الياس العماري، عودة الإبن الضّال


حسام تيمور
2023 / 7 / 12 - 20:48     

هل انسحب الياس العماري من العمل السياسي "عن قناعة شخصية و لاعتبارات تخصه" كما صرح في اولى خرجاته بعد اختفاء دام سنوات؟
فلاش باك،
ذات جلسة محاكمة صاخبة لما يسمى "نشطاء حراك الريف"، صرح قائد الحراك بأنه سيفضح شخصيات نافذة في الدولة قامت بتحريضه على رفع سقف شعارات الحراك، الى "المطالبة بالجمهورية"، أو التآمر ضد رأس النظام، و المقصود هنا، او الشخصية الأهم، هي "الياس العماري"، و ان المحامي "زيان" يملك كافة الادلة القاطعة الكفيلة بإدانة هؤلاء الاشخاص، بما في ذلك تسجيلات لمكالمات هاتفية و غيره.
في الجلسة المقبلة، سيقدّم ناصر الزفزافي في نفس المحكمة، أي محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، سيقدم ورقة موقعة من طرف 38 معتقلا، يرفضون فيها ترافع المحاميين، اسحاق شارية والنقيب محمد زيان، عنهم، وذلك على خلفية تصريحات المحاميين، التي تفيد بأن الموكل صرح لهما بكافة تفاصيل "المؤامرة"، و أنهما يحوزان تلك الادلة، بامر الموكل، او كما صرح نفس الموكل، خلال الجلسة التي سبقت، و بمعنى انهما يقومان بانفاذ ارادة الموكل "حرفيا" كما صرح بذلك خلال جلسة المحكمة، و بمقتضى قرار المحكمة نفسه الذي قام بتأجيل الجلسة بناءا على طلب الزفزافي و رفاقه !
بين الجلستين، سيتم "استدعاء" او "استقدام" ناصر الزفزافي من داخل السجن، من طرف عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، الى مقرها، و ذلك لسبب ما، بشكل غير مفهوم، و سينقلب تصريح الزفزافي و اتهاماته الى انكار، ثم طلب اعفاءٍ للدفاع الموكل اليه بما سبق، أي تاكيد اتهامات الزفزافي للعماري و غيره بالادلة و القرائن التي ادعى ان الدفاع يحوزها، أي ضمنيا اتهام الدفاع باختلاق تلك القصة.
أول اختفاء للعماري كان بعد هذا "الاتهام العظيم" الذي جاء على لسان "الزفزافي"، حيث تضاربت الاخبار عن هروبه الى "باريس"، او عن ذهابه الى وجهة "غير معلومة"، قبل ان يعود عودته الشهيرة، التي رافقها مشهد غرائبي، لعمدة الرباط، او شخصية ادارية أخرى، و هو يستقبله عند المطار، و يقبل رأسه. و كان ذلك بعد حوالي اسبوعين، أي بعد تلاشي الخطر، و تراجع "الزفزافي و رفاقه" عن تلك الاتهامات، و كذلك بتحطيمهم النهائي، و بشكل لا يترك مجالا للتراجع او العودة، لكافة ادوات و امكانيات الاثباث او اعادة طرح المسألة على طاولة المحاكمة الطويلة و الشائكة.
ما رأيك في قرار ناصر الزفزافي؟ هكذا تسائل آنذاك، الموقع الاخباري الذي نشر الخبر بصيغة محرفة مازالت الى اليوم موجودة على نفس الموقع، تقول بالحرف،
"قدم ناصر الزفزافي في محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، يوم الثلاثاء، ورقة للقاضي، موقعة من طرف 38 معتقلا يرفضون ترافع المحامي شارية والنقيب محمد زيان عنهم، وذلك على خلفية تصريحات شارية التي أكد فيها أن موكله، الزفزافي، أخبره بأن إلياس العماري، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، حرضه على التآمر على الملك..تصريحات نفاها ناصر خلال الجلسة
ما رأيك في قرار ناصر الزفزافي؟ "
...
نفس الموقع للمصادفة، هو الذي كان له آخر لقاء صحفي مع "الياس العماري" قبل المغادرة، او الهروب، و نفسه كان له اول لقاء معه، بعد العودة.
مجددا، نطرح السؤال، هل كان قرار العماري، بالانسحاب او المغادرة، نتاج قناعة شخصية ؟
او هل كان هناك امكانية للبقاء، بالنسبة له، بعد كل ما حدث؟
هنا لابد من العودة الى "رفوف الحراك"، او تلك التفاصيل التي تم بشكل غريب طمسها، نكاية في شيطان التفاصيل، و كل ما من شأنه.
