في اللغة السجالية أو لغة البوليميك.


أحمد زوبدي
2023 / 6 / 28 - 04:14     

البوليميك (polémique) شكل من أشكال التعبير. أكان هذا التعبير تعبيرا سياسيا أو فلسفيا أو دينيا أو أدبيا أو نقديا أو فنيا أو تعبيرا يتعلق بحقل آخر من حقول المعرفة. لكن غالبا ما يتعلق هذا الشكل من الكتابة بالخطاب السياسي أو الأيديولوجي أو الديني.
في نظري المرادف اللغوي الذي يقابل هنا كلمة بوليميك هو السجال الذي يصل حتى إلى الخصام الفكري. السجال في نظري هو أقرب إلى عالم الأفكار والايديولوجيا من أي مجال آخر. السجال السياسي الذي لا يتقن صاحبه الفكر هو سجال يصنف في مجال الصحافة والإعلام وبالتالي لا يرقى إلى البوليميك بصرف النظر إن كان صاحبه مثقف إعلامي يتقن السياسة والايديولوجيا.
بعض الكتاب المدرسيين ينتقدون هذا الشكل من الكتابة معتبرين أنه شكل من أشكال الكلام الفارغ أي البلا بلا.. أو تتياك الهدرة، باللغة الدارجة المغربية. لمن يقول هذا الكلام، أقول أن الذي ينتقد لغة البوليميك هو كاتب أو قارىء مبتذل يفتقر للتكوين الأيديولوجي وثقافته ثقافة مدرسية وسطحية يطغى عليها الكسل الفكري وبالتالي لا ترقى بالفكر إلى مستويات معرفية عميقة ومتقدمة. من يفتقد للغة البوليميك يفتقر للكتابة المناضلة ويكون تكوين صاحبه تكوينا يخضع لرقابة السلطة وبالتالي لا يتجاوز حديثه دائرة مثقفي السلطة. ومن لا يتقن هذا الفن من الكتابة أو التعبير، فمن الأجدر به أن يلتزم حدوده حتى لا يتلقى نقدا بوليميكيا لاذعا من السجاليين المحترفين.
كارل ماركس من أكبر مفكري العالم بل قل أكبر منظر عرفته البشرية حتى الآن _ باعتراف حتى الليبراليين _ كان كاتبا ومفكرا بوليميكيا بارعا. مؤلفه "بؤس الفلسفة" ردا على كتاب "فلسفة البؤس" لبرودون، يمزج فيه بين التنظير والبوليميك من ألفه إلى يائه. كل كتابات ماركس فيه نكهات كبيرة من البوليميك لأن شكل الصراع الذي كان يأخذه فرض عليه مواجهة بالخصوص ذات طابع سياسي و إيديولوجي - ، إلا كتاب " رأس المال" الذي نقرأ فيه علم الاقتصاد أو قل علم الاقتصاد السياسي. وهو ما جعل لويس ألتوسير يتحدث عن كتابات ماركس الشاب و كتابات ماركس الناضج أو قل ماركس الأيديولوجي و ماركس العالم (بكسر اللام). نفس الشيء بالنسبة للينين وخاصة كتابه "مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية " مقابل "تطور الرأسمالية في روسيا " الذي يتكلم فيه الزعيم البولشفي عن الاقتصاد الحقيقي ممزوج بأدوات معرفية تحليلية.
في العالم العربي، من أبرز المفكرين و الكتاب البوليميكيين الفيلسوف اللبناتي الشهيد مهدي عامل، غرامشي العرب، حيث أن أسلوبه يصعب فهمه ممن لا يتقن لغة البوليميك أو على الأقل غير المتتبع لهذا الشكل من الكتابة.
مما سبق، يمكن القول باللغة السجالية أن البوليميك سلاح النقد أو قل نقد السلاح بلغة ماركس. و من لا يقشع في البوليميك عليه أن يكف عن انتقاد البوليميكيين لأن هذه اللغة السجالية لها كتابها المحترفين و أنها مفيدة في إنتاج الفكر النقدي والمعرفي. اللغة السجالية هي لغة الإبداع الفكري الجاد و لغة الجرأة الفكرية والسياسية الصريحة.