الشباب والثقافة


حسن مدن
2023 / 7 / 26 - 15:06     

في نهاية خمسينات القرن الماضي شكا سلامة موسى من ضعف ثقافة الشباب، من خريجي المدارس والجامعات، وجهلهم لمعلومات بديهية في الجغرافيا والتاريخ وغيرها من العلوم، ولا يدور الحديث عن جغرافية بلدان بعيدة وإنما بلدان شديدة القرب، وبرأي موسى فإن إنهاء الطالب لدراسته الثانوية أو حتى تخرجه من الجامعة في تخصص من التخصصات، لا يعني بصورة تلقائية أنه أصبح مثقفاً.

جاء ذلك في مقال عنونه سلامة موسى ب«شبابنا وكيف نُثقفه»، وضمَّنه كتابه «أحاديث إلى الشباب» الذي صدرت طبعته الأولى في عام 1957، وجاء حديث موسى عن علاقة الشباب بالثقافة، على خلفية نقاش أثارته الصحافة المصرية، يومها، حول الموضوع، فأدلى موسى بدلوه فيه، ملاحظاً أن كليات الجامعة إنما أنشئت للتخصص، فالطالب في إحداها كيماوي، وهو في الأخرى حقوقي، وفي غيرها جيولوجي، أو متخصص في الآداب العربية أو الأجنبية، أو هو يدرس الصيدلة أو الطب والهندسة، لكن التخصص في أحد هذه التخصصات لا يتيح، وحده، أن يكون الطالب مثقفاً، أي ممتلكاً لما دعاه موسى بالفهم العام.

عزا موسى الأمر، في أحد جوانبه على الأقل، إلى ضعف التعليم في المدارس الثانوية؛ كونها المسؤولة الأولى عن التأسيس الثقافي للتلاميذ، حتى لو كان أولياً، لكنه يضع القاعدة القوية التي يمكن أن ينطلق منها الطالب نحو الجامعة ومنها إلى الحياة، وهو مهيأ لتلقي الثقافة وتذوق الفن، أما إذا أهمل التعليم بالثانوية، وافتقد القائمون عليه الرؤية، فإن الجامعة المعنية بالتخصص لن تكون قادرة على تصحيح الخطأ أو تداركه، ربما لأن «من شبّ على شيء شاب عليه»، مع أنه يستدرك بالقول: «إن التثقيف العام ليس مشكلة المدرسة أو الجامعة وحدهما، وإنما هو مشكلة العمر كله».

وعلى صلة بالقول الأخير أذكر أن عميد الأدب العربي، طه حسين، وفي لقاء متلفز جمعه هو ونخبة من كبار مثقفي مصر ومبدعيها ممن يصغرونه سناً، وبينهم نجيب محفوظ ويوسف السباعي وعبدالرحمن الشرقاوي وأنيس منصور وغيرهم، أجاب عن سؤال وجّه إليه من أحدهم، عن رأيه في إنتاج أبناء الجيل التالي الذين كان أبرزهم حاضراً اللقاء، فكان صريحاً ومباشراً وغير مجامل في القول بأن مشكلة أبناء هذا الجيل أنهم يكتبون أكثر مما يقرأون، مستثنياً من ذلك محمود أمين العالم الذي كان بين الحاضرين.

إذا كانت الحال على هذا قبل نحو سبعة عقود، سواء على صعيد ثقافة الشباب أو ثقافة الأدباء، فما عساها ستكون عليه اليوم الذي يشهد طوفاناً من الإصدارات التي تنم عن عدم ثقافة أصحابها، كي لا نبالغ ونقول جهلهم.