعي ما يهدف إليه الروائي على رغم أن أسلوبه يبعد كثيرًا عن التقعّر اللغوي, لكن استيعاب أفكاره واحدة بعد أخرى ليس بأمر هيّن.
"لم تشرق الشمس", هي الرواية الثانية التي وصلت إلي يديّ بعد شقيقتها الأولى " الغريب", بالفعل هما روايتان يربط بينها رباط الأخوة والدم, فالبيئة أو المناخ الذي ينطلق من خلالها البناء السردي واحد وهو الريف, الصراعات التقليدية هناك, إعادة بعث المفردات اللغوية الريفية التي أجزم أن غالبية من يقرأ الرواية لا يعرفها, وهي فرصة جيدة في ربط الماضي بالحاضر.
الرابط الأشد قوة بين العملين يتلخّص في الغربة, فما بين غربة نشأة السقا في " الغريب", غُربة "نوفل", هروبًا من فجيعته , فراره بداخل نفسه لعشر سنوات تاهت فيها ذاكرته, فلما عادت إليه وقد بلغ مرحلة الشيخوخة, استعاد وعيه, أدرك ما حدث لعائلته -زوجته المغتصبة أولًا, المحترقة في داره مع طفلها بعد ذلك-, تساقطت بين يديه قطع اللغز القديم حتى بانت الصورة بكل تفاصيلها المرعبة, فعزم على الثأر, غير أن الوصول للحق في الريف أو في بلدنا لا يكفي التلويح به, لا يكفي أن تكن صاحب حق كي تستطيع الوصول إليه, فبدون قوة تستند إليها, قسوة تُفرط أحيانًا في توظيفها, ستصبح النهاية كما حدث لنوفل " لما نوفل يكون مجنون, من العاقل يا بلد!"

ما صُنعت الأبواب إلّا للطرق عليها والولوج خلالها, وما جُعلت إلّا كي يعبرها المرء بحثًا عن الأفضل أو سعيًا وراء حقيقة يرجوها.
غير أننا نحيا في بلد دأبت على غلق الأبواب بإحكام, تعشق وأد الحقوق خشية وصولها لأصحابها الحقيقيين, كما كان يئد الأعراب بناتهم قديمًا من خشية إملاق.
"لم تشرق الشمس", رواية تضع القارئ حيث هو, تخبره بجلاء, أن من السهولة بمكان أن تُنعت بالجنون, أن تصبح نزيلًا رسميًا في مستشفى للأمراض العقلية إن تجرأت بيوم أن تطالب بحقك, فما بالك ب"نوفل", رغبته في الثأر!
يبقى أن عنوان الرواية كاشف بدرجة غريبة لنهايتها التي وضع بعض منها على ظهر غلافها, أو ربما أراد المؤلف أن يقول للقارئ لا تأمل كثيرًا, مستترًا خلف شطر بيت شهير لأمل دنقل: .. وخلف كل ثائر يموت أحزان بلا جدوي ودمعة سدى"