باكونين ولاغو ماجيوري

جان كريستوف أنغو
2023 / 6 / 6 - 22:53     

جان كريستوف أنغو

نشر المقال باللغة الفرنسية في مدونة الكاتب بتاريخ 5 شباط/فبراير عام 2015



مؤخراً، أرسلت لي صديقة سؤالاً (من جانب والدها): يبدو أن أغنية لاغو ماجيوري، التي يؤديها مور شومان، تحتوي على إشارة إلى باكونين، ولكن هذا الأمر ليس واضحاً جداً… عندها، تفاجأت قليلاً، من دون شك لأنني لم يكن لدي سوى ذاكرة بعيدة جداً عما كانت بالنسبة لي أغنية من النوع الرومنسي من سنوات السبعينيات، ومن ثم لأنه وبعد استماعي للأغنية من جديد، فإن الإشارة في الحقيقة، لا تبدو واضحة. لذلك بحثت قليلاً عن الموضوع- كما فعل والد صديقتي- ووجدت أن الأغنية قد كتب كلماتها إتيان رودا-جيل، وتلك كانت البداية.

في الواقع، هذا الأخير هو بشكل ما واحد منا. ابن عائلة أناركية اسبانية، كان نفسه مناضلاً تحررياً في شبابه، قبل أن يصبح الشاعر الذي نعرفه. طوال الوقت، كتب أشهر الأغاني الأناركية في العقود الأخيرة، تكريماً للانتفاضة الماخنوفية في أوكرانيا خلال الحرب الأهلية [الروسية] بين عامي 1918-1921، بعنوان ماخنوفتشينا (كلماتها معادية لكل من الجيوش البيضاء والبلاشفة)، وقد وردت كذلك في الألبوم الذي أعده جاك لو غلو عام 1974، بعنوان من أجل الانتهاء من العمل (يمكن الاستماع إليه هنا) وقد أعاد الكثيرون غناءها، خاصة سيرج أوتغي-رويو ورينيه بينامي.

من ناحية أخرى، هناك بالفعل صلة ما بين باكونين ولاغو ماجيوري، حيث أقام الثوري الروسي على ضفافها بين عامي 1869 و1874، بداية في لوكارنو (حين غادر جنيف التي عاش فيها منذ عام 1867، حيث استقر فيها بعد مؤتمر بازل للأممية)، ومن ثم، من عام 1873 استقر في لا باروناتا، قصر اشتراه صديقه ورفيقه كارلو كافيرو. الأخير، المنحدر من عائلة من البرجوازية الكبيرة، أدار ظهره لمصيره الاجتماعي وكرّس إرثه لتمويل القضية (كان هو الذي كتب ملخص رأس المال لكارل ماركس الرائع الذي أعاد نشره دار الكلب الأحمر- Éditions du Chien Rouge عام 2008، المرتبطة بالمجلة الأسبوعية CQFD [ما يجب تدميره]- والمترجمة في هذه المدونة إلى العربية). كانت الفكرة وقتها هي الحصول على مكان، قريب من الحدود الإيطالية-السويسرية (في كانتون توسين الإيطالي)، حيث يستقر فيه الثوار وفي الوقت عينه يتمتع المكان باستقلالية بفضل زراعة الأرض المحيطة بالقصر. ولكن التجربة انتهت بسرعة، وابتلع المشروع الضخم إرث كافيرو الفقير [الذي بات وقتها كذلك]، أثبت باكونين أنه مدير سيء في هذه التجربة (مثلاً، رأى أن استعمال الأسمدة القوية يمكن أن يضاعف الانتاج، والنتيجة كانت بإحراق كل المحصول). كما أدى ذلك إلى نشوب خلاف بين باكونين وكافيرو وجرى التخلي عن المشروع. أخيراً في لوغانو ليس بعيداً من هناك، أمضى باكونين المريض، آخر سنتين من حياته.

