هل يمكن ان تنجح وساطة عربية أو دولية في حقن العلاقات المغربية الجزائرية؟


عذري مازغ
2023 / 5 / 29 - 22:48     

لا أعتقد ذلك حتى لو تغير النظام في المغرب حتى لا نقول في الجزائر، وسأتناول الموضوع من زاوية مختلفة ربما لم يتطرف لها أحد. العلاقات بين البلدين في أزمة مزمنة لا يمكن حلها إلا بتغيير ثوري، في المغرب مثلا من الصعب إقناع المغاربة بمقولة حق تقرير المصير، تجدَّر الأمر تاريخيا في المغرب انطلاقا من حقيقة بسيطة جدا في بداية السبعينات: لا يمكن إعطاء 65 الف نسمة حق بناء دولة والحال إذا قبل هذا يمكن أيضا ان تطالب أي مدينة أو أي أي جهة بحق تقرير المصير خصوصا الجهات التي تكبر الصحراء كاملة في كثافة عدد السكان والمدن المعروفة في الصحراء إبان السبعينات لم تكن أكبر من بوادي وقرى صغيرة بالصحراء. الاماكن العروفة حاليا بكونها مدن لم تكن مدنا إلا عندما أعطاها المغرب أهمية كبيرة اكثر من سكان الصحراء الشرقية وسكان الكثير من الجهات داخل المغرب من خلال تكثيف الإستثمار بها والدعم التكافلي (انظروا مثلا إل معبر الكركرات الذي كان فراغا معدما من الحياة، سيصبح قريا مدينة بسبب الدعام والاستثمار).
قلت تكثيف الإستثمار ومؤسسات التكافل من ضرائب سكان "مغرب الداخل" وهي أمور لا يضعها حتى اليساريون في الاعتبار عندما يتكلمون عن حق تقرير المصير وينسون ان اجورهم فيها اقتطاعات لصالح صندوق دعم الصحراء (لا اعرف ما اسمه بالمغرب، لكن اعرف انني عندما كنت اعمل بالمغرب كانت هناك نسبة مئوية تقتطع من أجري لصالح الصحراء).
الكثير من الصحراويين هم مثل الكثير من مغاربة البوادي كانوا رحل قبل تأسيس ما سنسميه تجاوزا بالدولة الحديثة في المغرب، ونتيجة لذلك كان الكثير منهم يعيش اصلا في الداخل المغربي بما فيهم أغلب قيادات البوليزاريو المؤسسين.
في مؤتمر مدريد الذي يؤسس لاستقلال الصحراء وسجل ذلك بالأمم المتحدة باسم المغرب لم تكن جبهة البوليزاريو حينها قد حددت افقها السياسي كما يتبلور الآن عند منظمتها.
يختلف مفهوم الاستعمار أو الاحتلال كما عرفناه في أدبيات التحرر الوطني عنه في علاقة المغرب بالصحراء (وهذا ما تعتقده عناصر الجبهة من المجنسين في الدول الأوربية حين يلجأون إلى المحاكم الأوربية لأجل استثناء المنتوج العام بالصحراء من الشراكات المغربية الأوربية وهو في الحقيقة يرمي أكثرإلى تخصيص فائض من هذا الإنتاج من مناطق الصحراء لمخيمات تندوف بالجزائر وهو ما لن يقبله صحراويي الداخل المنتجين الحقيقيين له).
الاحتلال في المفهوم الكولونيالي هو استغلال موارد منطقة معينة لصالح الدولة المحتلة والحاصل في المغرب هو العكس: تكثيف الاستمار والنماء بالمنطقة أكثر من مناطق فقرت برغم مواردها الغنية في الداخل المغربي، منطقة اخنيفرة على سبيل المثل بالاطلس المتوسط: منطقة غنية بالماء والشجر والمعادن ومهمشة بشكل غريب.
