النظرية في الممارسة السياسية .. المغرب نموذجا


أحمد زوبدي
2023 / 6 / 8 - 02:37     

1) جدلية الفكر والواقع/

النظرية تستمد أصولها من الواقع ومن قدرة الفكر على إنتاج المعرفة. عالم السياسة يتوفر على الإطار المعرفي العام. لكن حين يتعلق الأمر بمعالجة حالة معينة، فهذا يتطلب إنتاج المعرفة لقراءة الواقع، موضوع البحث شريطة أن يستوفي هذا الواقع لشروط العملية البحثية أي حين تكون بنية الدولة وخصوصا البنية السياسية قادرة على استيعاب النظرية النموذج لتكييفها مع هذه الوضعية الخاصة ثم القيام بإنتاج واكتشاف الأدوات العلمية أو ما يعرف بكونية الخصوصية، على حد تعبير غرامشي العرب الشهيد مهدي عامل. حالة المغرب في هذا الباب تبدو مستعصية للغاية. كيف يمكن مثلا قراءة ظواهر معينة غير مفهومة ؟ هناك مساهمات جديرة بالاهتمام في هذا الشأن لكن لا تعكس الواقع ! الطريقة التي تتشكل بها الحكومة، صعود أحزاب من لا شيء بل وحصدها لقسط وافر من الأصوات كما هو الحال بالنسبة لحزب الأصالة والمعاصرة، حزب القصر، أو حالة بعض الأحزاب الإدارية التي انطفأت مثل جبهة القوى الديموقراطية، والحزب الوطني الديمقراطي. أمثلة أخرى تتجلى في صعود أميين يملؤون الساحة السياسية. وزير متهم بالسرقة ومازال في الحكومة، رئيس البرلمان متهم في ملف فساد لكن مازال مكلفا بتسيير المؤسسة التشريعية. النظرية العامة لا تسعف لقراءة هذا الواقع الشاذ ولهذا لا بد من إيجاد أدوات لتملك الظواهر الفريدة.

2) فن الشعوذة في السياسة/

حين تفشل السياسة ولو في نظام غير ديموقراطي في تصريف أمورها، فهذا يعني أنها سرقت من تحت بساطها المادة الأولى أي الحد الأدني في التواصل السياسي ولو في شكله الفوقي. تخرج السياسة إذن عن المألوف و تتبرأ من شكلها الطبيعي لترى نفسها في كف يد خفية لا يدري الإنسان المتتبع عن كتب للشأن السياسي هل هو أمام فرقاء سياسيين يتداولون منتوج سياسي ولو في شكله الخارجي أو أن الشأن السياسي تم ذوبانه في أمكنة غير مرئية. الشيء الذي أعرفه هو أن السياسة تمارس من خلال سياسيين يتقنون على الأقل الأبجديات النظرية الضرورية كما هو معروف لدى جورج بوليتزر أو كتب أخرى موجهة للسياسيين والنقابيين البرولتاريين وللطبقة العاملة لأجل تأطيرها وتنظيمها. لكن حين يدخل أناس بلداء بل مشعوذون يمارسون السياسة وهم يوهمون أنفسهم أنهم كذلك ومن جهة أخرى أنهم يوظفون كجوكيرات تم يتم الزج بهم خارج حلبة الصراع و يصبحون دمى يبرقون في أعينهم، فهذا ينم عن أن السياسة في بلد كالمغرب لا يحترم فيها الحد الأدنى من التواصل السياسي، على تعبير هابرماس، وبالتالي قد أصبحت في كف عفريت و تمت إذن شيطنتها وراحت غير صالحة لا للزمان ولا للمكان. عمليا السياسة سرقت لهدف سرقة ونهب خيرات البلاد.

3) بؤس السياسة /

في الغرب وخصوصا في أوربا التي ترعرعت فيها حقوق الإنسان و دولة الحق والقانون حين تعرف السياسة منعرجات خطيرة تصبح فيها المنجزات مهددة. هنا، في هذه اللحظة، يتحرك المثقف الرسولي والمثقف النقدي والمثقف المناضل بشكل صارم، يخرج إلى الشارع منددا بالسياسيين الخونة وباليساريين المتخاذلين. يتوقف النزيف و تنطلق موجة عارمة من الإحتجاجات بشكل متواصل لإيقاف سياسة العربدة والضحك على الذقون. لكن عندنا، حين تملصت الأحزاب والنقابات المصنفة يسارا من مهمتها التاريخية وأصبح يسيرها سماسرة والدليل تواطؤها في واضحة النهار في ما يخص الإصلاح المشؤوم للتقاعد، على سبيل المثال لا الحصر، وهي ضربة قاضية للشغيلة وللوظيفة العمومية، فقد بقيت الساحة شاغرة أي شاغرة من قائدها الشرعي أي المثقف العضوي. لم يقم المثقف بواجبه كما يملي عليه ذلك الضمير بل الواجب ، بل بقي صامتا، جالسا في مكانه تاركا الساحة لمشعوذي السياسة. هذا المثقف المتخاذل منه المثقف المزيف والمثقف المهاذن والمثقف الانتهازي. في بلد لم ينتج المثقف الرسولي ليقول الحقيقة ويفضح سياسة البفتيك، فأكيد أن مستقبله لا زال مطوقا بكل أشكال الإستبداد والظلم والإستعباد والجهل وكل مؤشرات التخلف.