الحلم (2)


فلاح أمين الرهيمي
2023 / 5 / 25 - 12:24     

بعد الانتهاء من إجراء الامتحانات المدرسية دعاني صديقي أحمد لقضاء يوم في القرية التي يسكن ويعيش بها مع عائلته وفي صباح أحد الأيام ركبنا سيارة باص من الخشب ذهبت بنا إلى القرية التي يسكنها أحمد فذهبنا إلى بيتهم المشيد من الطابوق في أحد البساتين وبعد الانتهاء من تناول الغداء ذهبنا في جولة إلى القرية التي كانت بيوتها مشيدة من سعف النخيل أو الطين وكانت طرقها غير معبدة ومحفورة ويتطاير منها الغبار وجلسنا في مقهى وتناولنا الشاي وكانت أسرة المقهى وكراسيها من سعف النخيل والأفرشة قذرة أيضاً وأثناء تجولنا في القرية شاهدت الأطفال حفاة وملابسهم رثة يتغوطون في الطريق وعلامات الجوع والفقر والجهل والأمية والمرض على وجوههم التي لم تلامس الماء وكانت الحيوانات مثل البقر والماعز والخرفان والكلاب تعيش مع الناس في بيوتهم في المساء وفي الصباح تسير وتتجول في الطرقات تأكل من الزبل والحشائش المنتشرة على جانبي الطرقات وقبل المساء عدت وصديقي أحمد إلى بيتهم في أحد البساتين ثم تناولنا العشاء وقضينا وقت مع والد وأخ أحمد ثم ذهبت إلى غرفتي المخصصة لي للنوم فيها وكان ينتشر في الغرفة (البق والذباب والحرمس) الذي منعني من النوم وجلست على السرير وأنا أفكر بالبشر الذين شاهدتهم في القرية وإلى الأكواخ المشيدة من سعف النخيل وحياتهم البائسة وانتشار الأمراض والجوع والفقر والجهل والأمية حيث لا يوجد في القرية مدرسة لتربية وتعليم الأطفال وإنقاذهم من الجهل والأمية وكذلك لا يوجد في القرية مستوصف صحي يعالج المرضى من الأطفال وغيرهم من البشر الذين يعيشون في القرية .. وكان معي كتاب عن قصة الفيلسوف فاوست الذي باع عمره للشيطان بأن يعيده إلى الشباب والتمتع بها للكاتب الألماني نيتشه ... وبعد الإرهاق والتعب سلمت نفسي إلى النوم ... فشعرت أن حركة بقربي وعندما فتحت عيني وجدت الشيطان يقف بجانبي مبتسماً وهو ينظر نحوي فغضبت ولعنته وقلت له : ماذا تريد مني وأيقظتني من النوم في هذا الوقت ؟.. فقال لي : شعرت وعلمت أنك كنت تفكر بأهل القرية وحياتهم البائسة التي كانت تعيش مع الحيوانات والجهل والبؤس والأمية منتشرة بينهم وبيوتهم من سعف النخيل لا تصلح حتى للحيوانات وأنا الآن جئت إليك لمساعدتك والتعاون معك على تشييد البيوت من الآجر والاسمنت وتبليط الشوارع بالمرمر والقير بلمح البصر ... فقلت له : ماذا تريد مني وما هي شروطك ؟.. فقال لي : تذهب إلى أهل القرية وتخبرهم بأني عملت ذلك بمساعدة الشيطان ... فقلت : له لعنك الله كيف أقول ذلك ؟.. فقال لي : إنك مصلح وتريد الخير والسعادة إلى الناس اذهب لهم وضحي من أجل سعادتهم وراحتهم ... فقلت له : أمهلني عدة أيام لأشاهد فيها حياة وأحوال أهل القرية ... فوافق على ذلك وغادرني ... وفي الصباح ذهبت إلى أحد البيوت ودخلت عليهم فوجدت الكراسي والأسرة والأفرشة الفاخرة والأرض مفروشة بالقطع الراقية ورأيت الماعز والخرفان والبقر على الأسرة والقطع على الأرض والدجاج والبط على الكراسي والأفرشة الفاخرة وهي تتغوط وتتبول عليها ... فغادرت البيت إلى بيت آخر فشاهدت الرجل وزوجته على سرير من الألمنيوم والخشب وعليها الفراش الفاخر وشاهدت الزوج يمسك إناء فيه (دبس) والزوجة تمسك إناء من (اللبن) ويأكلان منهما ويمسحان أيديهما بالفراش ويتطاير الدبس واللبن على الفراش فغادرتهم إلى بيت آخر فوجدت الكلاب والقطط والماعز على الكراسي والأسرة الفاخرة فغادرتهم إلى بيت آخر فوجدت فوضى وشجار بين الزوج والزوجة ... يطلب الزوج من زوجته أن تغادر البيت من أجل أن يتزوج بفتاة صغيرة العمر عن طريق إغراءها بالمال فغادرته إلى البيت الذي أسكن فيه مع أحمد وفي المساء جاء الشيطان يطلب مني الخروج إلى الناس وإخبارهم عن العمران والسعادة لهم أنجزت بمساعدة الشيطان ... فقلت له : (أنا لا أريد التغيير بالبناء والهيكل والشوارع التي ازدحمت بالحيوانات ... وإنما أريد تغيير النفوس) كيف يعيش هذا الإنسان وينظم حياته والرعاية والعناية بأطفالهم ونفوسهم ونظافتها وحمايتها من المرض والعلم والمعرفة والثقافة لدى البشر ... فغادرني وذهب.