قراءة في الانتخابات التركية


علي أحمد
2023 / 6 / 2 - 13:53     

يتنفس اللاجئون السوريون والأفغان والأجانب وخصوصا الروس الصعداء ولو مؤقتا بعد فوز رجب الطيب اردوغان بالرئاسة للمرة الثانية والأخيرة للخمس سنوات القادمة وكذلك فوز تحالف الجمهور الذي يقوده حزب العدالة والتنمية (حزب اردوغان) مع حزب الحركة القومية بشكل رئيسي في الانتخابات البرلمانية على تحالف الشعب المعارض برئاسة كليجدار أوغلو وحزبه الشعب الجمهوري الحامل لإرث أتاتورك مع 5 أحزاب رئيسية أخرى أهمها حزب الجيد وهو حزب منشق عن الحركة القومية وحزب السعادة الإسلامي الخارج من حزب الرفاه المنحل.

الانتخابات التركية أبرزت قضيتين رئيستين اهتم بها الناخب التركي، الأزمة الاقتصادية وعودة اللاجئين السوريين والأفغان الى بلادهم وقضايا أخرى سياسية من أبرزها التحالف مع الولايات المتحدة والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والعلاقة مع الناتو.

وقبل الدخول في مواقف مختلف الأحزاب من اللاجئين، نحتاج الى تشريح البنية الطبقية التي يتكون منها تحالف الجمهور الممثل بحزب الحركة القومية وحزب العدالة والتنمية الذي بالرغم من كونه حزبا يمينيا الى أنه يستخدم شعارات يسارية لجذب جمهور أوسع من خارج منطقته كشرائح من الأكراد، والحركة النسائية، والعمال، واللاجئين.

الانتخابات التركية أبرزت نقطة مهمة وهي غياب اليسار تماما عن المشهد السياسي، بسبب عدم تعافيه من انقلاب الجنرال كنعان ايفرين العسكري الدموي سنة 1980 والحامل للأفكار الكمالية والمدعوم من الولايات المتحدة والذي أدى إلى اعدام الكثيرين واعتقال 650 ألف شخص ووقوع 300 حالة وفاة بسبب التعذيب، لتتركز المنافسة بين تحالفات حزبية يمينية شعبوية تضم حركات قومية إسلامية وليبرالية وعلمانية متطرفة أقرب إلى الفاشية.

بداية نبدأ بتحالف الجمهور الفائز والمكون من حزب الحركة القومية المتحالف مع حزب العدالة والتنمية منذ انقلاب 2016 الفاشل على أردوغان والذي اتبعتها عدة تغيرات من أهمها تحول تركيا من نظام برلماني الى نظام رئاسي على رأسه الطيب أردوغان ويدعمه تحالف يميني شعبوي يذهب في اتجاهين.

الاتجاه الأول بقيادة الحركة القومية التي تنحو الى قومية متطرفة والاتجاه الآخر يصب في راديكالية إسلامية محافظة بقيادة حزب العدالة والتنمية.

حزب الحركة القومية هو حزب يميني متطرف ومشكك في أوروبا بزعامة دولت بهتشلي وأسسه عام 1969 عقيد سابق في القوات البرية أرسلان توركش والذي شكل أيضا ما يعرف بمنظمة الذئاب الرمادية الفاشية كجناح مسلح للحركة القومية والتي ساهمت بشكل رئيسي في الصراع بين اليمين واليسار في السبعينات. أكثر الأصوات لهذا الحزب والتي تتراوح بين 10% الى 16% من الطبقة المتوسطة الصغيرة والتي تمثل 40% من سكان تركيا ويعتبر أصحاب المحلات والبقالة والأعمال الصغيرة قاعدته الرئيسية وعلى الرغم من دعم 10% من الشرائح العليا للطبقة المتوسطة له إلا أنه لا يعتبر حزبا برجوازيا بالمعنى التقليدي. فهذا الحزب يدعم بشكل مباشر الدولة التركية ويطالب بسحق اليسار والاكراد ولهذا لا تتجه له أي أصوات كردية ويجذب له في الانتخابات من خارج قاعدته، جيش العاطلين عن العمل وفقراء الريف والمدن المهمشين اقتصاديا.

