في الذكرى الـ 125 لميلاد العبقري الأندلسي فيديريكو غارسيا لوركا.


حازم كويي
2023 / 6 / 11 - 01:04     

ينيس غراندت*
ترجمة:حازم كويي

بدأت الشهرة لأهم شاعر وكاتب مسرحي إسباني حديث بعد فترة من الأكتئاب. عثرَ فيها على مكانه بعد عدة محاولات فاشلة في عالم الفن والنقاشات الطويلة مع والديه حول أفعاله "غير العملية"
كان فيديريكو غارسيا لوركا يبلغ من العمر سبعة وعشرين عاماً عندما عُرضت دراما ماريانا بينيدا لأول مرة في برشلونة. لقد أعاد كتابته عدة مرات، وأستمرت المفاوضات مع مدير الإنتاج، ثم تأجلت من خلال رقابة ديكتاتورية ريفيرا، وأخيراً تجرأت الممثلة الشعبية مارغريتا زيرغو، التي تولت الجزء الرئيسي من الإنتاج، على الاختراق. . لقد أصبح نجاحاً كبيراً.
الفكرة التي أصبحت أسطورية، حركتهُ منذ الطفولة: الأرملة الشابة الجميلة ماريانا بينيداس، التي ساعدت في تحرير أبن عمها بيدرو،من السجن والذي كان يحبها، رغم أنها عهدت بقلبها إلى ضابط ليبرالي. من الواضح لها أن انهيار النظام الملكي المكروه والعودة إلى الديمقراطية فقط سيجعل الحياة السعيدة مع بيدرو ممكنة. قامت بتطريز العلم بالأحرف الأولى بكلمات "القانون"، "الحرية"، "المساواة" - بدافع الحب الخالص لبيدرو. ومع ذلك، كما اتضح، فقد كان يدوركثيراً حول الانتفاضة دون أن يفعل أي شئ. عندما تعثر الشرطة على القماش، من المفترض أن تكشف ماريانا أسماء المتواطئين معها. ولأنها رفضت ذلك، تم إعدامها علانية في Campo de Triunfo.حيث أقامت مدينة غرناطة من منزل بينيداس مكان عرض لـ "المناضل من أجل الحرية".
على الرغم من أن الحرية والمساواة موضوعان، إلا أن غارسيا لوركا لم يشرع في كتابة مأساة سياسية. كان مهتماً بالجانب النفسي، كان الحب والموت غير المحققين هما الموضوعات الأساسية التي أراد أن يعطيها شكلاً شعرياً. هذا هو الحال أيضاً في "رومانسية الغجر" المتعلقة بالغجر الإسبان.
كانت الصحافة قد تعرفت بالفعل على مجلدين من الشعر، لكن الرومانسية كانت إحساساً حقيقياً. وقد طُبعت ست مرات قبل انقلاب الجنرال فرانكو. "رومانسية الغجر" هو الشعر الأكثر مبيعاً في القرن العشرين.
هذه "الأغنية الأندلسية"، التي يوحد فيها غارسيا لوركا "جميع العناصر المحلية"، كما كتب، لن يكون من الممكن تصورها إذا لم تتأثر بالمشهد الثقافي القديم لفيغا، السهل الخصب.
ولد لوركا في 5 يونيو 1898 في قرية فوينتي فاكيروس الصغيرة، على بعد حوالي عشرين كيلومتراً من غرناطة، وقد تأثر بشدة بالبيئة الريفية والحياة المتواضعة للفلاحين وعمال المياومة وثقافتهم الفولكلورية المزروعة بقوة. عاش الغجر أيضاً في قريته وربما كانت والدة جد لوركا من الغجر. على أية حال، لا يجب أن يكون مؤلف كتاب "رومانسية الغجر" غير مبالٍ بحقيقة أنه ربما يكون قد أنحدر من طائفة الروما(تعني الغجر أيضاً)،حتى لو لم يكن في سلالة مباشرة.الذي كان يحظى بتقدير كبير لهم. بالنسبة له، أصبحوا حاملين رموزاً للسمات الأساسية للنفسية الأندلسية.
ينعكس كل هذا في "العلاقات الرومانسية مع شخصيات مختلفة ظاهرياً، ولكن في الواقع لها شخصية روحية واحدة: غرناطة ..." والعذاب ("بينا")، والشعور بالنذير والعذاب. ومع ذلك، فإن الرومانسية هي كتاب مناهض للفولكلورية. يسعى لوركا جاهداً لمزج المكونات الغنائية الحديثة في السرد التقليدي من أجل الوصول إلى توليفة جديدة. الأساطير ليست دائماً مفهومة على الفور، خاصة في الترجمات. إنهم يثيرون إعجابهم بالحيوية والاستعارات الجريئة.
فهي منارات في طريقها إلى المراتب العليا من الكُتاب الإسبان منها دراما لوركا:عرس الدم،قاحل،العازبة دونخا روزيتا وغيرها. وتم تأديتها مرة أخرى في أوروبا وأمريكا قبل الكارثة الفاشية وبعد الحرب. في ذروة إبداعه، مكث في نيويورك لبضعة أشهر، وهو ما انعكس في دورة »Poeta en New York«شاعر في نيويورك>>. وفي كوبا تم الاحتفال به بشكل عاصف. في الأرجنتين، أمضى العديد من الأمسيات مع بابلو نيرودا، في مدينة بوينس آيرس، لا يمكن للمرء أن يفتح صحيفة دون أن يسمع عن العبقرية الأندلسية.
