الأشتراكية أم رأسمالية الدولة. الفصل الثالث من كتاب-إعادة أكتشاف أشتراكية الصين-


حازم كويي
2023 / 7 / 22 - 14:25     

الأشتراكية أم رأسمالية الدولة.
الفصل الثالث من كتاب"إعادة أكتشاف أشتراكية الصين"
ميشائيل بري*
ترجمة:حازم كويي
عملية بحث الحزب الشيوعي الصيني منذ الخمسينيات.
يلخص إيفان كراستيف وستيفن هولمز وجهات النظر المختلفة للقيادة السوفيتية الأخيرة والقيادة الصينية في أواخر السبعينيات: »في نظر غورباتشوف، فشلت الشيوعية لأنها لم تنجح في بناء مجتمع اشتراكي. في نظر القيادة الصينية، نجح الحزب الشيوعي الصيني في توحيد الدولة والمجتمع الصيني ـ ضد المقاومة الكبيرة ـ 2019: 285) Holmes/Krastev)
لم تتخل القيادة الشيوعية الصينية عن النظام السياسي اللينيني في أواخر السبعينيات أو الثمانينيات،بل جرى التركيز على نظام طبيعي منظم اقتصادياً إلى حد كبير. التخطيط والمزيد من مواصفات الإنتاج المباشر للشركات.- على غرار ما قام به لينين أو بوخارين أو تروتسكي في الأزمة الوجودية للسلطة السوفيتية في عام 1921 - .
ويمكن أعتباره عودة واعية إلى السياسات التي أختارها لينين وتروتسكي، والتي أتبعها الحزب الشيوعي الصيني في المناطق المحررة خلال الحرب الأهلية الصينية - السياسات التي وعدت بجميع أشكالها بالنجاح الاقتصادي والاجتماعي والثقافي طالما لم يتم التشكيك في قيادة الحزب الشيوعي.
يمكن تلخيص "الاشتراكية ذات الخصائص الصينية" في صيغة: قيادة الحزب الشيوعي الصيني ونهوض الصين بكل الوسائل الضرورية.
لم تكن المناقشات لسياسة الإصلاح والانفتاح في الصين في زمن الحرب الأهلية فحسب، بل عادت أيضاً إلى تكرار هذه المناقشات للعقود اللاحقة، حيث تم البحث عن بدائل للنظام الاقتصادي السوفيتي »في مايو 1957، حدد ليو شاوكي فكرة أن الخطة الاقتصادية الاشتراكية يجب أن تكون أكثر تنوعاً ومرونة من الاقتصاد الرأسمالي. بالتخطيط الميكانيكي البحت، لن تكون الاشتراكية متفوقة. وأعرب عن إعتقاده بأن الصين يجب أن تضمن تنوع ومرونة الاقتصاد الاشتراكي متجاوزاً تنوع الاقتصاد الرأسمالي من أجل مصلحة الشعب. في عام 1958، قدم ماو تسي تونغ مفهوماً جديداً للإنتاج السلعي الاشتراكي. وأشار إلى أن الصين متخلفة في إنتاج السلع، متخلفة عن الهند والبرازيل. لقد رأى إنتاج السلع وتبادل السلع ونظام القيم كأداة مفيدة في خدمة الاشتراكية. غالباً ما يتم الخلط بين إنتاج السلع والخوف من الرأسمالية. قال ماو: لا تخف. يعتمد إنتاج السلع على إرتباطها بالنظام الاقتصادي. عندما يكون مرتبطاً بالنظام الرأسمالي، فهو إنتاج سلعي رأسمالي. عندما يتم ربطه بالنظام الاشتراكي، فهو إنتاج سلعي اشتراكي .(Hu Angang et al. 2017: 97, 98) ".
تمت صياغة العناصر الأساسية لإستراتيجية جديدة بدءاً من فشل القفزة العظيمة في عام 1963، عندما أقترح زاو إنلاي، التركيز على "أربعة تحديثات" (الزراعة والصناعة والدفاع والعلوم والتكنولوجيا) (اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني 1981: 13). تعود محاولات إنشاء شركات كبيرة تحت سيطرة دولة الحزب،والتي تتمتعت بدرجة عالية من الاستقلالية أيضاً ذلك الوقت، ((Li Chen 2021: 229
أستعارة دين شياو بنغ الشهيرة للقطط ترجع أصولها إلى عام 1962 " في 7 يوليو 1962 ، قال دينغ للمندوبين في مؤتمر لرابطة الشبيبة الشيوعية الصينية: غالباً ما استخدم الرفيق ليو بوشنغ مصطلحاً من مقاطعة سيتشوان: `` سواء كانت القطة صفراء أو سوداء، إذا كان يصطادالفئران فقط، فهي قطة جيدة. ‹« (سنغر 2008: 71)".
