دينو بوزاتي.. حياة وكتابات وسمات وانتقادات


حسين محمود التلاوي
2023 / 5 / 29 - 23:44     

كان "دينو بوتزاتي" إيطاليًّا عمل كاتبًا، وصحفيًّا، ورسامًا مشهورًا. وعلى الرغم من هذا التنوع في مواهبه، فما اشتهر به كان رواياته، وقصصه القصيرة التي تتميز بمزيجها الفريد من الواقعية السحرية، والتعليقات على القضايا الاجتماعية. وفي هذا الموضوع، سوف أتناول باختصار حياة "دينو بوزاتي" وأعماله، مع مرور تحليلي سريع على كتاباته، وبعض الانتقادات التي وجهت إليه.

مَن دينو بوزاتي؟
ولد "دينو بوزاتي" في سان بيليجرينو بإيطاليا عام 1906 لعائلة أرستقراطية، في سفوح جبال الألب الإيطالية. درس القانون في جامعة ميلانو، لكن شغفه الحقيقي كان دائمًا الكتابة. وبعد التخرج، عمل "بوتزاتي" صحفيًّا في العديد من الصحف؛ مثل صحيفة كورييري ديلّا سيرا. في عام 1933، نشر كتابه الأول "بارنابو الجبال" والذي لاقى استحسان النقاد والجمهور على حدٍ سواء. واستمر بوزاتي طوال حياته المهنية في كتابة الروايات والقصص القصيرة والمسرحيات، بالإضافة إلى نشاطه في الرسم.
على الرغم من نجاح "بوتزاتي" ككاتب، فقد تأثر بشدة بأحداث الحرب العالمية الثانية؛ إذ كان اشتراكيًّا ومعاديًا للفاشية، واستخدم كتاباته للتعبير عن معتقداته السياسية. وكان لتجاربه أثناء الحرب تأثير عميق على كتاباته؛ حيث يعكس العديد من قصصه الخوف وعدم اليقين واليأس؛ وهي المشاعر التي كانت سائدة في ذلك الوقت. وعلى الرغم من قتامة موضوعات أعماله، كان "بوزاتي" معروفًا أيضًا بذكائه وروح الدعابة؛ وهما السمتان اللتان استخدمهما للتعليق على ما يراه من عبثية سيرورة الأمور في الحياة.

خصائص كتابات دينو بوزاتي
من أكثر الخصائص اللافتة للنظر في كتابات "بوزاتي" استخدامه للواقعية السحرية. يجمع هذا الأسلوب الأدبي، الذي نشأ في أمريكا اللاتينية، بين العناصر الخيالية ومفردات الحياة اليومية؛ مما يخلق جوًّا سرياليًّا يشبه الحلم. غالبًا ما تتميز قصص "بوتزاتي" بعناصر خارقة للطبيعة أو سريالية؛ مثل الحيوانات الناطقة، والمنازل المسكونة، والظواهر الغامضة الأخرى. في الوقت نفسه، نجد أن كتاباته متجذرة بقوة في الواقع، وغالبًا ما تكافح شخصياتُه مشكلاتِ الواقع؛ مثل الفقر، والوحدة، والظلم الاجتماعي.
جانب آخر مهم في كتابات بوزاتي هو استخدامه للرمزية؛ إذ يمكن قراءة العديد من قصصه على أنها قصص رمزية أو أمثال؛ حيث تمثل الشخصيات والأحداث قضايا اجتماعية أو سياسية أكبر؛ فعلى سبيل المثال، في رواية "صحراء التتار"، يصبح جندي شاب متمركز في نقطة نائية مهووسًا بفكرة غزو وشيك من التتار ، على الرغم من عدم وجود أي دليل على أن مثل هذا الغزو وشيك. يمكن قراءة القصة كتعليق على جنون العظمة والخوف اللذين سادا أوروبا في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الثانية.

بعض كتابات "دينو بوزاتي"
كان "بوزاتي" كاتبًا غزير الإنتاج، وشملت أعماله مجموعة واسعة من الأنواع والأساليب. ومن أشهر أعماله رائعته "صحراء التتار" (1940) التي تحكي، كما ذكرنا، عن قصة ضابط شاب أُرْسِلَ إلى قلعة صحراوية نائية؛ حيث جرى تكليفه بحماية البلاد من غزو قد لا يأتي أبدًا؛ فيظل طوال حياته مهووسًا بفكرة هذا الغزو. تستكشف القصة موضوعات العزلة، والبيروقراطية، وخيبة الأمل، وعدم الجدوى، والبحث عن السبب والعلة في الحياة. وقد سبق أن تناولنا "صحراء التتار" في موضوع سابق في "الحوار المتمدن".
ويحكي في "الرسل السبعة" (1942)؛ وهي قصة قصيرة، عن سبعة رسل أُرسلوا إلى مملكة بعيدة لإيصال رسالة من الملك. يختلف كل رسول عن الآخر ، ويواجه كل واحد عقبات مختلفة في طريقه إلى المملكة. القصة رمزية قوية عن حالة الإنسان، والبحث عن معنى في الحياة.

تحليل كتابات دينو بوزاتي
تتميز كتابات "بوزاتي" بمزيجها الفريد من الواقعية السحرية والتعليق الاجتماعي. وغالبًا ما تتميز قصصه بعناصر خيالية أو سريالية، تُستخدم للتعليق على قضايا الواقع؛ مثل الفقر، والظلم، والقمع السياسي. لذلك، ترتكز كتاباته على الواقع بقوة، وغالبًا ما تكافح شخصياته ضد المشكلات الواقعية؛ مثل الوحدة، والعزلة، والبحث عن المعنى في الحياة.
ولكن على الرغم من روعة كتاباته، فلم تنج من الانتقاد؛ فقد اتهمه البعض بأنه متشائم للغاية أو ساخر أو حتى عدمي، بينما انتقد آخرون الأسلوب الذي استخدم به الواقعية السحرية باعتباره مفتعلًا جدًا أو مصطنعًا. كذلك طاله الاتهام بالتركيز المفرط على المعاناة الفردية، على حساب القضايا الاجتماعية أو السياسية الأكبر.


ولكن على الرغم من هذه الانتقادات، يجب على نقاده أن يعترفوا بإسهاماته الفريدة في الأدب الإيطالي، وقدرته على استخدام كتاباته للتعليق على القضايا الاجتماعية والسياسية في عصره. كذلك فإن المزيج الفريد الذي قدمه "بوزاتي" من الواقعية السحرية والتعليق على القضايا الاجتماعية كان له تأثير دائم على الأدب الإيطالي؛ حيث تستمر قصصه مطلبًا للقراء ومحورًا للدراسة والبحث إلى اليوم، وكذلك يمكن رؤية تأثيره في أعمال العديد من الكتاب المعاصرين.