كأن شيئا لم يكنْ… أو دار لقمان ستبقى على حالها!!


حمه الهمامي
2023 / 8 / 4 - 00:09     



كما جرت العادة، في ساعة متأخرة من ليلة البارحة أعفى قيس سعيد رئيسة حكومته نجلاء بودن وعيّن مكانها متقاعد البنك المركزي المغمور أحمد الحشّاني. ولكن لا سعيّد تكلّم عمّن أقال وعمّن عيّن، ولا التي أُقيلت تكلّمت عن إقالتها ولا الذي عُيّن مكانها تحدّث عن تعيينه. وذلك هو أسلوب قيس سعيّد الشعبوي اليميني المتطرّف. فليس من حقّ من يُقيلهم أو من يعيّنهم أن يتكلّموا. كما ليس من حقّ الشعب أن يعرف مادام له رئيس “يعرف ما يريد الشعب”.
ولكن وبقطع النظر عن هذا الأسلوب السلطاني، المتعالي، فالواضح أن هذا التغيير لا يمثّل في الواقع حدثا سياسيّا يستحقّ الاهتمام. فما دام “السيد هو السيّد” فلا تغيير في الأفق. إن رئيس الحكومة في تونس، لا شخصية له، حسب دستور “سيّدنا” الذي وضعه بنفسه ولنفسه، لأن رئيس الحكومة مجرّد موظف عنده، فهو الذي يحدّد له ما يفعل وما لا يفعل ممّا يجعل منه عون تنفيذ لتوجّهات “سيّده” وخياراته. إن رئيس الحكومة لا يتمّ اختياره في هذه الحالة على أساس مبدأ الكفاءة، وإنما على أساس الولاء والطاعة.
وقد كانت نجلاء بودن على العهد في الطاعة والولاء وما فشلها في كل ماقامت به إلا فشلا لخيارات “سيّدها” التي حرصت على تنفيذها.أما الوافد الجديد الذي لا خبرة له في السياسة ولا في الاقتصاد ولا في المالية (كان مسؤولا عن الموارد البشريّة في البنك المركزي)، فلا نخاله اختير من أجل “التغيير” وإنما لسببين إثنين؛ إن قلّة خبرته تجعله ظلا لسيّده لاستكمال تنفيذ ما بدأت في تنفيذه نجلاء بودن. هذا أولا، وثانيا فإن نزعته المحافظة، إذ الرّجل لا يخفي تمجيده لعهد “البايات” وتفضيله للمَلَكية الدستورية، تجعله قريبا جدّا من روح سيّده المحافظ الذي لا يؤمن حقيقة بالجمهورية ووضع دستورا يجعل منه حاكما فرديّا مطلقا بل سلطانا.
إن ما تتخبط فيه تونس من أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وقيمية خانقة ومدمرة فليس أحمد الحشاني هو الذي سيحلّها، بل إنها مرشّحة للتفاقم. إن المهمة التي أوصاه بها سعيّد عند تكليفه هي خاصة “مراجعة التعيينات” ومواصة “تطهير الإدارة” من “المناوئين”، أي من أنصار الحكّام السّابقين وتعويضهم بالطبع بـ”الموالين” وهو معنى “النظافة والنزاهة” عند قيس سعيد الذي يعمل جاهدا على وضع يديه على كل مفاصل الدولة لتركيز حكمه الاستبدادي.
أما الشعب الذي يبحث عن خبز أو كيس أرُز أو ماء أو لتر زيت نباتي أو دواء مرض مزمن أو عن مورد رزق أو عن نَفَسِ حرّية فعليه أن ينتظر نهاية”حرب سعيد على المتآمرين” و”المحتكرين” و”المتلاعبين بقوت الشعب” التي لا معنى لها غير الحرب على معارضيه لاستكمال ركائز حكمه الاستبدادي. أمّا الحيتان الكبيرة، في الداخل والخارج، فقد ازدادت أرباحهم وثرواتهم لأن كل مصلحتهم في حكم الاستبداد الذي يلغي ما حققته الثورة من حريات ويفسح لهم المجال لتكديس الأرباح دون رقيب أو حسيب…
إن تونس تنهار…تنهار، ولا حل لها إلا في مقاومة رأس الداء، نظام سعيد الشعبوي، الذي يجد سندا لحكمه في “الأجهز الصلبة” للدولة وفي حفنة الأثرياء الذين يتحكّمون في الاقتصاد والمال وفي بعض القوى الإقليميّة والدوليّة التي ترى فيه الحارس الأمين لمصالحها. إن كلّ شيء واضح اليوم… إن مزيّة سعيّد أنه لم يترك لخدَمِه وتُبّعه حجّة يبرّرون بها سلوكهم الذليل… فمذا سيقولون اليوم بعد أن ظلوا يردّدون أن حكومة “سياسية” في الطريق لمعالجة الأزمة التي تتخبط فيها البلاد…
فإلى النضال من أجل تغيير حقيقي. يكفي أوهاما. يكفي كذبا على الجماهير التي ينهكها الجوع والعطش والمرض والبطالة… إن بلادنا مرّت من الأسوأ (عشريّة ما بعد الثورة) إلى الأكثر سوء، وهي في حاجة إلى طور جديد من الثورة يكون منقادا هذه المرّة ببرنامج واضح؛ وطني، ديمقراطي، شعبي، ومرتكز على تنظيم قوي.

وكما قال شاعر الخضراء، أبو القاسم الشابي:

“ألا انهض وسر في سبيل الحياة
فمن نام لم تنتظره الحياه
ومن لا يريد صعود الجبال
يعش أبد الدهر بين الحفر”