حركة التحرر الوطني (وهنا لا اتكلم عن القومية الناصرية وإن في جزء منها في صراع الصحراء لعبت دورا سلبيا في استقرار المنطقة) كما هي في النصف الاول من القرن الماضي ضلت عن خطها بكل تأكيد: إذا كانت هذه الحركة توحيدية في سياقها العام تحت شعار "معركة الشعوب المضطهدة" أي معركة الشعوب ضد الاستعمار فهي في سياق العلاقة المغربية الجزائرية فقدت هذا المعنى. في المغرب ليس هناك احتلال كما بينا بل به نزاع قومي بين الدولة المغربية ومنظمة البوليزاريو التي تحولت إلى الجمهورية العربية الصحراوية متجاوزة لحقيقة تعدد الإثنيات، (ليست عربية أساسا ولست هنا اعيد تصريح وزير خارجية المغرب) وتحولت بكيف معين إلى كونها الممثل الوحيد للشعب الصحراوي برغم انها تمثل فقط 15% من سكان مخيمات تندوف (حسب معطيات غاضبين من الجبهة، صرجوا في كثير من التسجيلات ان الصحراويين الغربيين الحقيقيين في مخيمات تندوف يمثلون 15% ، وحسب إحصائيات إسبانية غير رسمية، عدد اللاجئين إلى المخيمات في تندوف سنة 1976 لا يتعدى ألفي فرد، وهذا يعني أن عدد 165 أو حتى 200 الف لاجئ الذي يعود لجمعيات خيرية دولية بتندوف غير صحيح).
تزامنت نشاة البوليزاريو مع المد الناصري وهو ما أعطاها قوة في بحر السبعينات حتى منتصف الثمانينات من القرن الماضي، وكان الموقف ليس خلق جمهورية بجنوب المغرب بل إدخال الثورة من الجنوب وهذا هو ما صفق له بعض التيارات اليسارية بالمغرب : الثورة ضد النظام تبدأ من الجنوب المغربي حيث السلطة المركزية للمخزن لم تتعمق بعد. والرهان هذا وبكل موضوعية تمحص له الحسن الثاني حين همش اغلب المغرب لبناء الصحراء وهذا ما تلقفناه في اليسار حين نبرر حق تقرير مصير الصحراء كونها وسيلة للإلهاء على نضالنا اليومي وضياع وقت الثورة وكأننا جاهزون بالفعل، بمعنى ان النظام المغربي يلهينا بقضية الصحراء لإطفاء حرارة الثورة في مناضلينا العمال وان الاعتراف بحق تقرير مصير الصحراء مدخل لتثوير الثورة (وهذه كانت نظرية البومديانية والناصرية والقذافية (ليبيا)والبعثية السورية: تثوير المغرب من الجنوب). تبدو الفكرة مضطربة لكن ضعوني أشرح أكثر:
ــ تبني بعض اليسار موقف حق تقرير المصير كان في الحقيقة ملغوما بخلفية الإطاحة ثوريا بالنظام الملكي:الإرتكازعلى نقطة ضعف المغرب وملكيته، والثورية هنا لم تكن تتركز أساسا على الثورية في بناء وعي بل كانت شكلا من اشكال الإنقلابات، تغيير الحكم باي ثمن حتى لو كان دمويا (انقلاب عبابو والمدبوح واوفقير ومن بعده محاولات الدليمي برغم أن الامر هنا في تحليلي لا يبدو متناسقا). كان المدخل الثوري من خلال بوابة الصحراء بدعم الناصرية والقذافية والبومديانية والبعثية السورية هي انقلاب ببساطة لان الثورة بهذا الشكل لم تتأسس على وعي الشعب على الرغم من ادعائها على انها لينينية (هي في الحقيقة استالينية: تحقيق الهدف بالقوة العسكرية وليس بالإنتظارية وزمن تبلور وعي ثوري)، باختصار: لقد تحولت الثورة على النظام المغربي من الإنقلاب العسكري عليه إلى الإنقلاب العسكري الآخر من خلال خلق جبهة إقليمية مناهضة تحولت فيما بعد بفضل دول اخرى إلى ابتزاز المغرب في منح موارده الطبيعية والاستثمارية لأجل السكوت وليس الاعتراف بمغربية الصحراء.
