50 عاما من النضال في مواجهة الدكتاتوريات في الفلبين


رشيد غويلب
2023 / 6 / 6 - 01:00     

تسعى هذه المساهمة التعريف بجانب مهم من نضال قوى اليسار في الفلبين الذي يلعب الشيوعيون دورا محوريا فيه. ومن المعروف أن وسائل الاعلام المهيمنة عالميا واقليما تدفع بالأوضاع الملتهبة في عدد من البلدان إلى زاوية النسيان، إذا كان ما يحدث، لا يشكل جزءا من أولوياتها واهتمامات مراكز القرار الرأسمالية. ولقد تلمسنا هذه الحقيقة في العراق، وفي مناسبات عدة.

تقع الفلبين في جنوب شرق آسيا، غرب المحيط الهادي. ونظامها السياسي جمهوري دستوري شكلا، لكن نظامها السياسي يتميز بهيمنة عوائل وسلالات سياسية على الحياة السياسية والاقتصادية. ويشغل أبناء هذه السلالات 70 في المائة على الأقل من المقاعد البرلمانية. والبلاد عبارة عن أرخبيل مكون من7,641 جزيرة. يبلغ عدد سكانها 100 مليون نسمة منهم أكثر من 11 مليون يعيشون في المهجر، ومجتمعها متنوع عرقيا وثقافيا.

قتل الشيوعيين
الحزب الشيوعي الذي ترد الإشارة إليه، أعيد تأسيسه عام 1968، او ينحدر من تيارات ماوية سابقة، وهو القوى الرئيسية في الجبهة الديمقراطية الوطنية، التي تقود منذ 50 عاما الكفاح المسلح ضد الدكتاتوريات وضد الاقطاع المهمين في البلاد. وهناك أيضا الحزب “الشيوعي الفلبيني 1930”، الذي تأسس في 7 تشرين الثاني 1930، وهو مستمر في الوجود، لكن تأثيره السياسي غير منظور. ويجري الحاق سنة التأسيس بالاسم للتفريق بين التنظيمين. في 20 نيسان الفائت، تم الإعلان عن تعرض عشرة أعضاء من “الجبهة الديمقراطية الوطنية الفلبينية”، للتعذيب حتى الموت، على أيدي القوات الحكومية. وقال جهاز الأمن: “نرحب بتأكيد الحزب الشيوعي الفلبيني، والجبهة الديمقراطية الوطنية وجناحها العسكري وفاة كبار القادة الإرهابيين بينيتو تيامزون وويلما أوستريا تيامزون في آب 2022. كان بينيتو تيامزون رئيسًا للجنة التنفيذية لحزب الشيوعي الفلبيني. وكانت ويلما تيامزون السكرتيرة العامة للحزب. جاء ذلك في بيان للمدير العام لمجلس الأمن القومي ومستشار الأمن القومي إدواردو م. آنيو، وزعته وكالة الأنباء الفلبينية في 20 نيسان. وبعد نشر البيان عبر نشطاء في مجال حقوق الانسان عن غضبهم الشديد من ممارسات السلطة المستبدة. وكانت الجريدة المركزية للشيوعي الفلبيني، قد أعلنت في عدد خاص، في 21 آب، عن استشهاد القياديين الشيوعيين ورفاقهما. وقالت الجريدة، ان المغدورين كانوا يستقلون سيارتين، ولا يحملون اسلحة في مدينة كاتبالوغان بجزيرة سمر الشرقية ظهر يوم 21 آب، عندما اعترضتهم قوات حكومية طريقهم واعتقلتهم. وأفاد شهود عيان أن وجوه المعتقلين وأجسادهم تعرضت للكسر والضرب بآلات صلبة. ثم وضعت جثث الضحايا على متن زورق بخاري مليء بالمتفجرات في 22 آب، كان في طريقه إلى جزيرة تارانغنان قبل أن يتم تفجيره في منتصف الطريق.

وقال آنيو، الذي كان أيضًا رئيس أركان القوات المسلحة، “مع وفاة مؤسس الحزب الشيوعي الفليبيني خوسيه ماريا سيسون في كانون الأول الفائت، أصبحت الجماعة الإرهابية الشيوعية الآن مقطوعة الرأس وتفتقر إلى قيادة وطنية واضحة”.

