المسيحية في زمن قسطنطين / تابع لمنشور البدايات


عيسى بن ضيف الله حداد
2023 / 6 / 17 - 14:09     

غادر قسطنطين روما دونما رجعة، وفي عام 330 م أعلن رسمياً بيزنطة المدينة اليونانية القديمة، عاصمة الإمبراطورية..
وبين من سياساته: بعث مجلس الشيوخ في مقام الحكومة، أحاط نفسه بأروع الصروح والمعابد سماها أكثرها باسمه، مدينة قسطنطين. أنجز بجرأة جملة من القرارات والمراسيم، إذ فرض نظام الخدمة على كل الناس، ووضعه بتصرف الدولة، أعاد الحق للأـسياد في جلد العبيد حتى الموت، كما سمح للآباء على بيع أولادهم، وحرم بحزم، ليس فقط المستوطنون المكبلون بالحديد (القانون 323)، بل الكهنة، والمهنيون والتجار من الذين تركوا أعمالهم ومكان اقامتهم الدائم. وكان عدد الموظفين يربوا بدون توقف، ولم يعد الجهاز الإداري أكثر من أداة وحشية لاضطهاد لا يحتمل، يهيمن بغلظة على كاهل الجميع.. [ هو ما ذكره عنه كتاب الحضارات القديمة / ولم يظهر بوضوح في المراجع الأخرى ]
مع المسيحية (من ص 697 – 698 مع نقل بدقة لأهميته): كان قسطنطين المتطير، قليل الثقافة، يبحث متحمساً عن سند ودعم سلطته في الدين، متبعاً في هذا وبكثير من الجرأة منحى أسلافه، ومهما قست حكومات ديوكليان، وخليفته غاليس أحد القياصرة الجدد مكسميان دبيا، فقد غدا محالاً استئصال المسيحية، التي صارت قوة مجتمعية جبارة وجيدة التنظيم. كان في كل مدينة عدة مجتمعات مسيحية، بأساقفتها وكهنتها وشمامستها، وتمتلك مصادر غنية في الإدارة، وفي الجيش كان الكثير يتبنى طروحاتهم: وفي قصر ديوكلتيان بالذات تعاطفتا معهم زوجته بيسكا وابنته فاليريا. وقيصر قسطنطين كان يحترمهم، ولا ينفذ قرارات ديوكلتيان ضدهم على ارض الغول وبريطانيا الخاضعتان لسلطته. وأجبر الإمبراطور غارليس أيضاً في العام 311 م أن يضع نهاية لاضطهادهم..
منذ مجيئه انخرط قسطنطين في هذا الطريق ووجدوا سندا قويا، حول الكهنوت المسيحي في نضاله الطويل والعنيد ضد منافسيه، لذا، منذ العام313، بعد انتصاره على مكسانس (ابن مكسمين) الذي سيده على إيطاليا، أصدر بالاتفاق مع لوسنيسن الذي كان له آنئذ شريكا له في التاج، وأعلنا عن قرار ميلانو الذي يعطي الحرية كاملة لجميع المتعبدين في كل الأديان، بما فيها المسيحية. وقبلت التجمعات الدينية أن تساهم ببناء الصروح المدمرة، وإصلاح الأراضي والأطيان التي صودرت في أيام الاضطهاد الأكبر..
وحالما أصبح قسطنطين عاهلا مطلق القوة، حتى شرع يعامل الكنيسة المسيحية على خير وجه. أعفي وزراءها من التعويضات والسخرة، وقدم قصره لاتران هدية لأسقف روما. ومع امه هيلين اهتم ببناء معابد مسيحية في فلسطين، وبيت لحم والقدس وغنولغوتا، رغم انه لم يهتد إلى المسيحية إلا على فراش الموت.. لقد حافظ حتى النهاية على لقبه كحبر أعظم وبنى أيضاً بحماس شديد معابد للآلهة السالفين في عاصمته، وأعطى الكنيسة المسيحية وضعا متميزا فعلا. عمل هذا الوثني اهتماما منه بوحدة الكنيسة، وطفق يعطي توجيهات تخص مختلف قضايا الكهنوت، ولذا حضر مجمع نيقيا في العام 325 الذي كان مسرحا لمناظرات لاهوتية حامية حول: هل الابن " يشارك الآب في الجوهر " أم يشبه الآب "، وحيث أعد أعقد " رمز إيماني "، ال معروف برمز نيقيا. (إلى الاتجاه المعاكس) / وهكذا تحولت الكنيسة المسيحية إلى وسيلة جديدة وقوية بيد السلطة الإمبراطورية. وانصب الاضطهاد منذ الآن على البدع والهرطقات الدينية كجرائم على أمن الدول..ا الدينية، وجهات نظر أخرى لما تبناه الإمبراطور وذاك المجمع المطيع الخاضع له..
في زمن آت أنقلب الإمبراطور على قراره السابق، فأستدعى أريس من المنفى، وأرسل مكانه خصمه الأسقف أتاناس، زعيم غالبية " آباء نيقيا ".
وهكذا أضيف إلى أشكال الاضطهاد الحكومية الممارسة، بالتالي، الاضطهاد الديني.. وفي هذا المدى رأى الشعب انطفاء آخر أشعة الحرية.. (بما فيها داخل الدين نفسه). وللموضوع بقية