من المهم أيضاً معرفة أن النظام الاقتصادي الصيني لم يكن أبداً مركزياً مثل نظام الاتحاد السوفيتي، ولكنه كان منظماً إلى حد كبير بطريقة لامركزية على مستوى المقاطعات وما دونها. لذلك يمكن وصفه بأنه مثال على "الاقتصاد الموجه اللامركزي". حتى يومنا هذا، تجعل هذه اللامركزية من الممكن استخدام البلديات والمناطق الصينية كمختبرات للتجارب التي يتم فيها اتباع نهج جديدة بشأن الاقتصاد،المنطقة السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية المتقدمة و يتم تنفيذها بناءاً على الخبرة المكتسبة، يمكن بعد ذلك اتخاذ القرارات بشأن توسعها والتعميم أو أيضاً حول هدمها. في هذا الصدد، تعد الصين مساحة كبيرة من
الاستكشاف والتعلم الانعكاسي. معيار النجاح يتم تعريفها دائماً مرتين:
هل يتم تحقيق نتائج عملية؟
وهل هذا يقوي هيمنة الحزب الشيوعي الصيني؟
الإستراتيجية المزدوجة للحزب الشيوعي الصيني.
بالاستراتيجية المزدوجة للحزب بعد عام 1978، تعززت من ناحية، بحزم سياسة الإصلاح والانفتاح، باستخدام أدوات اقتصاد السوق ورأس المال، وفي نفس الوقت التمسك بإستمرار بأركان أساسية للنظام السياسي، بـ "المبادئ الأساسية الأربعة "من المسار الاشتراكي، ديكتاتورية البروليتاريا، وقيادة الحزب الشيوعي وأخيراً الماركسية اللينينية وتعاليم ماو تسي تونغ وعدم السماح بإضعاف تفوق الحزب الشيوعي الصيني، يمكن أن تستهوي تحول لينين في عام 1921. وبالمثل، كان يدور في ذهن لينين دائماً - الإصلاحات وتأمين السلطة السياسية للبلاشفة (انظر إلى عملية التعلم الاستراتيجي في لينين بعد 1920 Brie) 2017:68ـ631.(
ولكن في حين فشلت عملية الإصلاح في روسيا السوفيتية في 1927/29 بسبب صراعات السلطة داخل قيادة الحزب الشيوعي الروسي وتم التخلي عنها لصالح أنعطاف جديد مفاجئ لشيوعية الحرب (والذي دخل في التاريخ الرسمي باسم التصنيع الاشتراكي و الجماعية)، كانت قيادة الحزب الشيوعي الصيني قادرة على متابعة الإصلاحات في أي أزمة.
دنغ شياو بينغ لخص روح النهج المُختار للإصلاح الاقتصادي، بافتراض قيادة مستقرة وكفؤة للحزب الشيوعي الصيني، في رحلته إلى الجنوب في أوائل عام 1992: "العلاقة بين التخطيط وقوى السوق ليست هي الاختلاف الأساسي بين الاشتراكية والرأسمالية.
إن الاقتصاد المخطط ليس مرادفاً للاشتراكية، لأنه يوجد أيضاً تخطيط في الرأسمالية؛ إن اقتصاد السوق ليست رأسمالية، لأن هناك أيضاً أسواق في الاشتراكية. كل من قوى التخطيط والسوق هي وسائل لتوجيه النشاط الاقتصادي. إن جوهر الاشتراكية هو تحرير القوى المنتجة وتطويرها، والقضاء على الاستغلال والاستقطاب، والوصول النهائي إلى
الازدهار للجميع. هذا المفهوم يحتاج إلى أن يكون واضحا للناس. هل الأوراق المالية وسوق الأسهم جيدة أم سيئة؟ هل تشكل أية مخاطر؟ هل هي خصوصية للرأسمالية؟ هل تستطيع الاشتراكية الاستفادة منها؟ نحن نسمح للناس بالاحتفاظ بحكمهم، لكن علينا تجربة هذه الأشياء.
