روميو وجولييت الأمازيغيين: -إيسلي- و-تيسليت-


عذري مازغ
2023 / 6 / 17 - 00:55     

"تيسليت" مؤثنث "إيسلي" وتعني عربيا العروسة والعريس وهما بحيرتان بالمغرب بمنطقة "إميلشيل" المعروفة في المغرب بموسم الزواج والذي يبدو عمليا له علاقة ميثولوجية بالبحيرتان او على الأقل هكذا وظف الخيال الشعبي من خلال المحكي نثرا رائعا بربط البحيرتين بإيميلشيل وإن كان في نظري السياق مختلف وتبقى الصدفة وحدها هي التي جمعت هذه الأركيولوجية الطبيعية بالأسطوررة وبالتاريخ أيضا.
الأسطورة تحكي عن امرأة من قبيلة خاصة ارتبطت عشقا برجل من قبيلة أخرى مجاورة وكان بين القبيلتين صراع النفوذ حول المنطقة بشكل أثر على علاقة الحبيبين، مُنعا من الزواج لانتسابهما إلى قبيلتين متصارعتين ومتعاديتين بشكل لا يمكن تجميعهما وذهبا الحبيبين كل منهما إلى الجبل القريب لهما في طقس من الزهد يذرفان الدموع بكثرة الشوق والحنين إلى أن امتلأت البحيرتين وسميتا باسمهما وتنتهي الأسطورة بموت الحبيبين مما ترك أثرا في القبيلتين جعلهما يحتفلان تعويضا على تحريم الزواج بينهما بخلق احتفال سنوي للزواج بين المتباعدين (شكل من أشكال التسامح والمحبة ولو بين الغرباء). فالبحيرة التي سميت "إيسلي" ملأتها دموع الرجل وهي جغرافيا الأكبر والأخرى "تيسليت" وهي الأصغر ويبتعدان عن بعضهما بحوالي 10 كلمترات.
جغرافيا تقع البحيرتان على سفوح جبال دائمة الثلوج شتاء وهي من يملأ البحيرتين عند ذوبانها .
وطبعا يرتبط اسمهما مجازا بالعروس والعروسة وهو ربما ما دفع المخيال إلى نسج هذه الأسطورة الشيكسبيرية، غير ان المعروف في الأمازيغية هو أنها تذكر (من الذكر) الحجم الكبير وتؤنث الحجم الصغير حتى ولو تعلق الأمر بنفس الجنس، مثلا نقول "أمطو" مجازا ونقصد به المرأة القوية سواء بنفوذها أو حكمتها في التدبير أو لحجمها (المرأة الحديدية في المجاز العربي) بينما نسمي المراة العادية "تامطوت" وهنا محاداة بحيرتين في نفس المجال أو المنطقة فرض التمييز بينهما مع الحفاض على نفس الإسم من خلال اللعب على نفس المدلول بتأنيث الأصغر وتذكير الأكبر. ما يزكي تحليلي هذا الذي يربط الإسم بالحجم هو أن حجم تيسليت (المراة الأكثر دمعا بشكل غريزي أقل حجما من بحيرة إيسلي (الرجال أقل دمعا من النساء) لكن ما علاقة هذا باسم إميلشيل المقرون بموسم الزواج؟
استلهاما بأسطورة العشيقين سيبدو موسم الزواج "إيميلشيل" تحصيل حاصل، تكريس لقداس وثني ينتصر للمحبة على تراجيديا معينة حصلت قديما بينما الحقيقة التاريخية مختلفة تماما والصدفة وحدها هي من ربطت العريسين بموسم الزواج بشكل ساهم التسييح (من السياحة) الفلكلوري للموسم في ربط أسطورة العشيقين بسوق عام وهو الإسم المرادف لاسم إيميلشيل أو لنقل بان اسمه الحقيقي هو "سوق عام" بالدارجة المغربية الممزغة ويعني السوق السنوي: السوق الذي يعقد مرة كل سنة وتلوجه القبائل المجاورة والبعيدة أيضا اما كلمة إيميلشيل فهي كلمة أيضا مركبة من كلمة امازيغية وكلمة عربية وإن بدت أنها امازيغية:
إيمي: كلمة امازيغية تعني الفم
الشيل: (بأل القمرية) هي كلمة الكيل عربيا (والكلمة المركبة هي فم الكيل) لكن المعنى السوسيولوجي للكلمة يتخذ شكلا آخر في العقل الجمعي الأمازيغي: "دِّيخْ أَذْشالْخْ إرْذَنْ" تعني ذاهب لكيل القمع (الترجمة الميكانيكية)، في الحقيقة السوسيولوجية بمنطق العقل الأمازيغي تعني "انا ذاهب لشراء القمح" وإيميلشيل بالمعنى السوسيولوجي أمازيغيا هو "سوق الحبوب السنوي" بشكل عام لا علاقة له بالزواج، لكن ظروف اجتماعية تاريخية أخرى هي التي جعلت منه موسم زواج .
