تجارة المخدرات – من المستفيد؟


الطاهر المعز
2023 / 5 / 30 - 10:52     

يُعَدُّ الشاي ثاني أكثر المشروبات استهلاكًا في العالم بعد الماء، حيث يتم استهلاك مليارَيْ كوب يوميًا في أنحاء العالم، وبدأ تداوله في أوروبا في أوائل القرن السابع عشر، عندما نما الطلب في بريطانيا وفي جميع أنحاء أوروبا، وأدرك مؤسسو شركة الهند الشرقية البريطانية حجم الأموال التي يمكن جَنْيُها من تجارة الشاي فاحتكرت توريد الشاي إلى أوروبا، لكن الصين، التي كانت المُصَدِّرَ الرئيسيَّ الوحيد للشاي في العالم، رفضت عروض شركة الهند الشرقية البريطانية وعروض نهب ثرواتها، لذلك بدأت الإمبراطورية البريطانية في شراء الأراضي في الهند وحولت المزارعين الهنود إلى زراعة الأفيون، الذي قام التجار البريطانيون وشركة الهند الشرقية بتهريبه إلى الصين وبيعه مقابل الشاي، وكانت شركة الهند الشرقية البريطانية في الواقع مُجَمَّعًا (كارتل) للمخدرات، فلمّا حاولت الحكومة الصينية قمع تجارة المخدّرات المدمرة، بدأ العدوان البريطاني والأوروبي المُسمّى "حرب الأفيون" بين سَنَتَيْ 1839 و 1860، وبذلك بدأت عَوْلَمَة تجارة المخدرات، وتعاظم دَوْر الإحتكارات في عمليات التّوسّع الإمبريالي...

أوردت كتب الطب التقليدي العربي والهندي والصيني، الفوائد الطبية لاستخدام الحشيش تحت مراقبة الأطباء والمُعالِجِين، لكن المجتمعات الرأسمالية الحديثة حَظَرت استخدام بعض المواد بدل تقييد استهلاكها، ليس بهدف الحفاظ على صحة المواطنين، بل لمراقبتهم وضَبْطِ حركاتهم وسكناتهم، بغرض الاستفادة القصوى منهم اقتصاديًا وصناعيًا، وعسكريًا.

سحبت منظمة الأمم المتحدة في كانون الأول/ديسمبر 2020 (بإيعاز من منظمة الصحة العالمية)، القنب الهندي (الحشيش) من قائمة المخدرات الخطيرة مثل الهيروين والكوكايين، وعبرت حكومة المغرب عن تأييدها لهذا القرار الذي حَوَّرَ اتفاقية سنة 1961، تلك الإتفاقية التي خالفتها العديد من الدول، من خلال سَنِّ قوانين خاصة بها تُنَظِّمُ استخدام القنب، سواء لأغراض طبّيّة أو ترفيهية، مثل كندا وأوروغواي، والعديد من الولايات الأمريكية، فيما ترفض أغلبية دول العالم تقنين استخدام الحشيش...

قدّرت الأمم المتحدة عدد مستخدمي الحشيش (أو القُنْب أو الماريخوانا)، سنة 2016، بنحو 183 مليون شخص، يليه عدد مستهلكي الأفيون ومشتقاته بـ35 مليون شخص، وقُدِّرَ عدد مستهلكي مستحضرات الأفيون الطبية بـ18 مليون شخص، ومستهلكي الكوكايين بنحو 17 مليون شخص، وتحظر العديد من البلدان كافة المواد المُخدّرة بدون تمييز، باستثناء التبغ والكحول، رغم أضرارها البالغة، وقررت بعض الدّول تقنين استهلاك الحشيش، بدل حَظْرِهِ، وبذلك يتم تَيْسِير مراقبة جودة الإنتاج الذي يُباع، كما يتم جَنْي رُسوم البَيْع، وكانت أورغواي سَبّاقةً بهذا الخصوص، فقد صادق نُواب برلمانها في كانون الأول/ديسمبر 2013، على مشروع قانون قَدّمه الرئيس التّقدّمي "خوسيه موخيكا" ( مقاتل سابق بمنظمة توباماروس، قضى 14 سنة بالسّجن المُشَدّد) يُنَظِّمُ ويُقَنِّنُ زراعةَ وبيعَ نبتةِ القُنْبِ (الماريخوانا)، في خطوة غير مسبوقة لمكافحة تجارة المخدرات دون حَظْرِهَا، لأن الحظر والعقوبات المُشدّدة لم تنجح في الحد من استهلاك المخدرات، في أي بلد من العالم، وصَرّح الرئيس لوكالة رويترز، في الثاني من كانون الثاني/يناير 2014 إن حظر المخدرات ليس الحل الأنسب لمحاربتها، وإن أكبر أسواق المخدرات غير المشروعة هي أكبر الإقتصادات الرأسمالية التي تُحرّمها، ولذلك فإن الولايات المتحدة وأوروبا بحاجة إلى استراتيجية جديدة لمكافحة المخدرات، واعتبر إن الأسواق والبلدان ذات القدرة الشرائية المرتفعة تُشكل نقطة جذب اقتصادية كبيرة...

