المياه الجوفية


محمود حمدون
2023 / 7 / 3 - 09:32     

" المياه الجوفية "
===
أبدًا لم تكون آفة حارتنا النسيان, بل الغليان الكامن تحت السطح, المُمَهّد لصعود الحرافيش, كمياه جوفية تزيح بقسوة مدمّرة ما يقابلها من ظلم وقهر .
لكن.... يظل السؤال الذي يؤرق العقل قائمًا, هل اختفى الحرافيش من الحارة المصرية ( بمفهومها العام المعاصر)؟

لا شك أن الحق والعدل, غايتان سعى لهما وإليهما البشر منذ الخليقة, هما الحلم الأزلي, لم نر على الأرض وبخاصة في مجتمعاتنا وجودًا شاملًا لهما, ربما بعض فتات من العدل, يتناثر هنا أو هناك, فإن غابا كليّة, سرى التمرّد على استحياء في البداية, ثم سرعان ما يسري كتيار كهربي في الأنفس, فإن زاد الضيم عن حده الذي يتقبّله المرء,

وما أكثر ما يتحمل المصري من الهوان في سبيل لقمة العيش, حين تتساوى لديه قيمتيّ الموت والحياة, ثم ترجح كفة الموت, حينها فقط تنطلق جحافل الحرافيش من كل صوب, هم يأجوج ومأجوج بصورة معاصرة صريح أو متماسة مع الموروث الديني والثقافي. حين تبلغ القلوب الحناجر تجدهم ينطلقون من الشقوق, الأزقة, الحارات, يقطعون الطرق الرئيسة, الدائرية, بداخلهم غضب وكمد لا طاقة لهم هم أنفسهم بتحمّلها , كراهية للنفس و الآخرين على السواء..
فهل غاب هؤلاء ولم يعد لهم ذكرًا الآن إلّا ما وثقّه محفوظ في رائعته " الحرافيش"؟
هل أجهز القانون على البلطجية بصورة كاملة, فلم يعد لهم وجود؟
أم أنشأ أشكالًا معاصرة جديدة؟..
لا ريب أن الصفع على الأقفية, الضرب على الوجوه, الوكز واللكز, مما كان يفعله البلطجية وأعوانهم مستمرة لكن بصورة يقّرها العرف أحيانًا, يؤكدها القانون في أخرى.
فالإتاوة قائمة ما قامت الحياة بالحارة المصرية, لها أشكال ومسميات لا نهاية لها, أعوان يختلفون في المظهر غير أنهم يقاربون أسلافهم كثيرًا في المضمون .