حزب العدالة والتنمية استطاع جذب الطبقة العاملة والفلاحين والأقليات المضطهدة مثل الأكراد وجزء مهم من اليسار خلال صعوده ما بين 2002 و 2013 كتيار يميني بملامح يسارية يحاول الموازنة بين سياسات اقتصادية نيوليبرالية واقتصاد سياسي كلي يعني ببرامج مساعدات اجتماعية. ولكن مع اختفاء مناخ الاقتصاد الكلي بعد 2013 والنتائج الكارثية لسياسات حزب العدالة النيوليبرالية ليصبح أكثر تسلطا و اقل شعبية بين الطبقات العاملة.

ومع اختفاء يسار راديكالي يملأ الفراغ الذي تركه حزب العدالة، مهد هذا الغياب الطريق لتيارات يمينية شعبوية لتعبئ ذلك الفراغ. ومع ذلك سنجد أن أدبيات هذا الحزب لايزال بها سمات من اليسار تميزه عن بقية اليمين القومي التركي. بالنسبة لقضايا المهاجرين والعنصرية واستبعاد الأقليات نجده متناقضا بشدة عن المتعارف عليه كحزب يميني متحالف مع حزب قومي ذا جذور فاشية.

حزب العدالة والحرية هو الحزب الوحيد على الساحة تقريبا الذي دعا بشكل نشط المهاجرين السوريين والأفغان للقدوم الى تركيا بالرغم من المعارضة الشعبية لهذا التوجه، هذا التوجه المختلف حتى عن بعض قطاعات من اليسار التي ركبت الموجة الشوفينية وطالبت بعودة اللاجئين الى بلادهم فورا. هذا التوجه الذي ربما لا يعود كله الى الكرم والتسامح الديني بقدر ما هو محاولة إيجاد أوراق ضغط على أوروبا وتوفير عمالة رخيصة لا غنى عنها لمنفعة الاقتصاد التركي.

وبالنسبة للأكراد وعلى الرغم من قيام حزب العدالة بأكثر الحملات العسكرية دموية والتي أدت إلى قتل الآلاف من المدنيين ومسح مدن كردية عن الخريطة إلا أن هذه الحملات لم تقم بسبب التعالي القومي على الأكراد كبقية الأحزاب لأنه يعتبرهم من جمهوره الإسلامي طالما لا يشكلون تحديا له، ولكن كانت الحملات بسبب الخصومة السياسية تجاههم واتهامهم بالارتباط بحزب العمال الكردي المحظور وهو ما يبرر حصول اردوغان على أكثر من 30% من تصويت الاكراد في مناطق ديار بكر. هذا الحزب أيضا استطاع حسب الاستطلاعات جذب أكثر من 50% من ذوي الدخل المحدود في الطبقات العاملة والريف و40% من الطبقة المتوسطة وأقل بكثير من شرائح البرجوازية العليا.

هذا الحزب يظهر بقاعدة غالبيتها من الشرائح الدنيا مع دعم لا يذكر من شرائح الطبقة العليا المسيطرة على الرغم من سياساته النيو ليبرالية التي تخدم هذه الطبقة.

ارتفاع أصوات الاحتجاج ضد اللاجئين عبرت عنها صناديق الانتخابات والذي حصد فيها سنان أوغان العضو السابق في حزب الحركة القومية 5.2% والذي تركز برنامجه على اللاجئين والمهاجرين من دون دعاية إعلامية أو حتى أموال انتخابية لكنه استطاع حصد هذا العدد من الأصوات. كمال كيليشدار اوغلو قبل أسبوع من الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية توعد بأنه في حالة فوزه سيطرد كل اللاجئين وأدعى أن أردوغان قام بإدخال 10 ملايين لاجئ إلى تركيا.

وجرى إدراج هذه النقطة أيضا في برنامج الحملة الانتخابية الخاص به. إضافة إلى ذلك، يريد حزب الشعب الجمهوري إعادة فحص اتفاق اللاجئين مع الاتحاد الأوروبي، وبالإضافة إلى ذلك، يريد الحزب مراقبة معابر الحدود “المفتوحة” بتقنيات وطائرات بدون طيار جديدة وبناء حواجز حين يكون ذلك ضروريا لمنع الهجرة غير المسيطر عليها. كما سيتم إعادة النظر في تسهيلات التأشيرة مع مختلف الدول أيضا.

