تلخيص كتاب -فلسفة الرفض- لغاستون باشلار (الجزء الأول)


أحمد رباص
2023 / 6 / 3 - 07:53     

كان كتاب "فلسفة الرفض"، الذي نُشر عام 1940، بمثابة إحياء كبير للإبستيمولوجيا الفرنسية. فيه سعى غاستون باشلار (1884-1962) إلى التوفيق بين التجريبية والعقلانية، ضمن عقلانية علمية، عقلانية "مفتوحة" تتغذى على اكتشافات العلم، بدلاً من توليد أنساق واسعة تنغلف على نفسها.
تقع فلسفة العلم عموما في تجاوزين متعارضين: إما أنها فلسفية بإفراط، أي أنها ترتبط كثيرا بالمبادئ العامة، بالماقبلي، أو بالقيم العقلانية، أو أنها علمية بإفراط، وبعبارة أخرى تقتصر على نتائج معينة، على المابعدي، او على القيم التجريبية.
كانت الحاجة إلى فلسفة جديدة للعلم ملحة، فلسفة تظهر في ظل أي ظروف يمكن أن تؤدي المبادئ العامة إلى نتائج خاصة، والعكس صحيح.
يتعين التوصل إلى التوفيق بين التجريبية والعقلانية: "العقلانية يجب فهمها، التجريبية يجب تطبيقها". أو مرة أخرى: "نثبت قيمة القانون التجريبي بجعله أساس التفكير. نقوم بإضفاء الشرعية على التفكير بجعله أساس التجربة".
هذه ليست ثنائية بمعنى أن التجريبية والعقلانية ليستا متعارضتين بل تكمل كل واحدة منهما الأخرى.
العقلانية التطبيقية تأخذ الدروس التي يوفرها الواقع لترجمتها إلى برنامج للإنجاز. هكذ يعرّف غاستون باشلار العقلانية العلمية التي يدعو إليها بأنها التيار الإبستيمولوجي الذي بحسبه "لا يعتبر التطبيق هزيمة أو تسوية. يريد (التيار) أن يطبق. إذا تم تطبيقه بشكل سيء، فإنه يتغير. لا ينكر مبادءه لأجل ذلك، بل يجدلنها.
نتيجة لذلك، يتميز هذا النوع من العقلانية عن الأنواع الأخرى بطابعه المفتوح:
"إنها الفلسفة الوحيدة التي تطبق وهي تحدد تخطيها لمبادئها. باختصار، إنها الفلسفة الوحيدة المفتوحة. كل فلسفة أخرى تطرح مبادءها على أنها غير ملموسة، وحقائقها الأولى على أنها شاملة وكاملة. كل فلسفة أخرى تفتخر بانغلاقعها".
لذلك فإن الفلسفة الحقيقية للمعرفة هي فلسفة منفتحة تبحث في الواقعي عما يتعارض مع المعارف السابقة. بينما يميل الفلاسفة بشكل عام إلى اعتبار ما يتعارض مع نظرياتهم تفاصيل، أو علامات على اللاعقلانية في المعطى، ولا يعدلوا أطروحتهم بأي شكل من الأشكال.
ثم يوضح باشلار المعنى الذي يعطيه لعبارة "فلسفة الرفض" التي اتخذها عنوانا لكتابه: "يجب أن يكون مفهوماً أن التجربة الجديدة تقول لا للتجربة القديمة، وبدون ذلك من الواضح أنها ليست تجربة جديدة".
فلسفة الرفض هي العقيدة الإبستيمولوجية المميزة التي تجعل من الممكن التفكير في التقدم العلمي ومرافقته. يحدث تقدم عندما ينظم العالم تجارب تهدف إلى نفي أو إبطال التجارب السابقة، وبالتالي التشكيك في النظريات المقبولة بشكل مسبق.
يمكن أن تكون التجربة التي تؤكد فقط التجارب والنظريات السابقة مفيدة؛ ولكن ليس بفضل ذلك يكون التقدم العلمي قادرا على تحقيق قفزة نوعية إلى الأمام.
لذا، فإن الأمر يتعلق بمحاولة تنظيم تجارب لدحض أو انتقاد النظريات المقبولة حتى الآن. هذا هو النهج الذي يعجل بالتقدم العلمي. الفلسفة التي تقول لا هي، خلافا لما قد يوحي به اسمها، ليست فلسفة منغلقة:
"إن كلمة لا هذه ليست نهائية أبدا بالنسبة لعقل يعرف كيف يجدلن مبادءه".
إنها ليست "لا" الدالة على العدمية، بل إنها، على خلاف ذلك، نشاط بنّاء يهدف إلى التفكير وترسيخ الطابع الخصب للتجربة.
يقدم باشلار طلبا مزدوجا: يطلب من الفلاسفة التمتع بحقهم في استخدام المفاهيم الفلسفية المنفصلة عن الأنساق التي نشأت فيها (مثلا: استخدم المقولة الكانطية دون أن تكون كانطيا). بالنسبة للعلماء، يطلب منهم أن يعترفوا بأن عملهم يسترشد بالافتراضات الميتافيزيقية (على سبيل المثال حول طبيعة المادة، إلخ..).
يبدأ باشلار في الحلم: ضد الفلاسفة الذين يميلون إلى فهم الواقع من وجهة نظر واحدة تتغاضى عن كل شيء وتشمله، يجب أن تكون هناك فلسفة لكل مشكلة، لكل معادلة: نحن في حاجة إلى فلسفة ملمة بالتفاصيل الإبستيمولوجية.
(يتبع)