قراءات - عرض كتاب


الطاهر المعز
2023 / 6 / 5 - 14:21     

عرض كتاب بعنوان "الحرب والإمبراطورية: طريقة الحياة الأمريكية"

تأليف بول إل أتوود

War and Empire: The American Way of Life

Paul L. Atwood

الطاهر المعز

استوحى المؤلف هذا الكتاب من حياته كمُدَرّس جامعي اكتشَفَ على مدى سنوات عديدة جَهْل طُلاّب الجامعة بالتاريخ الأمريكي وبتاريخ الشعوب والبلدان والدّول الأخرى، وبالسياسة والعلاقات الدّولية بشكل عام، واستنتج إن ذلك جزء من أسلوب الحياة الذي أُريدَ لهم أن يتبعوه، أو ما يُعَبَّرُ عنه بأسلوب الحياة الأمريكي ( The american way of life ) ويتضمّن نشر الجهل والشوفينية والعُنصرية ويتميز بضيق الأُفق، واعتبر المؤلف إن كتابه عبارة عن مقدمة مفتوحة لنقد أسلوب الحياة الأمريكي للطلاب الجامعيين بشأن التاريخ الأمريكي والسياسة والعلاقات الدولية، واعتبر العديد من نُقّاد الأدب أن الكتاب دراسة "استفزازية"، لأن بول أتوود حاول أن يُظهر للأمريكيين أن تاريخهم هو "سلسلة من الحروب العدوانية المستمرة ومن التوسع الإمبراطوري".

وجد "أتوود" خلال مسيرته كمدرِّس أن معظم الطلاب لا يعرفون شيئًا عن تورط أمريكا في حروب القرن العشرين، ناهيك عن الحروب التي سبقتها، ويهدف كتاب "الحرب والإمبراطورية" إلى تصحيح هذا الأمر، ليُوضِّحَ بشكل منطقي ومُقْنِع خفايا القرارات الأمريكية خبل وأثناء كل حرب كبرى منذ إعلان "الاستقلال"، ويُظهر الكتاب إن الولايات المتحدة لم تنجَرَّ أبدًا، في تاريخها القصير، إلى خَوْضِ حُرُوب لا تريدها أو إلى الدّفاع عن أراضيها، بل اختار القادة الأمريكيون دائمًا معاركهم من أجل زيادة نفوذهم وقوتهم، دون أي مُراعاة لحياة الجنود الأمريكيين والمدنيين "الأعداء" الذين قتلوا أو عانوا الويلات جراء هذه الحُرُوب.

نُشرت الطبعة الأولى للكتاب سنة 2010، وبقي المؤلف (بول أتوود) يكتُبُ ويُطَوِّرُ ويقوم بتحديث المعلومات طيلة أكثر من عقد، وكتب على سبيل المثال سنة 2018 مقالا بعنوان "تسويق الحرب: القرع المُستمر لطٌبُول الخَطَر المُمِيت" ( Marketing war : The incessant drumbeat of martal danger )، كما كتب مقالا خلال نفس السنة بعنوان "هل لا زلتم تعتقدون إننا أبرياء؟"، وكان أحد مقالاته الأخيرة بعنوان "محارب قديم من أجل السلام"، حيث يُذَكِّرُ بمسيرة الولايات المتحدة كقوة مُعتدية منذ تاريخ ما سُمِّيَ "الإستقلال"، وهي مُغالطة لأن لا أحد استعمَر أمريكا سوى المُستوطنين الأوروبيين الذين أبادُوا الشُّعُوب الأصلية واستلوا على أراضيهم لزراعتها بواسطة العبيد، ومراكمة رأس المال بسرعة قياسية لتتحول الولايات المتحدة إلى قوة رأسمالية امبريالية، قبل الإعتداء على بقية شعوب العالم...

لم يقم أي جيش أجنبي بغزو الولايات المتحدة، منذ غزو المستوطنين الأوروبيين لأراضي الأمريكيين الأصليين، وفي المقابل انطلق عدوان الإمبريالية الأمريكية مُبَكِّرًا، وبعيدًا عن أراضي أمريكا الشّمالية، فقد قصفت البحرية الأمريكية طرابلس وتونس والجزائر بين سَنَتَيْ 1805 و 1815، وشن الجيش الأمريكي حروبًا عدوانية ضد المكسيك سنة 1846 وإسبانيا سنة 1898 واحتلت الولايات المتحدة الفلبين، ولا تزال تحتل العديد من الجزر، وجزءًا من كوبا وأكثر من نصف أراضي المكسيك...

لم يهاجم أي جيش الولايات المتحدة، خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، فلم تهاجم لا ألمانيا ولا إيطاليا ولا اليابان الولايات المتحدة، ومع ذلك بررت الدّعاية الأمريكية مشاركتها في الحرب بادعاء "الدفاع عن الحريات والديمقراطية"، لكنها مجرد أكاذيب مثلما انتشرت الأكاذيب لتبرير الحروب العدوانية الأخرى ضد كوريا وفيتنام ويوغوسلافيا وما يسمى بالحرب على الإرهاب والتي كانت بمثابة ذريعة لاحتلال أفغانستان أو العراق، ولتفكيك مؤسسات الدولة وتفتيت البلدان كما الحال في ليبيا والصومال وسوريا واليمن وغيرها.