إذا ثبت أنها قابلة للتطبيق بعد عام أو عامين من الاختبار، فيمكننا توسيعها. خلاف ذلك، يمكننا إيقافه وتحمل ذلك. يمكننا إلغاءها جميعاً دفعة واحدة أو تدريجياً، كلياً أو جزئياً.
ما الذي يجب أن تخاف منه؟ طالما حافظنا على هذا الموقف، فسيكون كل شيء على ما يرام ولن نرتكب أية أخطاء كبيرة. باختصار، إذا أردنا أن تتفوق الاشتراكية على الرأسمالية، فلا يجب أن نتردد في الاعتماد على إنجازات جميع الثقافات والتعلم من البلدان الأخرى، بما في ذلك البلدان الرأسمالية المتقدمة، جميع أساليب التشغيل المتقدمة وتقنيات الإدارة التي تتوافق مع القوانين ومع الإنتاج الاجتماعي الحديث. «(Deng Xiaoping 1992).
في مقال مخصص لمسألة ما إذا كانت الصين رأسمالية أم لا، كتب مايكل روبرتس: "الصين ليست رأسمالية. الرأسمالية محكومة بإنتاج السلع من أجل الربح، على أساس علاقات السوق العفوية. يحدد معدل الربح دورات الاستثمار ويؤدي إلى أزمات اقتصادية دورية. ليس هذا هو الحال في الصين. لا تزال الملكية العامة لوسائل الإنتاج وتخطيط الدولة مهيمنة، وقاعدة سلطة الحزب الشيوعي متجذرة في الملكية العامة. «(روبرتس 2017) يشير بيت شنايدر إلى ثقافة الصين القائمة على" كلاهما ". الأضداد (شنايدر 2022: 43-45). فيما يتعلق بـ "قضية النظام" ، يقول: "إذا تم إدخال عناصر السوق في دولة أشتراكية مثل جمهورية الصين الشعبية في السبعينيات،ويسمح أيضاً للشركات الخاصة بالإضافة الى القطاع الحكومي والقطاع غير الربحي،حيث أذا تمت خصخصة سلب فائض القيمة وتم تحويل جزء من فائض القيمة الى الخارج،فلن يصبح "الكل" بأي حال من الأحوال نظاماً رأسمالياً طالما بقيت الأسبقية السياسية على الأقتصاد ويتم أستخدامه من قبل الحزب الشيوعي لتنفيذ التحول الأشتراكي.
من الواضح أن هذا هو الحال في الصين اليوم. من منطق نظامي، فإن جمهورية الصين الشعبية ليست دولة رأسمالية، ولا رأسمالية دولة، لأن الأخيرة ستظل رأسمالية كاملة. مفهوم رأسمالية الدولة هو تناقض في المصطلحات. من نفس المنطق النظامي، لا يوجد أيضاً "نظام هجين" رأسمالي وأشتراكي في نفس الوقت. "(شنايدر 2022: 221(
يحاول إلياس جبور وأليكسيس دانتاس وكارلوس إسبيندولا، فهم النظام الصيني على أنه "تكوين اجتماعي اقتصادي جديد" يتوافق مع المرحلة الأولى من الاشتراكية. بالنسبة لهم، فإن السؤال المركزي هو "ما هي الطبقة و / أو القوة السياسية التي تتحكم في العوامل الاستراتيجية الموضوعية، سواء كانت سياسية (القوة السياسية التي تمثل الطبقة الاجتماعية التي تمارس السيطرة على سلطة الدولة) أو الاقتصادية". المسألة هي من يجب أن يكون له سيطرة حقيقية "على كل من الأدوات الأساسية لعملية التراكم - الفائدة وسعر الصرف والنظام المالي للدولة - وفي تعزيز نقل وتركيز القطاع الإنتاجي نفسه في الصناعات الرئيسية وتسهيل النمو والتنمية. من خلال إنتاج تأثيرات السلسلة الصناعية على أنماط الإنتاج الأخرى "(Jabbour et al. 2021: 25). لكن يمكن أن تكون هناك إجابة واحدة فقط: "الأساس الاشتراكي.