هذا الرقم تنفيه الأمم المتحدة والباحث في الهجرة مراد أردوغان حيث يقول انه يعيش حاليا في تركيا أكثر من 3.5 مليون سوري لديهم حماية مؤقتة، بالإضافة إلى أن هناك 100 ألف يحملون تصاريح إقامة صالحة، وقد تم تجنيس بين 200 إلى 300 ألف منهم، أي أن مجموع السوريين في تركيا يقارب 4 ملايين شخص.

ويبلغ عدد اللاجئين غير القانونيين حوالي 400 ألف شخص، ويأتون بشكل رئيسي من أفغانستان وباكستان والعراق وأفريقيا. كما أن هناك حوالي مليون لاجئ ينتظرون الترحيل، وبالتالي، يصل ـ حسب خبير الهجرة ـ إلى إجمالي 5.5 مليون لاجئ يقيمون حاليا في تركيا.

ومع ذلك، يرى الباحث في الهجرة مراد أردوغان أن عودة السوريين أمرا غير واقعي. ويعيش العديد من السوريين في تركيا لأكثر من عشر سنوات الآن ويتابع أطفالهم دراستهم في المدارس، ويعمل البالغون في وظائف، على الرغم من أنهم يعملون بشكل غير قانوني في الغالب. ولذا يكرر الباحث “إن إرجاعهم خلال عدة سنوات، كما تزعم الأحزاب، أمر مستحيل”، ويضيف أن حوالي 900 ألف طفل ولدوا في تركيا، وسوريا ليست وطنا لهم.

التضخم الفاحش والبطالة والفقر يزيد صعوبة حياة الناس في تركيا، ومع سياسة الفائدة المنخفضة التي يديرها الرئيس رجب طيب أردوغان، يعيش الاقتصاد في حالة أزمة عميقة وتتلاشى القدرة الشرائية بسرعة، كما يؤثر الفقر أيضا على الطبقة المتوسطة. وتستغل الأحزاب اليمينية الشعبوية والقومية بشكل رئيسي الفرصة لأغراضها. فهي تنشر الكراهية تجاه الأجانب. وتنشر بروباغندا تقول فيها لقد “تم الاستيلاء على تركيا من قبل الشباب الأجانب”.

الانتقادات التي كانت في البداية سلمية تحولت إلى أعمال عنف أيضاً. ففي أغسطس 2021، دمرت عصابة تركية عدة محلات سورية في أنقرة، لأن أصحابها بحسب زعم رجال العصابة لا يدفعون الضرائب ويعيشون على المساعدات الحكومية. وفي منتصف كانون الثاني/ يناير 2022، قتلت مجموعة مقنعة السوري نائل النايف البالغ من العمر 19 عاما في إسطنبول أثناء نومه في شقته. وفي حزيران/ يونيو 2022، أطلقت القوات الأمنية التركية النار على 35 لاجئا في مدينة عثمانية، لأنهم حاولوا الهرب من ملجأ اللاجئين، كما تعرض العديد من اللاجئين للعنف بعد الزلازل الكبرى في فبراير، لأنهم اعتبروا مخربين.

ويرى الباحثون في شؤون الهجرة أن المزيد والمزيد من اللاجئين يرغبون في مغادرة تركيا، وخاصة في اتجاه أوروبا. “هؤلاء لا يرون مستقبلاً في سوريا ويشعرون بعدم الأمان في تركيا”، كما يقول الباحث في شؤون الهجرة مراد أردوغان.

وقبل أربع سنوات، أراد 25 ٪ من السوريين مغادرة تركيا والهجرة إلى بلد ثالث، وفقًا لـ”بارومتر السوريين”. كما أشارت آخر دراسة إلى أن نسبة الراغبين في الهجرة وصلت إلى 55 ٪. ويعتقد مراد أردوغان: “إذا سألناهم الآن، فإنه من المؤكد أنهم يتجاوزون حاجز ال 70 ٪”.