ودعونا الآن نزيح مستوى الفلكرة والتسييح لهذا السوق والذي بالفعل جعل منه موسما ساحرا يجلب المكبوتين في العالم بحيث يتصورون أنه سوق فيه بضاعة للزواج بدون حب ولا عشق ولا اتصال سابق ولا أي شيئ بشكل يبدو سوقا لبيع العرائس الآدمية تنزيلا لميثولوجيا آلهة العرس أو الزفاف "إيسلي" و"تيسليت" بشكل يبدو، ربما، أي مانع لتحقيق زواج السائح سيغرق في طوفان دموع إسلي وتيسليت أو على الأقل سيغرق في البحيرتين.
المسألة لها علاقة، في تاريخ زمني معين بغياب توغل مؤسسة المخزن (السلطة المركزية) في مغرب الهامش الذي تنتمي إليه هذه المنطقة الجبلية الثلجية ذات هذه البحيرات الجميلة (بحيرة إيسلي لونها الأزرف الناصع، ماء صافي غير ملوث، لامع بشكل سحري حين تضرب فيه أشعة الشمس وذات عمق يصل حتى 80 متر). كانت علاقة الدولة المركزية (المخزن) بهذه المناطق هي علاقة استثمار (تسويق بمعنى ما: جمع الضرائب)، وكان أصحاب التوثيق في قضايا الزواج لإضفاء الطابع الرسمي على مؤسسة الزواج (العدول في هذه الحالة الذين يوثقون الزواج) يزورون المنطقة فقط في "سوق عام" (السوق السنوي)، ويحصل أن تعقد حالات زواج كثير في خضم السنة بشكل شفهي لا يتم توثيقه إلا حين يحضر هؤلاء الملائكة في سوق عام!، وبشكل مداوم وقبل توغل المخزن للتحكم في المناطق النائية (المغرب المهمش)، وبسبب طفوء ظاهرة التعاقد الشرعي للزواج في السوق بدا كأنه ظاهرة ميثولوجية وأضفى الإعلام والسياحة على الظاهرة رونقا ميثولوجيا.
يبقى هناك سؤال مطروح: لماذا تناولت هذا الموضوع واقتحمته كأني متخصص في الميثولوجيا؟
كمواطن مغربي، كأب، او كفرد ضمن أسرة مغربية يهمني ما تقدمه وزارة التربية الوطنية من موضوعات لأطفالنا، وهذا له علاقة بالإمتحانات الجهوية للإعداديات المغربية، طرح موضوع شيق: لاول مرة يطرح في مادة اللغة العربية موضوع شائك حول الثقافة الأمازيغية: قدمت ورقة في امتحان موحد لهذا الناشئة حول موضوع أمازيغي وهو أمر رائع ويكرس ذلك المجهود الوطني في الدفاع عن مقومات الثقافة المغربية وهذا هو الإطار العام المحمود،قدم نص يتكلم عن ثقافة رقص أحيدوس، استأنس فيه صاحب النص (قد تكون المؤسسة بمشاركة اطرها لايهم) بنص يبدو علميا حول رقصة احيدوس وربط النص (استئناسا حتى لا أظلم صاحب النص) بموضوع إيسلي، تيسليت) كما لو أن هذه الملحمة الرقصية نزلت من الأسطورة (نختلف حول هذا الربط لكن لايهم ما دام نص التقديم يعرف بنمطية أحيدوس السيميائية بعيد عن الاستئناس الميثولوجي)، كلنا نعرف أن أحيدوس هو رقص مجالي يعكس سيميائيا ثقافة المجال:
في الاطلس المتوسط يتخذ شكل دائري وهو شكل السكن عندنا: في المجتمع الرحالي تنصب الخيام بشكل دائر وسطها يتشكل أيضا بشكل دائري المورد الاقتصادي (زريبة المواشي تنصب داخل دائرة الخيام لهاجس امني، مراقبة دائرية) الحركات في الرقص هي حركات الفرس والفرسان وبعض التماه الآخر مع المجال : تقليد حركة الطيور والحيوانات المفترسة الأخرى)، على مستوى المنازل، تبنى بشكل يؤمن الرؤية الدائرية التي أشرت لها، قد يكون إغرم (القلعة) مستطيلا أو مربعا لكن يحتفظ على الهاجس الأمني في تقييم تنصيب الخيم (الشكل الدائري) الموارد الاقتصدية وسط المنازل أو بعبارة أخرى الدخول إليها يتم من خلال بوابة واحدة إلى ساحة تتفتح عليها أبواب تخزين الموارد (شكل من أشكال الحرص والتأمين الجماعي).