النظام الاقتصادي الصيني هو الهيمنة غير المشروطة للحزب الشيوعي الصيني. وفقاً للتقاليد الماركسية اللينينية، يوجه الحزب القانون. يتم تطبيق اللوائح والقوانين والقرارات الإدارية وفقاً لسياسات الحزب الحالية. مثلما يتوافق كل منصب رئيسي في الحكومة مع منصب في الحزب، كذلك يتوافق التسلسل الهرمي للحزب مع حوكمة الشركات في البنوك والشركات المملوكة للدولة والشركات المدرجة غير المملوكة للدولة والشركات المختلطة والمشاريع المشتركة والقطاع الخاص الكبير بما فيه الكفاية.
توفر الخلايا الحزبية في الشركات أنظمة مساءلة داخلية موازية للأنظمة التي أنشأتها الشركات نفسها، مع إبقاء سكرتير حزب الشركة والمجلس التنفيذي على اطلاع وقادر على تقديم المشورة في الوقت المناسب إلى الرئيس التنفيذي ومجلس الإدارة( "(Jabbour et al 2021: 25) في الصين، توجد أنماط مختلفة للإنتاج تتعايش، بدءاً من الاقتصاد الطبيعي، وأشكال الكفاف، وإنتاج السلع الصغيرة، ورأسمالية القطاع الخاص، ورأسمالية الدولة، والأشكال الاشتراكية الخاضعة للسيطرة المباشرة لدولة الحزب (Jabbour et al. 2021: 26-28).
من وجهة نظرة Jabbour فهي صراحة اجتماعية واقتصادية جديدة، يتسم بمزيج من منطق عملي:
(1) لا تقتصر أنماط الإنتاج المختلفة على التعايش، بل تتعايش في" الوحدة الديالكتيكية للأضداد "؛
(2) إن قانون القيمة ليس جانباً يسهل التغلب عليه في "اشتراكية السوق"، حتى لو كان ينتمي إلى بداية العملية التاريخية لبناء الاشتراكية ؛
(3) يتطلب وجود قطاعين، الدولة والقطاع الخاص، إعادة تنظيم مستمرة للأنشطة بين هذه القطاعات. وهي تتم بوساطة الظهور الدوري للمؤسسات التي تحدد إعادة تنظيم مستمرة للأنشطة بين الدولة والقطاعات الاقتصادية الخاصة ؛
(4) هناك أنتظام في هذه العملية الدورية لإعادة تنظيم الأنشطة بين القطاعين.
إن نمو القطاع الخاص لا يأتي على حساب تناقص دور الدولة. يحدث تحول ملموس وأستراتيجي للدولة، حيث تقوم الدولة بترقية دورها من الناحية النوعية ؛
(5) التخطيط له تبريره كمنطق وظيفي أساسي في "اشتراكية السوق". "(جبور وآخرون. 2021: 32).
إن الحزب هو الذي يتحكم ويوجه هذاالمنطق التشغيلي المختلفة. ولكن للقيام بذلك، كان لا بد من اكتساب الثقة بالنفس إلى حد الإصلاحات الاقتصادية، التي لا تعني الملكية الخاصة بالضرورة إضعاف الاشتراكية: الملكية جزء مهم من اقتصاد السوق الاشتراكي. إنه يلعب دوراً مهماً في حشد مبادرة جميع شرائح المجتمع لتسريع تنمية القوى المنتجة. «(جيانغ زيمين 2002).
برمجياً، تمت ترقية دور السوق في العقد الماضي. في الجلسة الكاملة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في عام 2013، لم يعد يُشار إليها باسم "الأساسية" ولكن إلى الدور »الحاسم« للأسواق، في عام 2017 أصبح هذا جزءاً من العقيدة الرسمية للحزب (Dolack 2022).
إذا كان الحزب الشيوعي الصيني لديه "إحتكار سليم للحكم" ويحتفظ "بالسيطرة على اقتصاد السوق الحر المتزايد" (Cho 2005: 11) ، فإن ذلك يعتمد على عمل هذا الحزب وقدرته على تأكيد نفسه بشكل دائم سواء كان التحول منذ عام 1978،التي يمكن وصفها حقاً بأنها "مسيرة طويلة نحو الرأسمالية" ، كما تلمح لها Hyekyung Cho في عنوان كتابها، أو تصبح بالأحرى مسيرة تتجاوز الرأسمالية. وهي محقة في لفت الانتباه إلى حقيقة أن إصلاحات اقتصاد السوق "ذات الخصائص الصينية" لم تضعف وظيفة الإدارة الاقتصادية للدولة المركزية، بل على العكس من ذلك عززتها بشكل كبير(. (Cho 2005: 22f(Adolphi 2010)).