مع كل هذا الانتصار، يجب ألا تغيب عن بالنا البداية الصعبة. كان فيديريكو غارسيا لوركا طالباً سيئاً في كليات الفلسفة والقانون في غرناطة، لم يُرضي مُعلميه،فقد كان يرغب بأن يصبح موسيقياً. كان عازف بيانو لامعاً، وكذلك الكيتار. بسبب وفاة مدرس الموسيقى الخاص به، رفضَ والد لوركا السماح له بالانتقال إلى باريس وأصر على إكمال دراسته ،حيث "وجّه دافعه الإبداعي (الدرامي) نحو الشعر"، كما كتب لاحقاً في مذكراته الشخصية.
في غرناطة يتواصل مع مجموعة من العاملين في مجال الثقافة والبوهيميين الذين يحتقرون الشعر الرومانسي لقصر الحمراء. دائرة المثقفين المحلفين التي بالكاد تكون ممكنة اليوم، في عصر العزلة الرقمية. كان جميعهم تقريباً موظفين أو مؤلفي مجلة شهرية حديثة التأسيس. ألتقيا كل مساء في مقهى "Alamed" خلف منصة الموسيقى في "rinconcillo"(ركن مريح)، ولهذا السبب أطلق على المجموعة، التي كانت نشطة لسنوات عديدة، اسم "Rinconcillo".
كان لوركا أصغر الأعضاء والمتحمس للمناقشات المحتدمة. حين أنتقاله إلى مدريد، وجد مقراً في السكن الدراسي "Residencia de Estudiantes"،هي نوع من الكليات مثل أكسفورد - المكان المثالي للمشاركة في الحياة الفكرية. أصبح صديقاً مقرباً لسلفادور دالي ولويس بونويل، اللذان كانا أصغر منه بقليل.
كانت المجموعة مفتونة بغارسيا لوركا وبحساسيته غير العادية ومزاجه وروح الدعابة والسحر. كان مركز الاهتمام أينما ذهب. ومع ذلك، سيطر عليه يأس مظلم لمرات عديدة حينما لم يحرز تقدماً في عمله الفني رغم إجتهاده من ناحية، وعندما لم تتحقق توقعاته الجنسية المثلية أو تفككت الشراكات من ناحية أخرى. وعانى كثيراً، خاصةً لأن شذوذه الجنسي كان يجب أن يظل مخفياً عن والديه.
في عام 1925، أشترى الأب بستاناً في"Huerta de San Vicente" في الضواحي الجنوبية لغرناطة. خصصها في زراعة بنجر السكر وأصبح ثرياً جداً. هويرتا تعني ملكية ريفية. كان المنزل الصغير محاطاً بالمروج والفواكه وأشجار الرمان، ولا يزال على حافة سهل فيخا. لوركا أقام هناك لفترات كثيرة. المكان الآن هو متحف. الأثاث وكل شيء في المنزل لم يُمس، وكأن هناك حركة في داخله، يتم تنظيفه بدقة مثل أي متحف، وتم تكييفه مع المعايير الدولية في التسعينيات.
كراسي هزازة وأريكة وطاولة رخامية في غرفة الانتظار. غرفة الطعام،هي أكبرها، ساحة، طاولة مغطاة، كراسي جلدية، كراسي بذراعين، مقابل الحائط خزانة ذات أدراج سوداء أنيقة مع قمة عاكسة، مقابل لوحة إيزابيل لوركا على البيانو، الشقيقة الصغرى للشاعر،التي كان يحبها كثيراً. ضوء ساطع من خلال النوافذ الطويلة. عند صعود الدرج، يقف المرء أمام البيانو الكبير الذي عزف عليه لوركا ديبوسي ومانويل دي فالا. غرفته بها سرير وغرامافون في الزاوية ومكتب كبير به الكثير من الأدراج. على هذه الطاولة، قام بتأليف آخر رومانسيات الغجر، وكتب "حوارات" فنية ورسائل شجاعة لا تشوبها شائبة حتى يتسنى عرض مسرحياته.
بعد سقوط بريمو دي ريفييرا والانتخابات المحلية التي حققت لفترة وجيزة حلم إسبانيا الديمقراطية، دعم لوركا الجمهورية بإخلاص. مع المسرح المتجول "لا باراكا" ، جاب البلاد كمخرج وممثل ومصمم مواقع وموسيقي. في عام 1934 وصل الوضع إلى ذروته. قوضت حكومة محافظة الآن الإصلاحات السابقة، مما أدى إلى الانتفاضة في أستورياس. الديموقراطيون يقاتلون الكتائبيون. سقط فيهاالكثير من القتلى.
مسرحية لوركا الجديدة "قاحل" لاقت إستحساناً، والتي أزعجت المتطرفون اليمينيون.بعد ذلك لم يعد لوركا واثقا من حياته.
لعقود من الزمان، كانت وفاة أشهر شاعر إسباني تعتبر من المحرمات - حتى أوضح الإسباني إيان جيبسون تلك الظروف بدراسات خاصة لسيرته الذاتية العظيمة. في 14 يوليو 1936، حين وصل لوركا إلى منزل والديه في هويرتا دي سان فيسنتي. تم تفتيش المنزل عدة مرات من أجل تعقب زملائه الجمهوريين. لوركا تعرض لسوء المعاملة. لجأ إلى منزل صديق شاعر بالقرب من مكتب المحافظ. تم اعتقاله وإطلاق النار عليه مع عدد من الجمهوريين بالقرب من غرناطة ودفن في الميدان. لم يتم العثور على الجثة حتى يومنا هذا.
*كاتب وصحفي ألماني.