نكبة تتناسل نكبات شكلت نسيج الواقع الكولنيالي الاقتلاعي الصهيوني


سعيد مضيه
2023 / 5 / 29 - 10:07     

ينكرون النكبة ويذكرون بهاكل يوم

يسرد البروفيسور نيفيه غوردون ، نكبة الشعب الفلسطيني احداثا جرت وتركت ذكريات لا تمحى من الوجدان الجمعي الفلسطيني وتتواصل في تصرفات إسرائيل اليومية من قتل وهدم بيوت وتخريب مزارع وورشات عمل، تظل رغم مساعي إسرائيل المحمومة لحظر الاحتفال الجماهيري بالذكرى وشطبه من كتب التاريخ للطلبة العرب. وفي نفس الوقت تعيد إنتاج ذكريات النكبة في تصرفات عنف يومية من قتل عشوائي أو هدم البيوت. في مقالة قصيرة ومكثفة نشرها يوم 15 أيار / مايو، يجمل الهدف المزدوج لإسرائيل ، "هذه الاستراتيجية واضحة: التأكيد من خلال التصرفات اليومية للعنف ان الفلسطينيين موضوع مطاردة من قِبل النكبة، كي لا ينسوا ما تستطيع إسرائيل عمله ؛ وفي نفس الوقت ، على كل حال، تبذل الدولة كل جهد لمنع الشعب الفلسطيني من تقرير كيف يتذكر هذا التاريخ بشكل عام ، كي لا يستخدم أنماطا من الذكرى تحرض الناس ضد الحكم الكولونيالي. يجمل الأكاديمي الإسرائيلي نيفيه غوردون، الذي يعيش بالخارج الواقع الكولنيالي: " إسرائيل ، على كل حال ، ليست معنية حقا لفرض فقدان ذاكرة اجتماعي حول أحداث 1948 ، إنما هي تهدف الى تشكيل الذاكرة الفلسطينية والتحكم بها".
يقول نيفيه غوردون:
في الذكرى الخامسة والسبعين لنكبة الشعب الفلسطيني يبدو من المنطقي التفكير حول أن أحداث النكبة عام 1948 شكلت ليس فقط تاريخ الشعب الفلسطيني ـ بل وكذلك الواقع الكولنيالي الراهن. بالنسبة للشعب الفلسطيني النكبة "شأن شبحي"- نستعمل مفهوما طرحه أستاذ علم الاجتماع آفري غوردون. غدت النكبة قوة سيكولوجية تزداد مطاردتها للحاضر.
المطاردة ، كما يوضح غوردون، إحدى السبل من خلالها تواصل اِنماط سلطة الاضطهاد بقاءها موضع معرفة في الحياة اليومية .
النكبة- اقتلاع 750000 فلسطيني من بيوت الأجداد وتدمير 500 قرية وبلدة – ليست ببساطة حدثا حصل قبل 75 عاما خلت.
فكما يصر العديد من ابناء الشعب الفلسطيني ، فالنكبة أيضا سيرورة مستمرة تتميز بأشكال دائمة من عنف تجيزه الدولة. إنها شيء تواصل القوى الصهيونية ممارسته. حقا ، ففي كل مرة يعدم فلسطيني على أيدي القوات الإسرائيلية المسلحة ، او كل بيت يهدم بعد ان استغرق تشييده سنوات،هذا التصرف النوعي من العنف لا يصدم وحسب، بل يستدعي ذكرى النكبة.
استمرارية النكبة تبدت في شهر فبراير/ شباط ، حين نفذ المستوطنون اليهود مذبحة في البلدة الفلسطينية، حوارة ، وبدلا من التنديد بالجريمة ، تذمر وزير مالية إسرائيل بيزاليل سموتريتش، من ان على القوات المسلحة، وليس المواطنين الإسرائيليين فقط، إبادة قر ى فلسطينية ومسحها من الوجود.
غير ان استرتيجية دولة إسرائيل لإبداع ذكريات جديدة للعنف بين الفلسطينيين، ومن ثم تبقى النكبة حضورا مستمرا تناقض ، على ما يبدو، سياستها الرسمية إنكار حدوث نكبة .