لذا فالأمر يعتمد على الطرف المسيطر على الدولة. بينما يُنظر إلى الحزب الشيوعي الصيني غالباً على أنه عقبة أمام التقدم الحقيقي، يؤكد المؤلفون الصينيون، على العكس من ذلك، أن هذا الحزب هو "أعظم ميزة سياسية للصين"" (Hu Angang etal.2021:9). في نظر العديد من المراقبين، طورت دولة الحزب الصيني قدرة كبيرة على وضع القضايا المستقبلية لبلدها في قلب السياسة، ووضع خطط طويلة الأجل وتنفيذها على مختلف المستويات بنجاح مثير للإعجاب. هذا لا ينطبق فقط على التطور التكنولوجي والاقتصادي، ولكن أيضاً في مجالات البيئة أو العلوم أو التنمية الحضرية أو فيما يتعلق بطريق الحرير الجديد.
من يريد أن يفهم الصين ومستقبله، يجب أن يفهم الحزب الشيوعي الصيني. قبل كل شيء، يعتمد ما إذا كانت الصين تتخذ مساراً اشتراكياً أم لا. مثل سيف ديموقليس الذي يخيم على الحزب الشيوعي الصيني من ناحية، تجربة سلالات الصين التي أنهارت بسبب الفساد وانهيار سلطة الدولة، ومن التحديث بخصائص صينية في العصر الجديد.
عندما أصبح شي جين بينغ الأمين العام الجديد للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني عام 2012، رأى البلاد عند مفترق طرق. إن نجاحات سياسة الإصلاح والانفتاح قد أطلقت العنان لقوى هددت بالخروج عن سيطرة الحزب. خطاب شي في المؤتمر العشرين للحزب بعد عشر سنوات بمثابة تذكير: "داخل الحزب، كانت هناك العديد من المشاكل للحفاظ على قيادة الحزب، بما في ذلك الافتقار إلى الفهم الواضح والعمل الفعال، والانزلاق نحو ضعف أجوف و قيادة الحزب المخففة في الممارسة العملية. والتردد لبعض أعضاء ومسؤولي الحزب في معتقداتهم السياسية. على الرغم من التحذيرات المتكررة، أستمرت الشكليات التي لا طائل من ورائها والبيروقراطية ونزعة اللذة والبذخ في بعض الأماكن والإدارات وكان السعي وراء الامتياز مشكلة خطيرة، تم الكشف عن بعض حالات الفساد المروعة". ( ". (Xi Jinping 2022a: 4) هذا يذكرنا بسقوط الحزب الشيوعي السوفيتي أو السلالات الصينية في دورات صعودها إلى السقوط.
في ظل هذه الظروف، كان من المنطقي فقط أن تحول تركيزأستراتيجية الحزب من الاقتصاد إلى تجديد الحزب. كان يجب تفادي الخطر من خلال "الإصلاح الذاتي" للحزب. كما هو مبين أدناه، فإن هذا لم يستبعد الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بل وجّهها أكثر نحو تأمين السلطة السياسية للحزب الشيوعي الصيني في نفس الوقت.
وُضعت الميول الليبرالية مرة أخرى بشكل متزايد تحت زمام الشيوعيين الحزبيين. يبقى أن نرى ما إذا كان هذا يعني تراجعاً دائماً في المجال السياسي أو مجرد تبعية أكبر، والتي يمكن أن تفسح المجال أيضاً لمزيد من الحرية.
في تقدم النجاحات التي تحققت في السنوات العشر الماضية، ركز XiJinping على إنجازين. أولاً، تطوير نظرية جديدة، "فكر الاشتراكية ذات الخصائص الصينية لعصر جديد"، وثانياً، تعزيز قيادة الحزب.
وكرر أن "قيادة الحزب الشيوعي الصيني هي السمة المميزة للاشتراكية ذات الخصائص الصينية وأعظم قوة لنظام الاشتراكية ذات الخصائص الصينية" (Xi Jinping 2022a:
كانت الفكرة المهيمنة في مؤتمر الحزب هي »الطريقة الصينية لحزب التحديث ”(Xi Jinping 2022a: 6).