بدأت ولاية كولورادو الأمريكية تجربة السماح باستهلاك الماريخوانا، لتصبح الولاية خالية تقريبا من الماريخوانا السيئة الممزوجة بمواد أخرى قد تكون ضارة، وأضْحَت مركز استقطاب سياحي، ما أَنْعَشَ اقتصاد المدينة فضلاً عن الرّسُوم الجبائية التي تجنيها الخزينة من بيع الماريخوانا التي قُدِّرَتْ إيراداتها بنحو خمسة ملايين دولارا سنويا.

في حزيران/يونيو 2015 أقرّت مدينة "فانكوفر" الكندية بيع الحشيش ومشتقاته لأغراض طبية، في ثمانين متجرًا، بهدف تهدئة الآلام، رُغم حظر بيع الماريخوانا والحشيش على مستوى كندا، ثم تم إقرار جواز الإستهلاك الشخصي أو الطّبي في مدينة سياتل الأمريكية وولايات واشنطن وألاسكا وأوريغون وكاليفورنيا ونيويورك، شرط بلوغ المستهلك 21 سنة وعدم استهلاك الحشيش في الفضاء العام.

يُعتبر الحشيش أو الماريخوانا ثالث أكبر مادة للإدمان، بعد الكحول والتّبغ في أمريكا الشمالية، ويعتبر استهلاكها بشكل قانوني، لعلاج بعض الأمراض العصبية والنفسية، أو للترفيه – بقيود وشُرُوط – أقل ضررا من الناحية الصحية وأكثر نجاعة من الناحية الإقتصادية، كما يساعد تعاطي الحشيش بمراقبة طبية في التقليل من حدة الدُّوَار لدى مرضى السرطان، أثناء حِصَص العلاج الكيماوي، كما قد يكون مفيدًا لعلاج الأطفال المصابين بالصرع وتقليل النوبات المفاجئة، لكن مدخني الحشيش مُعرَّضُون للإصابة بسرطان الفم والحلق، فضلا عن أضرار التبغ الممزوج بالحشيش، ومخاطر الإنزلاق نحو استهلاك مُخدّرات أخرى مثل الكوكايين والهيروين، الذي يُصيب حاليا نحو 10% من مُستهلكي الحشيش (الماريخوانا)، كما أن المراهقين من مدخّني الحشيش مُعرّضون للإصابة بأعطاب ذهنية عدّة، ما يجعلهم أقل قدرة على التعلم والتركيز في الدراسة.

يتمتع حوالي خمسون ألف شخص في كندا بقانونية الحصول على كميات طبية من الحشيش لأغراض علاجية، من بين مرضى الاكتئاب والسرطان والأيدز والتهاب المفاصل وغيرها، وفي الولايات المتحدة، أصدرت 23 ولاية قوانين مماثلة، مما أتاح علاج حوالي مليونَيْ مريض...

في الوطن العربي يُعتبر المغرب أكبر المنتجين العالمِيِّين للقنب الهندي (الحشيش) منذ ما لا يقل عن خمسة عُقُود، وفق مكتب المخدّرات الدّولية بوزارة الخارجية الأمريكية ( التي تكيل المدائح للنظام المغربي)، وكذلك وفق تقرير الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، ما أَكْسَبَ مُنْتِجِيه ومُرَوِّجِيه قدرة على التأقلم مع تقلبات اقتصاد الحشيش في الأسواق الدّولية، وأصبحت حوالي 80% من مزارع القنب الهندي بالمغرب تعتمد على مياه الرّي (بدل توجيهها نحو إنتاج الخضار والفواكه) وليُنتِجَ الهكتار الواحد نحو 1,82 طنا من القنب الخام سنويًا في المغرب، وفق وزارة الدّاخلية المغربية، أما المزارع غير المسقية والتي تعتمد على مياه الأمطر فلا يتجاوز إنتاج الهكتار الواحد 459 كيلوغرامًا سنويًا، وتُقدّر الحكومة المغربية حجم الإنتاج السنوي للقنب الهندي الخام بنحو 53300 طن سنويًّا، منها الكميات المستخلصة (العجينة المخدرة) الموجهة للاستهلاك الفردي المُقدّرة بنحو 1066 طنًا، وفق بيان صدر في تشرين الأول/اكتوبر 2017، وتجدر الإشارة أن زراعة القُنْب مُضرّة بالتّرْبَة وبأديم الأرض.

