التكتلات الاقتصادية


مصطفى العبد الله الكفري
2023 / 6 / 3 - 00:48     

التكتل الاقتصادي هو مجموعة الترتيبات التي تهدف إلى تعزيز حالة التكامل الاقتصادي بين دولتين أو مجموعة من الدول، من خلال تحرير التبادل التجاري فيما بينها وتنسيق السياسات المالية والنقدية، وتحقيق نوع من الحماية لمنتجاتها الوطنية، كما يهدف التكتل الاقتصادي إلى تخفيض تكلفة التنمية عبر تخفيض تكاليف الاستيراد وتحقيق الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة، وتحسين المناخ الاستثماري بتوسيع دائرة السوق وتوحيد أو تقارب التسهيلات والحوافز والإعفاءات الخاصة بالاستثمار. وتنسيق السياسات الاقتصادية لمواجهة المشكلات والأزمات الاقتصادية.

عُرفت بداية التكتلات الاقتصادية منذ الحرب العالمية الثانية وبلغت ذروتها في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، وأهم ما ميزها أنها طالت مختلف قارات العالم، لم تميز بين الرأسمالي منه ولا الاشتراكي، ولا بين المتقدم منه من النامي. ويعتبرها البعض مخرجاً من التخلف إلى التنمية إلا أنه ولأسباب عديدة لم تنجح معظم هذه التكتلات رغم وجاهة دوافعها، فمثلاً التكتل الاقتصادي العربي والتكتلات في أفريقيا باءت التجربة بالفشل وخيبت الآمال لأسباب كثيرة أهمها غياب الآليات السليمة والفعالة والسياسات الرشيدة، إضافة إلى الظروف الاقتصادية والهيكلة الاقتصادية الضعيفة التي تميز معظم تلك الدول، إلا أن الفشل بأي حال من الأحوال لا يمكن أن يقضي على محاولات تكاملية جديدة، أو تصحيح بعض المحاولات القديمة باعتبار أن العيب ليس في فكرة التكامل نفسها وإنما العيب في الطرق والآليات التي اتبعت في الوصول إليها، وهذا ما سعت إليه تجارب تكاملية عملاقة حجزت مكانها في مصاف التكتلات الاقتصادية مؤذنة بإحياء فكرة التوجه التكاملي من جديد باعتباره ضرورة في ظل العولمة الاقتصادية ومؤسساتها. إن نجاح التجارب التكاملية في الدول المتقدمة يشكل لا محالة - إضافة إلى عوامل أخرى - محفِّزاً أساسياً للدول النامية لتحذو حذوها في إقامة فضاءات تكاملية تكون على مستوى من الندية والقدرة التنافسية يخولها البقاء في عصر لا حياة فيه للاقتصادات الضعيفة. من الضروري أن تحرص الدول النامية على الدخول في تكتلات اقتصادية، إن لم يكن من باب الانتفاع من مزايا التكتلات فليكن من باب الحفاظ على النفس من شر التكتلات القائمة بين الدول المتقدمة التي تلتهم الأخضر واليابس متخذة من الدول الأخرى سوقاً لتصريف منتجاتها. [1]

ظهرت التكتلات الاقتصادية الحديثة مع بروز ظاهرة ما سمي بمخاطر التنافسية وازدياد شدتها بين الشمال والجنوب وخاصة الدول الأسيوية ذات التنافسية العالية، بعد نمو اقتصادياتها وارتفاع قدرتها الاستقطابية للأموال والتكنولوجيا، وقد أجرت الدول الصناعية الرأسمالية المتقدمة مفاوضات تجارية ركزت على خطورة تنافسية الدول النامية "الآسيوية" بسبب استخدامها يد عاملة رخيصة. وتسعى هذه التكتلات إلى الاستفادة من عوائد الكفاءة الناجمة عن إزالة العوائق التجارية وتعمل على إجراء تغييرات في هياكلها استجابة لأهداف التكتل وبرامج التكامل الاقتصادي الذي تنشده الدول التي تسعى لتحقيقه، للتكتل والتجمعات الاقتصادية فيما بين الدول النامية نفس القدر من الفاعلية والديناميكية التي تحققه التكتلات في الدول المتقدمة نظراً لاختلاف مستوى الكفاءة والأداء والطاقة الاستيعابية لاقتصادياتها. فالدول النامية تسعى إلى إقامة تكتلات اقتصادية إقليمية تجاه التكامل الاقتصادي فيما بين الدول المتقدمة، بقصد إحداث تغيرات هيكلية لتنمية قطاعها الصناعي وإقامة صناعات جديدة تعتمد مزايا الحجم الكبير واتساع السوق وتنوع الإمكانات. [2]

أصبح الاقتصاد العالمي في ظل التكتلات الاقتصادية أكثر ديناميكية، وخاصة بعد أن ظهرت درجات مختلفة من التكتلات الاقتصادية، منها على سبيل المثال الاتحاد الأوربي E U الذي يشكل نموذجاً متطوراً للتكتل الاقتصادي، يليه التكتل الاقتصادي لأمريكا الشمالية (النافتا NAFTA)، ورابطة جنوب شرق آسيا (الآسيان ASEAN)، والحلف التجاري لأمريكا اللاتينية الذي يمثل درجة متوسطة من التكتل التجاري والمالي، وجماعة التعاون الاقتصادي لآسيا الباسيفيكية المعروفة باسم (APEC)، ومجموعة دول البريكس (BRICS) وانتهاءً بمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى وهي أدنى درجات التكامل الاقتصادي. [3]

الملاحظ أن أغلب التكتلات الاقتصادية التي أقيمت بعد الحرب العالمية الثانية حتى نهاية القرن العشرين لم يكتب لها النجاح فتعثرت أمام المشاكل والخلافات، ولكنها تميزت بالديمومة والاستمرار في تطورها خاصة بعد اشتداد المنافسة العالمية في العقد الأخير من القرن العشرين، وأصبح من الصعب على الدول أن تدخل المنافسة في السوق العالمية منفردة، فبدأت تتجمع في كيانات اقتصادية (تكتلات اقتصادية) تفرضها العولمة الاقتصادية والاندماج في الاقتصاد العالمي فسارعت الدول نحو تشكيل تكتلات اقتصادية استعداداً لدخول مرحلة جديدة يحل فيها الصراع بين القوى الاقتصادية الكبرى محل الصراع بين القوى العسكرية على الساحة الدولية، وأصبحت هذه التكتلات الاقتصادية تشكل خريطة اقتصادية جديدة للعالم.

[1] - المصدر: معهد الإمارات التعليمي. http://www.uae7.com/vb/t40293.html
[2] - د. علي جلال حسين و د. احمد سليمان علي العموش، التكتلات الاقتصادية الكبرى و مسيرة التبعية والتكامل العربي.
[3]- انظر، فلاح خلف الربيعي، التكتلات الاقتصادية في الدول المتقدمة والنامية، موقع الحوار المتمدن، العدد 3210 تاريخ 12/6/2008.