كونفرانس الخامس من آب اضاءات جديدة بمناسبة الذكرى الثامنة والخمسين


صلاح بدرالدين
2023 / 8 / 2 - 17:57     

كونفرانس الخامس من آب
اضاءات جديدة بمناسبة الذكرى الثامنة والخمسين

وفاء لذكرى هذا التحول العميق في مسار الحركة الكردية السورية ، التي كان الحزب – الديموقراطي الكردي في سوريا - يشكل التعبير السياسي المنظم الوحيد عنها ، ووصل بعد خلافات القيادة المؤسسة ، والرعيل الأول وهم في السجن ابان حملة الاعتقالات الأولى بداية الستينات ، الى وضع مفكك تنظيميا ، وضياع في الرؤيا ، وتناقضات لامست تنظيمات الحزب بكل المناطق ، على شكل تكتلات ، وجمود في العمل التنظيمي ، وغياب المركزية في الاشراف ، والقيادة ، وتقصير المختلفين في توضيح أسباب الخلاف ، او اصدار وثائق بهذا الشأن ، والأخطر من كل ذلك تحرك رموز يمينية التي لم تطالها الاعتقالات باتجاه تفريغ الحزب من أي محتوى نضالي ثوري ، وتحويله الى جمعية موالية للسلطات الحاكمة .
كانت بوادر الخلاف قد ظهرت قبل الاعتقالات ، ووقفت غالبية القيادة حينها ضد التوجه اليميني الانتهازي ، ولهذا السبب قرر الكونفرانس الرابع المنعقد عام ١٩٦٤ في قرية جمعاية تجميد عضوية المرحوم – عبد الحميد درويش – الذي كان يجاهر بتوجهه المناقض لنهج الحزب .
ولكن وبعد صدور القرار وكما اسلفنا فقد جرت حملة الاعتقالات ، وتحرك التيار اليميني لتحقيق أهدافه ، وازداد وضع الحزب سوءا ، بل لم يبق له وجود يذكر ، وكان لابد من عملية انقاذ بالطرق التنظيمية الشرعية ، التي تجسدت في كونفرانس الخامس من آب ١٩٦٥ .
اضاءات جديدة
أولا – كونفرانس الخامس من آب الذي عقد في قرية جمعاية ايضا ، لم يؤسس حزبا جديدا ، بل أعاد الحزب الام الى دربه الأصيل مع تطوير وتعزيز البنية الفكرية ، وإعادة تعريف الحزب ، والشعب ، والقضية الكردية ، وتوضيح المواقف والسياسات ، وفرز الأصدقاء ، وتشخيص الخصوم على الصعد الكردية ، والوطنية ، والكردستانية ، والاممية .
ثانيا – المجتمعون بالكونفرانس بمختلف أعمارهم ، واطيافهم الاجتماعية ، ومناطقهم هم من قاموا مجتمعين بهذا التحول العميق في مسيرة الحزب والحركة ويعود فضل الاسبقية لهم وليس لافراد معينين وهم : ( ١ - صلاح بدرالدين. 2- محمد نيو. 3- هلال خلف. 4- محمد بوطي. 5- عزيز أومري. 6- عبد الحليم قجو. 7- يوسف اسماعيل. 8- محمد حسن. 9- نوري حاجي. 10- أحمد بدري. 11- فخري هيبت. 12- شمو ملكي. 13- محمد قادو. 14- ملا محمد أمين ديواني. 15- غربي عباس. 16- محمد خليل. 17- ملا شريف. 18- عبد الرزاق ملا أحمد. 19- ملا داود. 20- نوري حجي حميد. 21- محمد علي حسو. 22- ملا هادي. 23- عيسى حصاف. 24- ملا أحمد قوب. 25- ابراهيم عثمان. 26- سيد ملا رمضان. 27- رشيد سمو ).