الجبهة الديمقراطية الوطنية
عندما أعلن الدكتاتور الأسبق فرديناند ماركوس الأب الأحكام العرفية في جميع أنحاء الفلبين في 21 ايلول 1972، برر ذلك، ضمن حجج أخرى، بمواجهة خطر “التخريب الشيوعي”. كان المقصود جيش الشعب الجديد، الذي ظهر في نهاية اذار 1969 بمبادرة من الحزب الشيوعي الفلبيني، الذي كان اعيد تأسيسه قبل ذلك بثلاثة أشهر فقط. ومن أجل تعزيز مقاومة نظام الأحكام العرفية، أسست المنظمتان في 24 أنيسان 1973، الجبهة الديمقراطية الوطنية الفلبينية، التي أعلنت ان هدفها النهائي هو إنشاء جمهورية ديمقراطية شعبية عبر “نضال طويل الأمد ضد الإمبريالية والإقطاع والفاشية”.

والجبهة الديمقراطية الوطنية للفلبين هي تحالف يضم حاليًا 18 منظمة تم تشكيلها اثناء العمل السري. وهذه منظمات تمثل الشبيبة والنساء والعمال والمزارعين والصيادين والفنانين والعاملين في المجال الثقافي والمهن الطبية وغيرها. ولا يزال الحزب الشيوعي يحدد توجهاتها السياسية والفكرية حتى الآن. ومن بين المنظمات الأعضاء الأوائل أيضا الشبيبة الوطنية، والمسيحيون من أجل التحرير الوطني، والمنظمة النسائية الثورية (“الحركة المحررة للمرأة الجديدة. لقد كانت الجبهة الوطنية القوة الرئيسية في المقاومة (المسلحة) ضد نظام فرديناند ماركوس الأب (1966-1986). وبعد سقوطه في أواخر شباط 1986، تم نقل ماركوس وعائلته والمقربين منه إلى من قبل القوات الجوية الأمريكية إلى هاواي، حيث توفي بعد ثلاث سنوات. في تشرين الثاني 1977، نشرت الجبهة برنامجها المكون من عشر نقاط، ثم اضافت له نقطتين. والهدف النهائي هو إنشاء جمهورية الفلبين الديمقراطية الشعبية، اعتمادا على رؤية ماو تسي تونغ، في الحرب طويلة الأمد، التي تنطلق من الريف وتحاصر المدن ثم تستولي عليها. تشمل الأهداف الدنيا، التي يجري متابعتها وتنفيذها بالفعل في العديد من الأماكن في المناطق النائية: تخفيض ضرائب الحصاد المفروضة من قبل كبار ملاك الأراضي، إلغاء أو تخفيض أسعار فوائد الربا، وتوفير الخدمات الصحية الأساسية لسكان الريف، وتنظيم منظمات جماعية، لمقاومة الميلشيات اليمينية المسلحة.

حتى سقوط ديكتاتورية ماركوس الأب، اعتبرت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) جيش الشعب الجديد، الذي كان يضم قرابة 30 ألف مقاتل حينها، أكثر حركة كفاح مسلح نموًا في العالم. وعلى الرغم من هذه النجاحات، أو ربما بسببها، فقد تعززت النزعة العسكرية لدى قيادة الحزب الشيوعي الفلبيني السابقة، التي القت مسؤولية الانتكاسات المؤقتة على “العملاء المندسين”. لقد لقي أكثر من ألف رفيق حتفهم في عمليات “التطهير الحزبي “، ومثل ذلك أحلك فصل في تاريخ الحزب. ومنذ عام 1992 / 1993 بدأت حركة تصحيحية داخل الحزب، انشقت على إثرها الحركة الثورية إلى معسكرين متصارعين، أحدهما تمسك بخيار الكفاح المسلح، والأخر رفض هذا المفهوم باعتباره من مخلفات الماضي، وترك أنصاره صفوف الحزب بأعداد كبيرة، متجهين إلى العمل البرلماني، وانخرطوا في صفوف المنظمات غير الحكومية. منذ أواخر السبعينات، افتتحت الجبهة مكتب العلاقات الدولية في مدينة أوتريخت بهولندا، حيث يتواجد تجمع من لاجئي اليسار الفلبيني. وكان ما يسمى بمجلس مكافحة الإرهاب التابع للحكومة الفلبينية، الذي يديره ضباط جيش وشرطة مخضرمون، قد اعتبر في صيف 2021، قادة الجبهة واعضاءها ومؤيديها إرهابيين.