يتحمل الحراكيون دورا مهما في صناعة مشهد الهزل، سواء داخل الحراك نفسه، او داخل الاحداث الموازية التي رافقته و تلته، الى حين اللحظة.
لقد كانت خطيئة "الزفزافي" هنا، بالمعنى الاخلاقي و السياسي، مضاعفة الأثر و المعنى،
الأولى أنه، و ردا على اتهامات "المحكمة" له، بالسعي وراء الانفصال، و التآمر على السلامة الداخلية للدولة، حاول تضخيم القضية، بشكل ربما، يثني المحكمة عن مسارها العنيف تجاه ادانة المعتقلين بتهم ثقيلة، و بمعنى أنه هو الذي رفض تصعيد مسار الحراك، و ان مطالب و مشاهد التصعيد، كانت تحركها جهات نافذة داخل الدولة، تتآمر على الدولة، و راس النظام، على رأسها "الياس العماري".
لابد من الاشارة الى ان هذه ليست المرة الأولى التي يتلقى فيها هذا الشخص بالذات، هذه التهم الثقيلة، بل كانت نفس التهمِ، موضوعَ خرجات خطابية و اعلامية لرئيس الحكومة السابق "بنكيران" قبل و بعد وصوله الى منصبه الحكومي، حيث كان يصف "العماري" و اشخاصا اكثر نفاذا، ب"الانقلابيين" الذين يشكلون خطرا على النظام و رأس النظام!
بداية لم يكن "الزفزافي" في موقع قوة يؤهله لخوض هذا الصراع العنيف و القاسي، كما لم يكن "بنكيران" نفسه في موقع أفضل، رغم كونه الامين العام للحزب الحاكم، و الحزب الاكثر شعبية، و الحزب القادم و القائم على شرعية التغيير السلمي و من الداخل، او الاستثناء المغربي، بدستوره الجديد و مكتسباته و افضاله على البلاد و العباد و النظام و رأس النظام.
و بعيدا عن "منطق القوة" او التأثير، لم يكن بأي شكل و تحت اي "ذريعة" من الاخلاقي، استعمال ورقة "ابتزاز النظام" ضد "محكمة" نفس النظام، حيث ان التأكيد على الوطنية و الوحدوية هنا، هو تحصيل حاصل، او لا يغير من الامر شيئا، باعتبار ان "المتهم" اصلا بهذا التحريض، ينتمي للعمود الفقري للنظام، و الدولة، المؤسسات، و النضالات كذلك.
هنا نجد شخصية سريالية و كاريكاتورية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، تحكي مثلا، عن ابنها المراهق او الشاب، الذي كان ينتمي "لحركة عشرين فبراير"، و بالتحديد الجناح الراديكالي داخل الحركة، و يرفع لافتات تدعوا لمحاسبة و محاكمة رموز الفساد الكبرى في المملكة الشريفة، كل بصورته، و منهم "والده" طبعا، و هذه من التفاصيل التافهة جدا جدا، و التي كان على "الحراكيين" اخذها بعين الاعتبار، و بكل جدية، كون أن منطق الدولة هنا، ليس منطق "الكارتيل"، الذي يحاكم الافراد و النوايا بناءا على منطق "الولاء"، بل انه منطق اللامنطق، او منطق "الجنون"، أي "منطق الدولة" و كفى. فالدولة كائن منزوع المشاعر، "يتحرك وفق منطق التوحش فقط و دون توقف".
هنا خسر الحراك آخر ما تبقى له من مصداقية، لدى الطرفين الوحيدين المتضامنين من موقع مبدئي، و هما الطرف "الانفصالي" ، و الاخر الراديكالي، و ذلك في رهان عشوائي، و رخيص كذلك، و لا اخلاقي، مفاده أننا لسنا انفصاليين، و ان لدينا استعدادا لفضح "الانفصاليين" المزعومين، "ببلاش"، او بتعبير أصح، مقابل صفقة تخفف عنهم ثقل المحاكمة و الاحكام، او تعجل بصدور "عفو ملكي" بعد ذلك، و هو ما قام المعتقلون سرا بطلبه، كتابة و توقيعا، فور اعتقالهم، و هو ما يتستر عليه اغلب "الحقوقيين" من سماسرة العفو و النضال عند المقدرة، و المتحلقين على موائد و بارات النضال، و بيرته الرخيصة، و ذلك ضمانا لبقاء وسيلة ضغط او جلب للتعاطف و التضامن، او تلك الشرعية التي افتضّها الحراكيون بأنفسهم على اعتاب الولاء، و "الوشاية البليدة الرخيصة"، و ذلك بسبب ضعف تكوينهم النضالي و انعدام ثقافتهم السياسية، و انتهازية اغلبهم كذلك، و عدم فهمهم لطبيعة النظام القائم، و الواقع او النتيجة تؤكد هنا كل ما سبق.