ملاحظة: لي نظرية عجيبة لا تعجب الكثيرين وسأطرحها كمدخل للحديث عن الجزائر: الغى بومدين صديقه الرئيس بن بيلة بانقلاب خفيف بناء على المقارنة الذاتية: كان بومدين يعتقد انه اكثر تطورا وشطارة من صديقه بن بيلة ونجح في ذلك. في زمن المد الناصري والقوميات العنصرية، نجح بومديان بشكل ما في صناعة وطن جزائري (أقصد قومية جزائرية هي ما يعبر عنها حاليا بالقارة) برغم انها دولة غير متجانسة وتتبنى ايضا مفهوم حق تقرير المصير الذي هي تحجم ان تعطينا مثلا فيه: دولة لقبايل هي اقدم من دولة الجزائر.
تجاوزا لهذا الفهم القومي، الإشتراكية الجزائرية لم تخلق مساواة بين الجزائريين شمالا وجنوبا: الثروات الطبيعية في الوسط والجنوب لكن سكان الجنوب والوسط هم الفئات الفقيرة في الجزائر وهو ما يعني شكل من اشكال الاحتلال : المدينة التي تنتج النفط، على أقل تقدير، هي المدينة التي يجب أن تكون غنية عكس الموضوع في الصحراء المغربية: لعيون التي سابقا لا تنتج شيئا في المغرب هي من اجمل مدن المغرب.
الأزمة البنيوية في الجزائر!؟
عند الحديث حول الوساطة بطرح مشكل خاص: وساطة بين من ومن، يطرح بشكل دقيق سؤال هو: من يحكم الجزائر؟
تبون؟ رئيس جزائري لا يتقن حتى تركيب جملة مفيدة! (لا يهمني هنا موقف مناصريه، يهمني أن أسمع له واحتكم للمنطق واتساءل: هل الجزائريون اغبياء لهذه الدرجة من ان ينتخبوا رئيسا لا يحسن تركيب جملة مفيدة؟
أعتقد أن الجزائر اكبر مني واعتقد ان شعبا من 45 مليون نسمة فيهم أجود ممن يفكر مثلي.
في أمريكا كان أوباما ذي الأصل الإفريقي ذكيا، لاسعا وساخرا أيضا في خطاباته، لكن مشكلته ان نائبه أنذاك كان ضعيفا برغم انه يلعب دور مستشار: انتخبت امريكا شخصا كان في السابق اقل من اوباما: جو بايدن ذي المخ المثقوب
لنسقط هذه المعادلة على الجزائر:
بومديان قوي بشطارته: ازاح بن بيلة، مع القذافي حاولوا حتى إسقاط البورقيبية في تونس.
بن جديد كان متوافقا، لم يكن مسيطرا لكنه كان ذكيا بنسبة ما
الآن تبون: كان ماسحا لاحذية كل رؤساء الجزائر وهو رئيس بدون سلطة إطلاقا .
البنية الازمية تتلخص في : في سياق وجود دولة ملكية بالمغرب، قوية بغض النظر عن موقفي منها، نجد في الجزائر دولة بدون مقومات دولة (دليلي على هذا هو ان وزير خارجية السعودية في الخمسة الايام التي قضاها بالجزائر كان يطمح ان ينجح في وساطة: لم يكن يحاور الرئيس الجزائري المفترض تبون، العكس كان يحاور عسكر الجزائر ولم تخرج حواراته بنتيجة. بشكل يفرض على المغرب الرسمي أن يتعامل مع الموقف: في اي تصالح مفترض سنتفاوض مع الجزائر؟ مع من سننجح مفاوضاتنا؟
والتحديد السياسي، بالنسبة للمغرب لا توجد دولة يمكن ان التفاوض معها في الجزائر بقبول وساطة من عدمها، بمعنى آخر وهو مستفز للنظام الجزائري برغم أن المغرب لا يظهره: ليس في الأفق ما يجعلنا نلتزم اتفاقية ما، ليس هناك هناك ما نتفاوض حوله في غياب دولة وهذا هو صمت المغرب حين لا يرد على استفزازات عسكر الجزائر وأبواقه.