رقص نصف دائري لأحيدوس، دائما له علاقة بالمجال: تنصب الخيام في المناطق الجبلية بشكل نصف دائري عادة النصف الفارغ منها يكون جبل أو مانع طبيعي للصوص ليس كما في الحقل المتفتح، وبشكل عام يختلف الرقص من منطقة إلى أخرى بسبب تكيفات المجال وبهذا يكون الرقص هذا ليس رقصا اعتباطيا بل هو انعكاس ثقافة المجال والإجتماع بشكل واعي أو غير واعي في دماغ الامازيغ. هذه بشكل عام ثقافة أو ملحمة أحيدوس والذي في امتحان جهوية درعة قارب المجال في التقديم لكن موضوع مادة الإنشاء، موضوع غريب ولا علاقة له حتى بالنص المقدم ولا حتى بالأسطورة "إيسلي تيسليت"، إليكم موضوع الإنشاء علاقة بالإستئناس مع كل ما تقد في هذا المقال وب"موضوع التقديم" حول رقص أحيدوس كما طرحته وزاة التربية جهة درعة:
تخيل(ي) انك حضرت حفلة زفاف "إسلي" و"يسليت" المذكورين في الأسطورة الأمزيغية (الحقية لم يذكروا شيئا عنهما غير شارة ان احيدوس نزل منها وهذا غير صحيح كام تقدمت في تحليل سيمياء احيدوس), فرأيت أفواجا من عفاريت الجن ترقص رقصات خارقة وتردد اهازيج غريبة تعبيرا عن فرحها بالعروسين.
اكتب في 12 سطر كذا..."
يعكس النص الإشكال الإنشائي تصورا ابارتايديا بعيدا كل البعد حتى عن نص التقديم، وحتى الذين اجتهدوا لتخفيف الأمر بدواعي ان وزارة التربية الوطنية أدخلت مادة العجائبية في النصوص لم تفلح في قناعتي: استئناسا بموضوع إسلي تيسليت نجد فيها موضوع عجائبي لا يفرغ السيميا الرقصية من مضمونها: ملأ حفرة بالدموع هو امر عجائبي لكن عفريت (علاقة بالطفولة هو كائن مخيف وليس حب)، "رقصات خارقة" (أحيدوس ليس رقصا خارقا)، "أهازيج غريبة"، هنا لب الموضوع الذي يعكس توجه المعرب في المغرب: "أحيدوس" رقص عفاريت بأهازيج غير مفهومة وكأن واضع سؤال موضوع الإنشاء لم يقرأ موضوع التقديم وهذا ما عبرت عنه في المواقع الافتراضية بعملية ضرب الشيء في الصفر (باللغة الرياضية): تقديم موضوع جيد للمناقشة وتفريغ مضمونه من خلال تفاهة "العجائبية" في الأدب الإنساني التي هي ما يعبر عنها بالواقعية السحرية (ادب ما بعد الحداثة والواقعية) وغدخال موضوع عجائبي في امتحان قصد تفريغ الواقعية السحرية لميثولوجية "إيسلي تيسليت" من مضامينها الرمزية برغم حقيقة الأمر: إيميلشيل سوق ميثولوجي عصري كما بينت في التقديم من خلال ربطه بميثولوجية إسلي تيسليت من خلال ربط "سوق عام" بها، بشكل يظهر قدرة المغاربة في خلق أساطير جميلة حاضرا. الفرق شاسع
شهادة من أستاذ مراقب في حصة الامحان: اعترف له الكثير من التلاميذ أن موضوع التقديم أعجبهم لكن لم يجدوا ما يقولوه في موضوع الانشاء حول العفريت والجن .