بذلك، لدينا شاعر من الحركة الأناركية ويكتب أغنية عن لاغو ماجيوري، حيث عاش باكونين طيلة 5 سنوات. ولكن المراجعة لم تحل اللغز بعد. لذلك علينا الآن الانتقال إلى كلمات الأغنية، التي كما هي عادة أغلب أغاني رودا-جيل لا تتضمن معنى واضحاً بشكل تام (أعتقد أنني أتذكر أن جوليان كليرك، الذي كان كاتب أغنيات، قد ذكر مرة أنه قد أعاد إصدار أغانيه [رودا جيل] دون فهم أي شيء مما كان يغنيه). ماذا تقول لنا أغنية لاغو ماجيوري؟

إنها تثلج على لاغو ماجيوري

الطيور تبكي

والنبيذ الإيطالي المسكين

ارتدت [البحيرة] قش العدم…

الأطفال يصرخون بسعادة

ينشرون الرعب

بانزلاقهم وتراشقهم

إنه عصرهم وزمنهم

لقد نسيت كل شيء عن السعادة

إنها تثلج على لاغو ماجيوري

لقد نسيت كل شيء عن السعادة

إنها تثلج على لاغو ماجيوري

***

هؤلاء هم المصارعون الجدد

يقولون إن السيرك يموت

والدم الإيطالي المسكين

يسيل كثيراً مقابل العدم…

إنها تثلج على لاغو ماجيوري

الطيور تبكي

أسمع صوتاً كالمحرك

إنه قارب الساعة الخامسة

لقد نسيت كل شيء عن السعادة

إنها تثلج على لاغو ماجيوري

لقد نسيت كل شيء عن السعادة

إنها تثلج على لاغو ماجيوري

بذلك هل أكون قد حليت اللغز؟ عندما نبحث نجد القليل، نجده أحياناً وارداً (خاصة هنا عند إيلين هازيرا) واقع أن الأغنية تلمح إلى “حكاية شهيرة من حياة باكونين”. وتحديداً، واحدة من النسخ الخيالية للحكاية الشهيرة المقصودة. في كتاب بالإنكليزية عن مور شومان وجدته بعد إجراء بحث صغير (Graham Vickers, Pomus & Shuman: Hitmakers Together and Apart)، وجدت التوضيح التالي، الذي يأتي من مور شومان نفسه: “بكل تأكيد، لا يمكن لأي شخص أن يعود إلى البذرة الأساسية لإلهام أغنية رودا-جيل، بحسب مور، إنها تتعلق بحكاية عن باكونين، الذي سرق كل العائدات التي جمعها من أجل عقد مؤتمر الحزب في موسكو وأخذها مع زوجته إلى شواطئ لاغو ماجيوري حيث أقام عرضاً كبيراً للأسهم النارية تكريماً لها، هذا ما قصده رودا-جيل في كلامه عن صورة تساقط على المياه”. القصة المنسوبة إلى مور شومان تحتوي على الكثير من الأخطاء ما تعرضها إلى فقدان مصداقيتها: لم يحصل أن انعقد مؤتمر حزبي، ناهيك في موسكو، وبالتالي لم تجمع التبرعات له والتي يدعي أن باكونين قد سرقها- والأخير ليس بحاجة إلى اصطحاب زوجته إلى أي مكان لأنهما عاشا معاً هناك طوال 5 سنوات. مع ذلك، إن القصة لها أساس في الواقع، وليس مستحيلاً أن يعثر من يفسّرها على بعض المعلومات التي يوردها كاتب الأغنية.

