في نقد 13 نيسان (12) العلمانيون


محمد علي مقلد
2023 / 6 / 3 - 12:25     


مع أنهم ضبطوا متلبسين على متاريس الحرب الأهلية فهم يزعمون جميعاً أنهم علمانيون. من وما تبقى منهم على قيد الحياة يرفع اليوم شعار الدولة، حتى بات الفرز بين الحقيقة والمزاعم أمراً مربكاً.
على طريقة البنيويين، سنستبعد من الكلام التنظيمات المتجانسة، لأن بحرها الطائفي أو المذهبي يكذب الغطاس، ونتوقف عند الأحزاب غير المتجانسة وهي ثلاثة، البعث والشيوعي والقومي، وعند الأفراد وهم يعصون على العد والإحصاء.
قلت في كتابي "أحزاب الله" يستحيل على الأحزاب التي تعشش فيها بذور الاستبداد أن تكون علمانية. فالعلمانية من شجرة عائلة الدولة الحديثة، أي الدولة الديمقراطية التي يعيش فيها المتنوعون من أصحاب الرأي والرأي المختلف تحت سقف الدستور. أما تلك التي تسلك طريق الانشقاق والاغتيال والانقلاب العسكري فهي أبعد ما تكون عن الديمقراطية وبالتالي عن العلمانية، وهي بالتعريف معادية لدولة القانون والمؤسسات، وما انخراطها في الحرب الأهلية إلا لأن طبعها الميليشيوي غلب مزاعمها العلمانية.
العلمانيون الأفراد، وهم بيت القصيد، شاركوا في الحرب الأهلية، بعضهم بالانخراط المباشر في العمل الحزبي، وأنا منهم، فحصدوا غرم الحرب التي لا غنم فيها إلا للشبيحة والبلطجية، وبعضهم على طريقة التدخين السلبي، مثقفين جامعيين أساتذة وطلاباً، افترضوا أن الحرب لا تعنيهم ونزهوا أنفسهم عن الخوض في حروب طائفية ولأنهم أصلاً ضد العنف، فغرقوا في الصمت أو أكثروا من الإدانة أو غادروا إلى حيث الأمن وراحة البال.
أعتمد دوماً تعريفاً وضعه سارتر عن المثقف. "هو المتعلم الذي يتدخل في ما لا يعنيه"، أي لا يعني اختصاصه، وبالتحديد في الشأن العام، أي في السياسة. المثقف العلماني يحب السياسة ويكره السياسيين، هو حيال الحرب لا في العير ولا في النفير، ينأى بنفسه عنها كشأن عام فيفقد دوره كمثقف، ولا تكفيه إدانتها ليعود إلى صف الكفاءات العلمية التي ليس سواها من سينتشل الوطن من أتون الميليشيات.
ثورة 17 تشرين طالبت بحكومة كفاءات علمية غير منحازة لأطراف الصراع. أما المنظومة فاختارت متعلمين محازبين من زبانيتها، واستبعدت المثقفين العلمانيين والكفاءات العلمية على حد سواء. السيناريو ذاته يتكرر في اختيار رئيس الجمهورية. حين تشظت المنظومة غنى اللبنانيون مع فيروز "إيه فيه أمل"، مع أن موصدي أبواب الأمل ما زالوا على سلاحهم.
الطائفية انتماء ثقافي أيضاً، موجودة في بنية المجتمع، في العادات والتقاليد. إذا حككت جلد اللبناني تبرز أمام ناظريك تحت أول طبقة، بحسب تعبير أحد المراسلين الأجانب. إذا كان مثل هذا التوصيف صحيحاً فكيف تكون المواجهة معها؟
أخطأ المثقف العلماني حين توهم المعالجة بشطب المذهب عن تذكرة الهوية وبإلغاء الطائفية من قانون الأحوال الشخصية، لأن خطرها ليس فيهما بل في تحولها إلى انتماء سياسي أي في استخدامها من قبل زعماء الطوائف وأعوانهم وزبانيتهم من المتعلمين دفاعاً عن مصالحهم.
كما أخطأ حين صوب على النظام، أي على الدستور بدل التصويب على أهل النظام، سياسيين وروحيين، يتمسكون بها تأبيداً لسلطتهم، وهذا من أعراض الاستبداد لا من أعراض الطائفية.
وأخطأ حين رفع شعار"فصل الدين عن الدولة" لأنه فتح به مواجهة مع الدين والمتدينين لا مع الطائفية. ردّ عليه الإسلام السياسي بالقول أن الإسلام دين ودولة وفسر العلمانية رديفاً للإلحاد، وردّ الإكليروس بتصنيف العلمانية درجات، ليحاربها من الدرجة التي يختارها. المسألة فصل بين سلطتين لا بين الإيديولوجيا والسياسة.
تفادياً لخوض معارك جانبية ومجانية حول العلمانية، الدولة الدستورية هي الحل، دولة المؤسسات وسيادة القانون.