سقوط ماركوس الأب
باستثناء فيتنام ولاوس وكمبوديا، اختفت الأحزاب الشيوعية التي كانت قوية في جنوب شرق اسيا، كإندونيسيا وماليزيا وتايلاند، أو تم تحجيمها. لا تزال الفلبين الدولة الوحيدة في المنطقة التي يتحدى فيها، الشيوعيون الحكومة المركزية منذ أكثر من نصف قرن. يغذي هذا التحدي، أوضاعا اجتماعية صارخة وفقر متفش وبؤس اقتصادي بالإضافة إلى المصالح المستمرة لأصحاب الإقطاعيات الكبيرة، الذين طالما هيمنوا على السلطة بواسطة شبكة من السلالات السياسية العائلية المؤثرة، والتي في سبيل الحفاظ على سلطتها، تحتفظ بعلاقة متينة مع القوة الاستعمارية السابقة الولايات المتحدة الأمريكية (1898-1946). بعد سقوط ديكتاتورية ماركوس الأب، على إثر انتفاضة شعبية، في نهاية شباط 1986، جرت الجولة الأولى من المفاوضات بين مانيلا وقيادة الجبهة الديمقراطية الوطنية في عهد رئيسة الجمهورية الجديدة كورازون سي أكينو.

وبعد ان شهدت المفاوضات صعودا وهبوطا وانقطاعات قصيرة، ألقى خلالها الطرفان باللوم على بعضهما البعض، وبحلول عام 1998 عقدت الاجتماعات بشكل رئيسي في هولندا وتم التوقيع على اتفاقيتين تاريخيتين: الاتفاقية المشتركة بشأن ضمانات الأمن والحصانة والاتفاقية الشاملة حول حقوق الإنسان والقانون الدولي. ومنذ ربيع 2004، تجري مفاوضات مستمرة برعاية وزارة الخارجية النرويجية، في أوسلو. وتم الاتفاق فيها، على صياغة اتفاق شامل حول الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية ومعالجة قضية الإصلاحات السياسية والدستورية. انهارت المفاوضات الواعدة عندما استجابت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى لضغط حكومة جلوريا ماكاباجال أرويو (2001-2010)، ووصفت كل من الحزب الشيوعي والجيش الشعبي الجديد وخوسيه ماريا سيسون، الرئيس المؤسس للحزب. وكبير المستشارين السياسيين للجبهة الديمقراطية الوطنية، بـ “إرهابيين ً”. توفي سيسون يوم 16 كانون الأول الفائت عن عمر يناهز 83 عامًا في مدينة أوتريخت بهولندا.

وعندما تولى الدكتاتور السابق رودريغو دوتيرتي منصبه في صيف عام 2016، بدا أن كل شيء فجأة وكأنه يتحول نحو الأفضل. تحدث دوتيرتي باعتباره “أول رئيس اشتراكي” لجمهورية الجزيرة، عن دفن الأحقاد أخيرًا مع الجبهة الديمقراطية الوطنية، وان مؤسس الحزب الشيوعي سيسون معلما للسياسة في مانيلا. وبقدر ما كانت الجولة الأولى من المفاوضات في أوسلو في آب 2016 مفعمة بالبهجة، توقفت المحادثات بشكل مفاجئ في الربيع التالي. ألغت الحكومة الجولة الخامسة من المفاوضات الرسمية التي كانت ستجري في منتجع ساحلي هولندي، والتي تم الإعلان عنها بالفعل في نهاية ايار 2017. وحتى قبل التوقيع على نقاط التفاوض، ضغط وفد الحكومة فجأة من أجل اتفاق مفتوح لوقف إطلاق النار. واتهم دوتيرتي شخصيا الحزب الشيوعي بمهاجمة وقتل جنوده.

وبتوقيعه المرسومين 360 و374 على التوالي في 23 تشرين الثاني و5 كانون الأول 2017، قلب دوتيرتي الطاولة وأنهى المفاوضات بالكامل. وليس هناك ما يشير الآن لاستئنافها. وبدلاً من ذلك، صنفت مانيلا الآن “المتعاطفين والمؤيدين والممولين” للجبهة الديمقراطية الوطنية، بما في ذلك رئيس وفدها منذ فترة طويلة في محادثات السلام وممثلها الدولي لويس جالاندوني، “إرهابيون” ايضا.

الانتفاضة وتداعياتها
الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بماركوس الأب نتاج سنوات من التنظيم اليساري، على الرغم من احتوائها السياسيين التقليدين لنتائجها. وبالتالي أدى ذلك إلى ترسيخ حكم الأوليغارشية على الرغم من محاولات الانقلاب من قبل قادة عسكريين ساخطين. لقد تم ابعاد أنصار ماركوس الأب من مواقع السلطة، واحتل مواقعهم التكنوقراط القدامى والمسؤولون التنفيذيون المدعومون من الشركات في الداخل.