أكّدَ تقرير أصدَرَهُ "مكتب مكافحة المخدرات والجريمة" التابع للأمم المتحدة (أيار/مايو 2017) إن المغرب في طليعة البلدان المنتجة للقُنْب على الصعيد العالمي، ومن بين أكثر البلدان المصدرة لتلك النبتة تحديدًا نحو أوروبا القريبة جغرافيا، عبر المسالك البحرية والبرية والجوية، وقدّرت جمعية محلية إن 40% من القنب الهندي المستهلك عالميًا مصدره المغرب، كما أن 80% من الاستهلاك الأوروبي لهذه المادة يأتي من المغرب، حيث يستخدم تُجّار المخدّرات مطارات صغيرة بمناطق نائية بين الجبال، تنطلق منها مروحيات وطائرات صغيرة محملة بالمخدرات نحو إسبانيا.

يتمتع المغرب بموقع جغرافي استراتيجي، كمَمر بين إفريقيا وأوروبا، يُصدّر الإنتاج المحلي من القُنْب (الحشيش) وكذلك إنتاج الكوكايين القادم من أمريكا الجنوبية، ويتمكّن تجار المخدّرات من غسيل الأموال المشبوهة بالمغرب، من خلال شراء العقارات والمجوهرات والمركبات، ما رفع التحويلات المالية المشبوهة إلى 7,6 مليارات دولارا سنة 2019، أو ما يُعادل 6,5% من الناتج المحلي الإجمالي للمغرب، وبعد ضغط أوروبي على حكومة الإخوان المسلمين بالمغرب، ارتفع عدد القضايا الجنائية المتعلقة بغسيل الأموال من ثلاثين سنة 2019 إلى 193 سنة 2020، لكن لم تَصْدُر سوى بضعة إدانات...

لا تسمح طبيعة التُربة في المناطق الجبلية بمنطقة "الرّيف" المغربي، الذي أهملته الدّولة، بزراعة الخضار والفواكه والأشجار المُثْمِرة، ولذلك يشتغل عشرات الآلاف من المزارعين في زراعة الحشيش، منذ القرن الثاني عشر، قبل أن يُرخّصَ الإستعمار الفرنسي سنة 1917 و 1919 ثم 1935 لبعض قبائل شمال المغرب بزراعة الحشيش شرط بيع المحاصيل حَصْرِيًّا لشركة احتكار الدخان في المغرب، وبذلك حَوَّلَ الإستعمارُ منطقة ثورة وجمهورية الرّيف بزعامة محمد بن عبد الكريم الخطابي إلى منطقة متخصصة في زراعة القُنْب، ومنعت السلطات المغربية بعد سنة 1956 زراعة القُنْب، لكن المنطقة (التي انتفضت ضد السّلطة سنة 1958) معزولة ومُهمَلة من قِبَل الدّولة، فغضّت السلطات النظر عن زراعة وتجارة المخدرات التي تجتذب عشرات الآلاف من السياح إليها، فهذه المدن استطاعت العديد من المدن والمناطق الساحلية - بفعل غض الطرف الحكومي - أن تجلب نوعًا خاصًا من السياح، وقدر مكتب الجريمة والمخدرات التابع للأمم المتحدة عائدات محصول القنب الهندي المزروع في المغرب بمليارات الدولارات، إذ يدر على المزارعين نحو 214 مليون دولار في حين يكسب المتاجرون في أوروبا منه 12 مليار دولار سنويا...

