مأساة كائن شقي


حسام تيمور
2023 / 8 / 2 - 15:39     

مأساة الكائن الشقي أو المستعبد، الاولى و الأخيرة، هي اليأس.
تعلن السلطة انتصارها المطلق بمجرد وصولها الى مرحلة استتباب "اليأس"، و هنا تتوقف الانتليجينسيا العليا عن العمل، و تترك الأمر للقطيع و الراعي و الكلاب، أي بعد ترسيم كل الحدود الممكنة.
ينظر الرعية الشقي الى مؤخرته، و يتذكر ايام الجوع و الفقر و العوز و الخوف، أو ضمور العقل و الروح و الجسد.
ينظر الى حاضره، فيرى الفوضى و الظلم و القهر و الخوف في كل مكان، و يرى انه محظوظ نسبيا رغم كل شيء، و هذا هو اليأس بلون التفاؤل، و مهما بلغ به القهر و الامتهان و الابتياع، و قساوة الظروف، و تسلط الاهل، و تطاول المحيط الاجتماعي، يتشبث هنا بمستنقع البؤس و الامتهان، الأمل/اليأس، و يعض عليه، و يزين ما امكن مكامن القبح و البؤس فيه، يرقع ثقوب الذات، و يتلهم وصفات النفاق الجماعي، و تبييض المناطق الحساسة، يشتغل كثيرا على لغته، و محيطه، بما يجذب اليه انبهارا عابرا او شفقة مستدامة، او احتقارا كذلك، يقلل به دائرة الاحباط و الشؤم حوله (الطاقة السلبية)، ولو على حساب عقله، يغتصب عقله يوميا، و يرضى باغتصاب الاخر لحقه في الوجود، مقابل اعطائه الحق في البقاء، و البغاء،
يستغني تدريجيا عن كرامته، قبل ان يتحول لعاهرة مجتمع، يحترف الوقاحة منهج حياة، و الدعارة منهج عقل و منطق تفكير !
كذلك ينظر الى مستقبله، فيرى طريقا واحدا، بأفق من سراب، فيزيد تشبثه بالحاضر الاكثر غموضا و سوداوية، يراه رغم كل شيء حديقة وردية، يصنع لنفسه جداريات، يعلق عليها تواريخ موته المتجدد، كم مرة يجب ان يدوس على كرامته، على وعيه .. كم مرة يجب ان يكون مومسا، حتى يستمر على قيد الامتهان، مكبلا بقسوة البارحة، و غموض الغد.
ينشغل الكائن الشقي بالأكل .. و اللباس، و الاعتناء بالمظهر، و محاولة تخدير الوعي، بحثا عن تلك اللحظة التي يلتقي فيها الوعي باللاوعي بشكل قسريّ، و يحقق ذاك المستحيل، أنه حر الارادة و الاختيار، انه محظوظ، انه أفضل من غيره، أنه قادر على الطيران، أنه يطير، و هو الراكع على عتبة الاحتياج، و هنا حيث ينتج مفردات خاصة به، و خاصة بالمحبطين من امثاله، تستعمل لانتاج بدائل لتلك القيمة المفتقدة و المستحيل استعادتها او اعادة بعثها، الكرامة !
عبثا يتنطع يمينا و يسارا، قبل ان يستقر فوق حِجر الجلاد، و يستطيب سوط الجلاد، و الاستقحاب لصالح زبناء الجلاد، كذات مفكرة او قوة عاملة او جنون هائم، او روح مؤمنة، او عقل مادي مطلق، يكفر بكل شيء، و يركع امام ارخص ما في الوجود، "السلطة" .. و فضلات السلطة، و بقايا غذاء و دواء !
يعلن حالة البغاء المطلق و البقاء للأقحب،
يتحول الى مدمن وضيع، على بضاعة وهمية،
يلغي الديانات و الاخلاق و الاوطان و التاريخ و الحضارة، من تحت حذاء، يدوس على ظهره،
و ينطق حرية، و سوائل قضيب الامتهان عالقة في فمه !