لم تتجاوز العملية ابدال وجوه وموظفين. وبعد عهد أكينو، عززت رئاسة فيدل راموس (1992-1998 الهيمنة الدائمة للقوى التي دعمت ماركوس ذات يوم: كتلة ملاك الأراضي الإقطاعيين، الكومبرادور، المتعصبين الدينيين الذين شجعهم عملاء الولايات المتحدة الإنجيليون، والرجعيون البيروقراطيون الرأسماليون. دوتيرتي نفسه هو صورة لماركوس، لكن بدون الشرعية المزعومة للأخير.

لقد كان رجل عصابات، عراب زائف شعبوي لبيئته المحلية، تدرب على عنف أمراء الحرب.

وفي ظل غياب برنامج سياسي حقيقي، اعتمد دوتيرتي على شرعيته الخاصة وادواتها والرشوة والتهديدات والتأثير على ضباط الجيش والشرطة.

تحولات اقتصادية – اجتماعية
ظل الاقتصاد استهلاكيا، حتى في العقود التي أعقبت الانتفاضة. وظلت البلاد متخلفة، وتفتقر إلى صناعة كبيرة قابلة للحياة. واعتمد الاقتصاد على استغلال العمالة البشرية والموارد الطبيعية من قبل النخب الأجنبية والمحلية. وبقيت الفليبين بلدا طرفيا هامشيًا للرأسمالية المالية العالمية.

لقد عزز نظام التعليم والمؤسسات الدينية المختلفة، دور علاقات العائلة والقرابة، باعتبارها قاعدة اجتماعية محافظة رئيسية، تحافظ على الإنتاج الاستعماري الجديد للسلع والخدمات، والرؤية الدينية المحافظة التي تعتمد الأوهام وتحقيق الرغبات.

لكن ليس كل شيء يبدو مستقرًا ودائمًا.

بدأ عنصر جديد في اقتصاد البلاد السياسي، نتج عن سياسات ماركوس الأب في تصدير العمالة، في موازنة بين السياسات الوطنية والعابرة للحدود. هناك أكثر من اثني عشر مليون فلبيني يعملون في جميع أنحاء العالم.

لقد أصبحت تحويلاتهم الخارجية حاسمة في تخفيف الديون الخارجية، وتقليل الكثافة السكانية، والتشرد، والبطالة، والعزلة.

لكن هذه الفئة الجديدة من العمال، التي اكثرها من النساء، تنطوي على إمكانية التعبئة ضد الأوليغارشية، ولهذا السبب يحاول معسكر الحاكمين السيطرة عليه.

حكومة دوتيرتي قراءة اجتماعية
لقد ورث دوتيرتي هيكل حكم استبدادي على غرار نموذج ماركوس الأب واستند إلى الهيئات القسرية للدولة، الشرطة والقوات المسلحة. والاستناد إلى نموذج العميل - الراعي، الذي يديره تحالف موروث من كبار مالكي الأراضي، والكومبرادور، والبيروقراطيين. بالإضافة إلى معاناة البلاد المستمرة من آثار 300 عام من الاستعمار الإسباني وأكثر من 100 عام من الوصاية الأمريكية. لذلك فإن مصطلح “ما بعد الاستعمار” غير مناسب أو ذريعة لاستمرار التبعية والتهميش.

اليسار الإشكالات والطموح
يمثل تنفيذ سياسة الجبهة الموحدة، أو مبادئ معسكر القوى الوطنية الديمقراطية مشكلة.

هذه عقبة قديمة منذ انتفاضة هوك في خمسينات القرن العشرين ضد الاستعمار الياباني والحكومة الفلبينية، التي تميزت بنزعتها المغامرة والعقائدية المتعصبة، والتي ارتبطت بتعقيدات حرب المحيط الهادئ خلال الحرب العالمية الثانية.

لا سيما في دولة ذات أغلبية كاثوليكية، وبالتالي هناك حاجة إلى إعادة دراسة ديالكتيك غرامشي عن حرب الحركة وحرب المواقع وتكييفه بعناية مع التكوين الاجتماعي الفريد في الفلبين. ولا ينبغي أن يكون الدين أو تجلياته في الإيمان بمستقبل سعيد على يد المخلص “عودة يسوع المسيح” مشكلة في الحالة الفلبينية، وهذا ما عكسته حركة لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية. لقد شهدت الفلبين نسخة أصلية مزدهرة حقًا من لاهوت التحرير في سبعينات وثمانينات القرن العشرين، حتى قام الفاتيكان بقضمها في مهدها، وعلى الرغم من أن البابا الحالي فرنسيس قد أحياها بطريقته الفريدة كما يبدو. لكن الأشكال المحافظة والرجعية للطائفية التي أسسها الإنجيليون الأمريكيون بمباركة من وكالة المخابرات المركزية والبنتاغون خلال عهد كوري أكوينوس (1986-1992)، لمواجهة الجبهة الديمقراطية الوطنية يمكن أن تشكل مشكلة للمسيحيين الناشطين في حركة التحرير الوطني.