تشير تقارير محلية إلى أن تراجُعَ المساحة المخصصة لزراعة القنب الهندي في شمال المغرب من 134 ألف هكتار سنة 2003، إلى 47,2 ألف هكتارًا سنة 2013، يعمل بها نحو خمسين ألف شخص من السكان المحليين، لم يُؤَدِّ إلى خَفْض الإيرادات، بل ارتفعت، بعدما دخلت إلى المغرب بذور هجينة ذات إنتاجٍ هائلٍ من القنب، لكنها أكثر استنزافًا للمياه وتدميرًا للتربة، وكانت السلطات تُضايق صغار المزارعين الذي لجأوا لزراعة القنب، واعتقلت السلطات المحلية العديد من المُزارعين بتهمة زراعة المخدرات والاتجار غير المشروع بها، غير أن الحكومة تستفيد من الإيرادات الضخمة لتجارة القُنْب، في منطقة مُهْمَلَة وغائبة من برامج التنمية، فضلا عن إشراف الأعيان على تجارة المُخدّرات...

صدر قانون تقنين زراعة القُنْب بالمغرب سنة 2021 "لأغراض طِبِّيّة وصيدلية وصناعية"، وفي نيسان/ابريل 2023، انطلق موسم زراعة القنب الهندي المقنن، ومنحت الحكومة نحو 650 رخصة بثلاثة أقاليم فقط، بشمال البلاد، ولم تدمج أقاليم مجاورة ضمن الأراضي المعنية بالقانون، وبذلك تستمر الزراعة غير المُقَنَّنَة للقنب (الحشيش)، ما سوف يرفع عدد المزارعين الذين صدرت بحقهم أحكام قضائية سالبة للحرية وغرامات صدرت غيابيًا والمُقَدَّرِ عددهم بنحو 45 ألف شخص، فاضطر العديد من المزارعين إلى حَصْرِ تنقلاتهم بين مساكنهم وحقولهم، خوفًا من إلقاء القبض عليهم، كما أن المندوبية السامية للمياه والغابات (حكومية) تابعت الكثيرين قضائيًا بتهمة الإعتداء على أملاك الدّولة (الغابات) ورفضت الحكومة إسقاط الأحكام الصادرة غيابيًا ضدهم بالحبس.

قدّرت الأمم المتحدة أرباح سوق القنب القانوني بنحو 15 مليار دولارا سنة 2004، وقرابة 17,5 مليار دولارا سنة 2019، وحوالي 22 مليار دولار أمريكي عام 2020 ومن المتوقع أن تتجاوز 97 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2026 بمعدل نمو سنوي يتراوح بين 17,8% و 28% خلال الفترة من 2020 إلى 2027، ويُتَوَقَّعُ أن يتزايد الطلب على القُنْب الهندي المُقَنّن، خاصة في البلدان التي شَرَّعَت استخدامه للأغراض الطبية، ومن المتوقع أن ترتفع قيمة سوق القنب القانوني، بفعل سَعْيِ العديد من الشركات الناشئة إلى تطوير البحث والتصنيع.

نشرت الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات ( الأمم المتحدة)، تقريرا في كانون الثاني/يناير 2022 قًدّر عدد متعاطي المخدرات في العالم بنحو 275 مليون شخصًا سنة 2019، من بينهم 200 مليون شخص من مستهلكي الحشيش، وارتفعت الوفيات الناجمة عن استهلاك المخدرات إلى 93331 سنة 2020، بزيادة نحو 4,2% عن السنة السابقة، وحث تقرير الأمم المتحدة الدّول على اعتماد برامج للتنمية البديلة مثل تشجيع زراعات أخرى، لاستبدال محاصيل الزراعة غير المشروعة، غير أن هذا الحل غير متاح لبلد مثل أفغانستان الذي ارتفع إنتاجه لمخدّر الهيروين (المُستخلص من الخشخاش) خلال فترة الإحتلال الأمريكي، لتصبح أفغانستان مصدرًا لحوالي 85% من الإنتاج العالمي للهيروين، تدر على التجار الأمريكيين نحو ثلاثة مليارات دولارا سنويا، ولا يستفيد المزارعون سوى بنحو 5% من هذه الإيرادات الضخمة.

تُعْتَبَرُ المخدّرات بأنواعها مُضِرّة بالصّحة إذا ما تم استخدامها بدون إشراف الأطباء والمُعالجين، لكنه تجارة مُربحة، يذهب ضحيتها أشخاص يُعانون من أمراض نفسية أو بدنية أو من حالات يأس وقُنُوط واكتئاب، ويبحثون عن حلول زائفة أو عن سُبُل الهَرب من مواجهة الواقع، وما يمكن استخلاصه أن الحلول القَمْعِيّة لا تُجْدِي نَفْعًا، وبدل مُعاقبة المُستهلكين وجب معاقبة التّجّار، وهو أوّلُ المستفيدين من إيرادات كل ما هو محظور، مثل المُخدّرات، أو قاتل مثل السّلاح...