ثالثا – المجتمعون حاولوا دعوة معظم أعضاء القيادة الذين كانوا خارج السجن ، ولكنهم رفضوا الحضور ، ثم غادر التيار اليميني صفوف الحزب ، وانشق عنه واتخذ لنفسه طريقا آخر مغايرا لنهج الحزب الشرعي ، وبعد ختام الكونفرانس الذي قرر تشكيل قيادة مرحلية مدتها عام الى حين عقد المؤتمر الأول ، ثم تم الاتصال بغالبية افراد القيادة الذين كانوا بسجن القلعة بحلب ، وسجون أخرى ، او متوارين عن الأنظار ، خلال عقد الكونفرانس الخامس ، ومنهم ( رشيد حمو ، كمال عبدي ، محمد ملا احمد – توز – خالد مشايخ – اوصمان صبري ) ، والوحيدان اللذان قبلا العودة الى مواقعهم في المسؤولية هما ( اوصمان صبري ، ومحمد ملا احمد ) وكنا نعتبر القياديين السابقيين ( عبد الله ملا علي و محمدي مصطو ، ومحمد فخري ) من القريبين لنهجنا ولكن ظروفهم الخاصة حالت دون الانخراط في العمل التنظيمي .
رابعا – قضايا الخلاف التي أدت بالتيار اليميني الى الانشقاق هي : ١ – حزب قومي وطني يناضل ضد نظام الاستبداد ، ومن اجل الديموقراطية ، الى جانب القوى الديموقراطية السورية ، ام جمعية موالية للنظام ، ٢ – وجود شعب كردي سوري من السكان الأصليين يستحق تقرير مصيره ضمن سوريا ديموقراطية موحدة ، ام اقلية كردية بحقوق ثقافة ، ٣ – اعتبار الزعيم الراحل مصطفى بارزاني قائدا شرعيا لثورة أيلول ام الجماعة المنشقة عن الثورة والحزب .
خامسا – انعقد المؤتمر الأول مابعد الكونفرانس الخامس في موعده وحسب وعد القيادة المرحلية وذلك في احدى ضواحي القامشلي – الهلالية – آب ١٩٦٦ بحضور ( اعضاء القيادة المرحلية ) ومشاركة الشاعر الكبير جكرخوين الذي اعتذر عن الاستمرار في صفوف الحزب لانه غير قادر على العمل مع آبو اوصمان ، ومن بعده اعتذر محمد ملا احمد للسبب المعلن ذاته وهو ان آبو متشبث بآرائه ولايركن الى الحوار حسب وصفهما .
سادسا – اتسم نهج الحزب بالحرص الشديد على وحدة الصف الكردي الوطني ضد الاستبداد ومن اجل انتزاع الحقوق ، من خلال وثائقه البرنامجية الجبهوية المطروحه ، كما ان قيادة الحزب طرحت مشروع الوحدة مع ( البارتي ) خلال فترة سكرتارية – كمال احمد - وسارت المناقشات الى الشوط الأخير ، ولكن ظهرت عقبات امام الاشقاء حالت دون تحقيق ذلك اتيت على ذكرها تفصيلا في مذكراتي ، ومنذ عام ١٩٩٩ طرح حزبنا مهمة إعادة بناء الحركة عبر مشروعه المنشور آنذاك حيث كان مع التجديد ، والتطوير .
سابعا – من جملة المهام التي انجزها الحزب تحقيق عملية التصالح بين السياسي والثقافي ، وإصدار الدراسات الفكرية ،وايلاء الاهمية القصوى للثقافة والاعلام ، وتاسيس رابطة كاوا للثقافة الكردية المستمرة بالعطاء حتى الان ، ومواجهة مخططات الاضطهاد القومي ، والتعريب باحياء الفولكلور الكردي ، وتشجيع الفنانين ، وارسال اكثر من ثلاثمائة طالب الى الدول الاشتراكية سابقا لتلقي العلوم .
ثامنا – شيد ورسخ الحزب علاقات الاخوة والصداقة والعمل المشترك ، وللمرة الأولى في تاريخ حركتنا مع قائد ثورة أيلول ، والحزب الديموقراطي الكردستاني – العراق ، ومع التيار القومي الديموقراطي في الحركة الكردية بتركيا بزعامة الدكتور – شفان – ومع حزبي ديموقراطي كوردستان – ايران ، والوثائق بهذا الشأن متوفرة في الأجزاء السبعة من مذكراتي .