يوجد في الفلبين العديد من المؤيدين الديمقراطيين التقدميين في الكنيسة والجماعات الدينية الأخرى، بما في ذلك الجماعات الإسلامية والسكان الأصليون، وجميعهم ناشطون لتحقيق الأهداف الديمقراطية الوطنية.

في أعقاب إرهاب دوتيرتي وتهديد خلفه ماركوس الأبن، يمكن أن تظهر جبهة موحدة من مجموعات مختلفة. قد يكسب القمع والتهديد والمال السياسي أصواتا في الحملات الانتخابية، لكنه في النهاية لا يخلق قناعات سياسية

يمثل الوعي جوهر الاصطفافات الاجتماعية الضرورية للتغيير، وبدونه تظل العميات الانتخابية إلى حين سلاحا بيد السلطات المستبدة، حتى وان تبدلت اشكالها وشخوصها. هذا ما أكدته الانتخابات الرئاسية الاخيرة في الفلبين، اذ تمخضت عن فوز ماركوس الأبن، بعد ان فشلت المحاولات الديمقراطية الهشة، ونجحت القاعدة الاجتماعية للنظام المهيمن في خلق حالة من الحنين إلى الدكتاتورية. إن خلق وعي التغيير في حالة الفلبين يتطلب معالجه أنماط الإنتاج المختلطة والمتضاربة التي تشكل التكوين الاجتماعي الفريد للفلبين. وبالطبع فان “الإقطاعي” مصطلح عام في الخطاب السياسي-الاجتماعي، وهناك حاجة إلى وضعه في سياقه التاريخي في الفلبين.

يتمثل أحد جوانب تأثير الإقطاع في الفلبين في افتقار الأكثرية إلى الوعي بالعنصرية: إيديولوجية تفوق العرق الأبيض وممارسات الاستعمار الأمريكي التي عززت الاستراتيجية الإسبانية الأوروبية القائمة على تقسيم الجماعات على أسس عرقية وإنشاء تسلسل هرمي للسلطة.

إن الأساليب التي تم من خلالها إضفاء الطابع المؤسسي على أيديولوجية وممارسات التفوق الأبيض في الولايات المتحدة بين الفلبينيين تحتاج إلى تحليل وتقييم شامل. تربى الفلبينيون، في الداخل والخارج، على ان يتصالحوا مع القانون الأبيض للمعايير العرقية، لذلك يواصل معظم الفلبينيين في الولايات المتحدة دعم ترامب وسياساته العنصرية القاسية. إنهم لا يرون أنفسهم ضحايا للهيمنة الإمبريالية الأمريكية، بل إنهم ممتنون للتسامح معهم أو قبولهم كجزء من الإجماع المهيمن لأنهم يرون أنفسهم أفرادًا وليسوا مجموعة مضطهدة تتم مكافأتهم على جهودهم في التكيف.

وبالتالي هناك حاجة إلى عصر جديد من التنوير، ورؤية تربوية مناسبة وكذلك القضاء على الإرث السام للإقطاع ومتغيراته. وهو فايروس أسوأ من كورونا 2، تتم تغذيته بالرعاية والصدقة الإمبرياليتين.

***

اعدت هذه المادة استنادا إلى مجموعة من المقالات نشرت خلال العام في جريدة “اليونغه فيلت” (العالم الشاب) الألمانية.

والتحليلات الواردة فبها مأخوذة من حوار يعود إلى نيسان 2022، أجرته الجريدة مع إبيفانيو سان خوان جونيور: مثقف فلبيني أمريكي متعدد الاهتمامات والتخصصات.

مديرًا لمركز الدراسات الثقافية الفلبيني في ستورز، كونيتيكت (الولايات المتحدة الأمريكية)، له العديد من المؤلفات منها:” الإمبريالية الأمريكية والثورة في الفلبين” و “نحو تقرير المصير الفلبيني” و “من العولمة إلى التحرير الوطني”.