لم يعد الشعور بالتلمس من حجر إلى حجر هو الصورة المميزة، بل بالأحرى "اختراق المياه المجهولة". قال الخطاب بثقة شديدة: "الاشتراكية العلمية تنفجر بحيوية جديدة في الصين في القرن الحادي والعشرين. يقدم التحديث الصيني للبشرية طريقة جديدة لتحقيق ذلك.
لقد منح الحزب الشيوعي الصيني والشعب الصيني للبشرية المزيد من البصيرة الصينية، ومدخلات صينية أفضل، وقوة صينية أكبر للمساعدة في حل تحدياتهم المشتركة [...]. (Xi Jinping 2022a: 13))
تقدم الورقة أيضاً تعريفاً مفصلاً لما تفهمه قيادة الحزب الشيوعي الصيني الحالية من خلال مسار التحديث الصيني: "التحديث الصيني هو تحديث أشتراكي يتم تنفيذه تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني.
إنه يحتوي على عناصر مشتركة في عمليات التحديث في جميع البلدان، ولكنه يتميز أكثر بسمات فريدة للسياق الصيني. [...] المتطلبات الأساسية للتحديث الصيني هي كما يلي: التمسك بقيادة الحزب الشيوعي الصيني والاشتراكية ذات الخصائص الصينية، والسعي لتحقيق التنمية عالية الجودة، وتطوير الديمقراطية الشعبية الشاملة، وإثراء الحياة الثقافية للشعب، وتحقيق الرخاء المشترك للجميع، تعزيز الانسجام بين الإنسان والطبيعة، وبناء مجتمع بشري ذو مستقبل مشترك، وخلق شكل جديد من التقدم البشري. «(Xi Jinping 2022a: 18، 19 ؛
يشير جوستين ييفو لين، عميد معهد التنمية الوطنية في الصين، إلى أن المسار الغربي للتحديث لا يمكن نسخه لأن المتطلبات التاريخية تختلف تماماً اليوم بسبب الصعود المبكر للغرب، والذي ترافق صعودها مع الحرب والنهب الإمبراطوري لقارات بأكملها والاستقطاب الاجتماعي والدمار البيئي. كل أولئك الذين يحاولون نسخ هذا المسار "محكوم عليهم بالفشل" (لين 2023).
جان توروفسكي يضع النقطة على ذلك باختصار: »من ناحية، أخفى توحيد نموذج التحديث الغربي المتطلبات الأساسية لتطويره في شكل الاستغلال الاستعماري للموارد وأسواق المبيعات، الاستعباد ومصادرة الملكية، والتي لا تزال تتجلى اليوم ويجري تجاهلها. في الهيمنة الاقتصادية على الجنوب العالمي والعلاقات الاقتصادية غير المتكافئة من ناحية أخرى، أن رواد التحديث في المركز الرأسمالي قيدوا بشكل منهجي فرص التنمية والتطوير للمتأخرين. «(Turowski 2023)
مع هذا المفهوم، يتم تبني فكرة المسارات البديلة للتنمية في المجتمعات الحديثة عن عمد ودمجها مع فكرة المسار الاشتراكي الصيني المنفصل للقرن الحادي والعشرين. لا يشمل هذا فقط إدعاء تطوير نوع من الحداثة يتوافق مع الظروف الخاصة للصين في سياق شكل تخلفها السابق، وإرث القمع الإمبريالي والحروب، ولكنه يقدم أيضاً مساهمة بارزة في تطوير الحضارة الإنسانية ككل. . يتعارض هذا مع فكرة أن التحديث والتغريب متطابقان ويدعي أنهما نموذج يحتذى به لبلدان ومناطق أخرى (انظر Zhang Weiwei 2022).)
بعد مؤتمر الحزب، أشار مارتن جاك، الزميل الأول في معهد الصين بجامعة شنغهاي فودان، إلى خمس نقاط يمكن للغرب أن يتعلمها من الصين وهي:
1.إجماع أجتماعي أساسي،
2.المشاركة المستمرة للعديد من الممثلين في القرارات السياسية،
3.أفق العمل طويل المدى،
4.الخبرة كشرط للمهنة السياسية و
5.القدرة على "تقديم" كل مايتعلق بالخدمات التي يتم توفيرها للسكان.
يكتب جاك مستهزئاً: "إن الاختصاص الرئيسي للسياسيين الغربيين هو التحدث، و اختصاص نظرائهم الصينيين هو التعامل." (جاك 2022) .

*ميشائيل بري:فيلسوف ماركسي ألماني.