حكاية الأسهم النارية صحيحة: فقد أطلق صديقه سيلسو سيروتي واحدة، تكريماً لعودة زوجته وأولادهما ووالده بعد عودتها من إيطاليا. أورد جايمس غيوم في كتابه ( L’Internationale. Documents et souvenirs, tome III, 5ème partie, ch. 8)، ووفق دفاتر باكونين، سيكون لدينا التاريخ الدقيق لإطلاق الألعاب النارية يوم 13 تموز/يوليو 1874 (ومن المحتمل أن رودا-جيل قد حصل على هذه الحكاية من هذا الكتاب، سواء مباشرة أو غير مباشرة). إليكم ما كتبه باكونين عن ليلة 13 تموز/يوليو: “الاثنين 13، وصلت أنطوني[أنطونينا]، التي التقاها [أرمان] روس في ميلان، وكانت قد انطلقت أمس الأحد من هناك، مع كل العائلة، والدي والأطفال. وصلت عند الساعة 11 والنصف، كنت مسروراً. المساء أضيء بالألعاب النارية التي أحضرها سيروتي. في وقت متأخر من المساء وصل كارلو كافيرو”.

القصة ليست سوى حكاية إضافية عن حياة باكونين، نشبت على خلفية كارثة باروناتا وعلاقة باكونين مع كافيرو، التي تدهورت تحديداً في تلك الأيام من تموز/يوليو 1874- من دون أن نعرف ما إذا كانت واقعة إطلاق الألعاب النارية، التي ندرك أنها وسيلة ترفيهية باهظة الثمن، ويمكن أن تكون قد لعبت دوراً في تنامي ذلك الشعور عند كافيرو لأن الأموال المخصصة للنضال الثوري قد استخدمت بشكل سيء جداً من خلال استثمارها في قصر الباروناتا (دعونا نتخيل [شعوره]، على سبيل المثال، هو الذي لا يستسيغ الألعاب النارية، حين وصل إلى قصر الباروناتا مع المال والسلاح والديناميت من أجل الانتفاضة الآتية). سأترك أمر متابعة قراءة القصة، كما كتب عنها غيوم في رابط الكتاب الذي أوردته أعلاه، وأعود إلى الأغنية…

هل من الممكن، بواسطة هذه العناصر القليلة، تفسير شيء آخر غير تساقط الثلوج على البحيرة، وربما القصف كذلك؟ هذا بالفعل ليس سيئاً جداً لأنه، كما جاء في كتاب ج. فيكرز المذكور أعلاه، من الصعب معرفة من كان يمكن أن يدرك التلميح إلى باكونين من هذه الصور [الشعرية]. ولكن يمكننا محاولة الذهاب أبعد من ذلك، مثلاً، يمكن اعتبار أن الأولاد الذين يبكون بسعادة هم الذين رافقوا أنطونيا العائدة من إيطاليا (الأولاد يحملون اسم باكونين، ولكنهم كانوا أبناء أنطونيا من حبيبها النابولاني السابق كارلو غامبوزي). ولكنها قد تكون إشارة إلى الأطفال في قصيدة ورقة الكتابة- Page d’écriture للشاعر بريفير، وهم يحيّون طيور القيثارة في السماء، التي هي من أستراليا، ولكنه لا يخبرنا ماذا تفعل هذه الطيور الأسترالية في أغنية عن لاغو ماجيرو… أما بالنسبة إلى الدم الإيطالي المسكين الذي يسيل دون جدوى، لماذا لا تكون عن دماء الثوار الإيطاليين، رفاق باكونين، المستعدين، في لحظة إطلاق المفرقعات، لإطلاق حركة تمردية في شبه الجزيرة [إيطاليا]- حركة أدت أخيراً إلى الصوت الشهير للمفرقعات المبللة (ولكن التي حاول باكونين المشاركة فيها، آملاً، وسط كارثة قصر الباروناتا، أن يلقى موته على المتاريس). لكن بما أن الأغنية قد كتبت في بداية السبعينيات، فلماذا لا نرى في الأغنية إشارة إلى الحركات الإيطالية في تلك الحقبة؟

ولكن كما رأينا، عندما نبدأ بالتفسير، فإننا سرعان ما ننقاد إلى إجراء مقارنات ربما [تكون] عشوائية، وقد يكون الهدف من الأغاني التي كتبها إيتيان رودا-جيل، التي تبدو أنها قائمة على روابط مختلفة، ليس سوى إثارة في المستمع ما يوازيها شعرياً…