المسئولون الرسميون في إسرائيل والنشاطي المؤيدون لإسرائيل رفضوا مرارا المفهوم ، ينعتونه " اكذوبة عربية" و "تبرير للإرهاب". كما سعت السلطات الإسرائيلية كذلك لاستئصال كل رجوع عام الى النكبة .
ففي العام 2009 حظر وزير التعليم الإسرائيلي من المنهاج المدرسي استعمال الكلمة للأطفال الفلسطينيين.
وفي العام 2011 أقر الكنيست قانونا يحظر على المؤسسات إقامة مناسبة تذكِّر بالنكبة . هذا القانون هو بالفعل تعديل ل "قانون جوهرالموازنة" ، و يدمج كل احتفال بذكرى النكبة – لنقل في مدرسة عليا بمدينة الناصرة- بالتحريض على العنصرية والعنف والإرهاب ورفض دولة إسرائيل دولة ديمقراطية ويهودية.
بكلمات، تعتبر دولة إسرائيل الجهود الفلسطينية للاحتفال الواعي بالنكبة والاحتفاظ بذكراها حية في الوجدان الجمعي أمرا شديد الخطورة ، وهو بالنتيجة مصمم لإنزال العقوبة بأي شخص يشارك في مثل هذه الاحتفالات .

إسرائيل ، على كل حال ، ليست معنية حقا لفرض فقدان ذاكرة اجتماعي حول أحداث 1948 ، إنما هي تهدف الى تشكيل الذاكرة الفلسطينية والتحكم بها .
هذه الاستراتيجية واضحة: التأكيد من خلال التصرفات اليومية للعنف ان الفلسطينيين موضوع مطاردة من قِبل النكبة، كي لا ينسوا ما تستطيع إسرائيل عمله ؛ وفي نفس الوقت ، على كل حال، تبذل الدولة كل جهد لمنع الشعب الفلسطيني من تقرير كيف يتذكر هذا التاريخ بشكل عام ، كي لا يستخدم أشكالا من التذكر تحرض الناس ضد الحكم الكولونيالي.

الاستراتيجية واضحة، التأكيد من خلال تصرفات يومية من العنف كي يبقى الشعب الفلسطيني مطاردا بالنكبة ، كي لا ينسوا ما تستطيع إسرائيل عمله؛ في ذات الوقت ، على كل حال، تبذل الدولة كل جهد لمنع.
هذه السياسة المتناقضة – متذبذبة ما بين الذاكرة والذكرى، حيث الذاكرة يعاد إنتاجها باستمراروالذكرى تحظر –تعتبر مكونا جوهريا لمنطق المستوطنين الكولنياليين، هدفه أن يشطب بالعنف تاريخ وجغرافيا الشعب الأصلي لكي يبرر اقتلاعه وإحلال المستوطنين بدلا منه.
إن إخماد النكبة كحدث تاريخي جدير بالذكرى هو جزء من مجهود إسرائيلي لعكس تاريخ الاقتلاع الكولنيالي. خشية إسرائيل من ان احتفالات النكبة سوف تقوض الرواية الصهيونية التي تصور المستوطنين اليهود ضحايا دائمين للعنف الفلسطيني ، وتكشف ، بدلا من ذلك الأشكال المرعبة للعنف الممارس من قبل القوات الصهيونية عام 1948، وما زالوا يمارسونه حتى إنجاز هدفهم.
بكلمات، تهدف إسرائيل أيضا التحكم في رواية التاريخ كي تقدم الإطار الأخلاقي الصهيوني.
مهما يكن هذا الهدف مصيره الفشل ؛ فإسرائيل قد تحظر على مواطنيها الفلسطينيين ان يشهدوا ذكرى أحداث عام 1948 باحتفالات جماهيرية، غير ان النكبة، بالنسبة لهم ولإخوانهم المشتتين في أرجاء المعمورة، لن تموت، ليست ماض مضى .

طالما ان المشروع الإسرائيلي لاستئصال فكرة الأمة الفلسطينية – إما عن طريق المجازر، التطهير العرقي أو حصر مجتمعات الفلسطينيين بين مستعمرات وفي غيتوهات- لم ينجز بالكامل او ، بدلا من ذلك ينجز الفلسطينيون حق تقرير المصير، يلغون بالكامل المشروع الإسرائيلي، فإن النكبة سوف تواصل خدمة الحضور الشبحي وجزءا دائما لا ينفصل من التركيبة الكولنيالية الإسرائيلية . النكبة لا يمكن تجاوزها إلا بعد أن يبلغ المشروع الكولنيالي الاستيطاني نهايته.