بالعودة الى "الابن الضال"، نجد ان الرابح الأول، و باكتساح، لم يكن إلا هو، سواء هرب أو غادر او انسحب، او فاز او خسر، هنا او هناك، حيث ان الدولة هنا، كواجهة قانونية و مؤسساتية، امنية او قضائية، تصر على تجاهل كل هذه الوشائج القذرة، بين الحركات و السكنات، حيث انه و من باب الانصاف، نجد ان اتهامات "الحراكيين" معقولة، و ذات هامش كبير من الصحة، و ذلك رجوعا لكليشيهات ينتجها المتهم نفسه باستمرار، و يعيد انتاجها غلمانه سواء في الحزب الرجعحداثي او مختلف الاكشاك الاعلامية و "الشقق المفروشة" النضالية التي كان يتعهدها و لايزال باشكال اخرى مموهة.
عودة الابن الضال تأتي هنا، بعد تردي شامل لمنظومة "الحراكات"، و ليس "النضالات" طبعا، حيث خرج اغلب معتقلي الحراك بالعفو الملكي، و بقشيش غير محترم، صنع منهم صورة "نادلين" في المقاهي، و انذال رخيصين، في السوشل ميديا، و متسولين لبقشيش العمل الجمعوي او الريع التنموي، او الخبز الاوروبي، كلاجئي حانات و ملاهي ليلية، و بالتالي سقطت عنهم كل صفة "نضالية او مناضلة، و كما ان قائد الحراك، اقدم على انتحار غير اخلاقي كذلك، من داخل سجنه، برسالته العجيبة و التي حرفيا : "يتنازل فيها عن قيادة الحراك و كل ما يمت للحراك بصلة، و يطالب ادارة السجن بادوات و مكونات طبخ و سخان كهربائي، يستفيد منها بشكل استثنائي، من دون باقي السجناء او قوانين المؤسسات السجنية".
و كذلك، و هذا هو الأهم، اقبار المحامي "زيان" بسنوات محترمة من السجن، باعتباره آخر شخص يمكنه الحديث في هذا الموضوع بالذات، و هو الشخص الذي قال كذلك تعليقا على تراجع "الزفزافي" عن اتهاماته للعماري، و اعفائه للدفاع الذي يملك الادلة ..
"عندما يصرح موكلي بشيء للمحكمة و يعود في الجلسة القادمة لنفي هذه التصريحات، طبعا بعد حدوث ما حدث وسط هذه الفترة، فهنا لم يعد هناك معنى لمحاكمة و لا محكمة ولا لمؤسسات ولا لدولة"،
هذا التصريح كان بمثابة رصاصة الرحمة على مصداقية الحراك، بشكل ربما ترفع فيه "زيان" عن ايذاء "المعتقلين"، و هو سلوك اخلاقي يحتسب له، عكس كثير من "بيادق" الحراك، الذي التفوا على الحقيقة و اشهروا سيوفهم في وجه "زيان"، بكل وساخة الذباب "المناضل"، الذي يقتات على فتات صبيان تجار المخدرات و قوادي بنات الريف في حانات اسبانيا و هولاندا .
و كان هذا التصريح كذلك حبل المشنقة الذي لفه المحامي زيان حول عنقه، و هو الموقف النبيل الوحيد هنا الذي يُحتسب له، طبعا، رغم اختلافنا معه في كل شيء تقريبا.
بمنطق "الاخلاق" هنا، و بغض النظر عن الخلفيات و النوايا، و اختلافاتنا الحادة مع الشخص، فقد انتصر المحامي زيان، و قال كلمة الحق و مضى منتظرا حتفه الذي لم يتأخر كثيرا،
و بمنطق اللامنطق، انتصر منطق اللامنطق، أي "الدولة و العماري و الكارتيل"، بعد مسح كافة الادلة و اقبارها، ماديا و معنويا،
أو حيث تقف الدولة نفسها عاجزة، لتصب جام غضبها على البؤساء، و صغار الانتهازيين، و البيادق !