لم يتغير الأمر، حيث تشن الولايات المتحدة (وذراعها العسكرية: حلف شمال الأطلسي) اليوم حربًا بالوكالة في أوكرانيا تحت ذرائع مختلفة، ولم تبدأ الحرب اليوم أو يوم الرابع والعشرين من شباط/فبراير 2022، بل بدأت الاستعدادات لهذه الحرب سنة 2014، عندما أطاح انقلاب يميني متطرف ( بمشاركة مليشيات نازية تدعمها الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي والكيان الصهيوني وتركيا...) بالحكومة الأوكرانية والبرلمان المنتخب ديمقراطيًّا، وقدّرت البحوث الأمريكية أن الولايات المتحدة خمسة استثمرت خمسة مليارات دولار للمساهمة في تغيير السلطة والنّظام السِّيَاسِي في أوكرانيا المتاخمة لروسيا، ثُمّ تم توقيع اتفاقية "مينسك"، سنة 2015، من قِبَلِ الحكومة الأوكرانية الجديدة، بإشراف ورعاية فرنسا وألمانيا وروسيا، بهدف تَجَنُّبِ الحرب، فيما رفضت الولايات المتحدة التوقيع على الاتفاقية وفعلت ما في وِسْعِها لتقويض اتفاقية السلام هذه، وإفْشال تطبيقها، بالتوازي مع تدريب عناصر المليشيات النازية ودعمهم في تنفيذ هجماتهم المتكررة، بالإشتراك مع مجموعات مسلحة أخرى، سكان منطقة "دونباس" الذين تم منحهم الحكم الذاتي بموجب اتفاقيات مينسك، لذلك يُمكن التّأكيد إن أوكرانيا والولايات المتحدة أطلقت الحرب الحالية منذ سنة 2014...

قدّر برنامج "مشروع تكاليف الحرب" التابع لجامعة "براون" الأمريكية أن ما لا يقل عن 4,5 ملايين حالة وفاة نجمت عن حرب أمريكا "على الإرهاب" ويشير أحد تقارير هذا البرنامج إلى أن "عدد الضحايا المدنيين في الحرب، وخاصة الأطفال، غالبًا ما يفوق عدد المقاتلين المسلحين في الجانِبَيْن المتحارِبَيْن"، وعلى سبيل المثال، قتلت القنابل الأمريكية ما بين 3 إلى 4 ملايين شخص في فيتنام، قبل وقف إطلاق النار، لكن تستمر القنابل التي لم تنفجر ساعتها في قَتْلِ المدنيين ( من فلاحين ونساء وأطفال ...) خلال العقود الخمسة الماضية في فيتنام ولاوس وكمبوديا، ولا تزال المادة الكيماوية السامة المُسمّاة "العنصر البرتقالي" تسمم الأرض والماء والغذاء، وتستمر الحرب في إحداث تشوهات خلقية لا حصر لها بين السكان المدنيين، ولا يزال الإشعاع الناتج عن صواريخ اليورانيوم المُنَضّب يَقْتُلُ ويسبب السرطان والتشوهات الخلقية وحالات الإجهاض في العراق وفلسطين وأماكن أخرى من العالم، حيثما مَرّ الجيش الأمريكي، وترتبط معظم الوفيات في أفغانستان خلال عشرين عاما، بالاحتلال الأمريكي، كما أن الحرب بالوكالة في أوكرانيا تهدد بإحداث كارثة نووية، وبالتوازي مع ذلك، يستعد الجيش الأمريكي لشن حرب ضد الصين، المنافس الاقتصادي للولايات المتحدة.

تقدر العديد من الدراسات أن الإنفاق الحربي الأمريكي (الإنفاق على التّسلّح) قد تجاوز ثمانية تريليونات دولارًا منذ الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، بذريعة الحرب على الإرهاب، بينما تُعدّ الولايات المتحدة أكبر مَصْدَر لنَشْر الإرهاب، لأن الحُروب العدوانية مَصْدَرُ ثراء لمُجَمّع الصناعات العسكرية الأمريكية، الذي يستخدم أبناء الفُقراء حَطَبًا لهذه الحروب، ويُقدّر أن 20% من المشردين في الولايات المتحدة من المحاربين القدامى الذين لفظتهم الآلة الحربية بعد استخدامهم في العدوان على البلدان والشعوبن كما ترفض السلطات الأمريكية (الحكومة والنواب المنتخبون) إقرار نظام شامل للحماية الاجتماعية يتضمّن التأمين الصحي والمعاشات التقاعدية ومساعدة المُعَطّلين فقراء البلاد، فيما تَحُثُّ هذه السلطات على زيادة الميزانية العسكرية كل عام، وتقليل الإنفاق الاجتماعي وأي إنفاق يُساهم في رفاهية الناس