تاسعا – لكل تلك الأسباب كان حزبنا مستهدفا من جانب نظام الأسد والابن ، فبالاضافة الى عدة محاولات فاشلة لاغتيال قياديين لحزبنا في سوريا ولبنان وأماكن أخرى ، وتجريد عدد اخر من الحقوق المدنية ، والاعتقالات ، والملاحقات المستمرة ، وتقديم البعض الى محكمةامن الدولة العليا بدمشق للمرة الاولىى ، فقد اقدم النظام على اختراق الحزب عبر الضابط الأمني – محمد منصورة – وشق الحزب بداية التسعينات عبر عدد من ضعاف النفوس .
عاشرا – كنت من المعجبين بشخصية آبو اوصمان قبل التعرف عليه ، وأول من اقترحت على رفاقي ان نعيده الىى موقع السكرتير بعد خروجه من سجن القلعة – حلب ، وكان يحظى باحترامي الشديد ، وتاكيدا للحقيقة مرة أخرى لم تكن لدينا نية الاستغناء عنه مطلقا بالرغم من عدم انسجامه مع النهج الفكري اليساري العام للقيادة المرحلية ، وخلال مشاركته معنا القيادة نحو ثلاثة أعوام لم يساهم يوما في المناقشات بشكل جاد ، ولم يقدم اية مبادرات ، ولم يشارك في كتابة أي بحث اومنشور ، حتى جريدة الحزب لم ينشر فيها مقالة ، وبالاخير هو من ترك الحزب ، وتوجه الى كردستان تركيا بهدف اشعال ثورة هناك ، ثم عاد بعد مقتل ولده – ولاتو – على ايدي اقاربه ، وتقرب الى – ب ك ك – بل جاهر بتبني نهجه الى ان رحل ، وحتى بعد رحيله حاولنا المشاركة في واجب العزاء وتكريم جنازته حسب الأصول الا ان جماعة – ب ك ك – التي كانت تتعاون مع نظام الأسد تولت ذلك ، ومنعتنا من الاقتراب .
حادي عشر – على الصعييد الشخصي اعتبر نفسي واحدا من المشاركين النشيطين في كونفرانس الخامس من اب ، واعتز بتحملي مسؤوليات جسام ، وانجازي للكثير من المهام الفكرية ، والثقافية ، والإعلامية ، والسياسية ، والتنظيمية ، واتحمل كامل المسؤولية مع رفاقي السابقين في القيادة عن نهج ، ومواقف ، وسياسات ،( البارتي الديموقراطي الكردي اليساري – الاتحاد الشعبي الكردي ) حتى تاريخ انسحابي الطوعي من العمل الحزبي عام ٢٠٠٣ ، وانا على يقين ان هذا الحزب الذي ناضلت من خلاله نحو ستين عاما قد حقق الكثير وتخرجت منها كوكبة من المناضلين الشجعان ، وهو الأول والوحيد الذي دمج السياسة بالثقافة تاثرا بتجربة البدرخانيين ، بل ان كونفرانس آب شكل مدرسة نضالية فكرية ، ليس لجيلنا فحسب بل للجيل الناشئ الان أيضا ، ولكن تبقى الأحزاب كتنظيمات سياسية وسائل فقط وليست أهدافا ، كما اتعهد بانني سابقى امينا لمبادئ مدرسة آب ، وابذل قصارى جهدي للتصدي لكل من يحاول تشويه ، وتزييف الحقائق التاريخية حول إنجازات هذا النهج ومساره .
ثاني عشر – لم ينجز حزبنا – سابقا – كل المهام التي تم طرحها لاسباب ذاتية ، وموضوعية ، وبعضها مازال قيد الإنجاز مثل مهمة إعادة بناء الحركة وتوحيدها ، وعلى العموم نواجه اليوم ظروفا عصيبة تتشابه في بعض اوجهها أوضاع ماقبل كونفرانس آب ، أي قبل ثمانية وخمسين عاما ، ويحتاج الامر الىى تحول عميق عنوانه إعادة بناء ، وتعريف ، وترسيخ ، وتنظيم ، حركتنا من جديد ، عبر عقد المؤتمر الجامع .
كل الوفاء للبناة الأوائل لأول حزب سياسي كردي عام ١٩٥٧ .
كل التحية والتقدير للمشاركين بكونفرانس الخامس من آب عام ١٩٦٥ الاحياء منهم والراحلين ، ولكل الذين ظلوا امناء لمبادئ هذه المدرسة , والساعين الى التغيير والتجديد ، وإعادة البناء ..