مشكلة الهوية داخلية


عذري مازغ
2023 / 5 / 23 - 22:11     

ضد المواقف العنصرية ضد العرب كتبت هذا الموضوع
كاميلو خوسي ثيلا الحائز على جائزة نوبل للآداب، يقول القوميون الكاستيانيون أنه كاستياني، تقول الدولة العميقة إسباني، لكن في كل الأحوال المسألة هكذا في سياق دولة دستورها يحدد حق التنوع، فالوطن هو الإطار العام وهو دولة إسبانيا في سياق تاريخي معين آني (قد تتغير الأمور لو قسمت إسبانيا مثلا والتقسيم هذا إذا حصل سيعني موت الدولة الإسبانية )، هذا الإشكال لا يفهمه الكثير من ضفادع القوميات الجديدة التي تعود للتاريخ لتنسب عملا ما إلى جزء محلي خالص، رغم أن الأمر لن يكون كذلك لو لم يحاط يظروف تاريخية خاصة، ابن خلدون مثلا: ولد في تونس، درس في الأندلس، وعاش في المغرب فاس: التونسيون يقولون هو تونسي، المغاربة كذلك وحتى الاندلسيون والحقيقة أنه ابن الدولة المرينية، ليس لا من تونس الحالية ولا المغرب الحالي ولا الاندلس الحالي بل هو ابن حكمته هو نفسه: "لكل زمان دولة ورجال ومقام "، هذه المقاربة لا تحضر عند القوميين بتنوعهم، لكن ابن خلدون هو المشترك لكل هذه الدول ولا يحتاج الأمر إلى خصام ونزاع وتعصب حول أصله وفصله والكثير من الأمثلة تكرس هذا المشترك، "باب المغاربة" بفلسطين، يمكن اقتباس مصطلح آخر هو التعبير الحقيقي لهذا الباب، باب الموحدين،لكن الأمر اكتسب مدلولا للتمييز لأثر فعل تاريخي لما يسمى بالمغرب الإسلامي وهي كل دول شمال إفريقيا التي ضمتها الإمبراطورية الموحدية في دولة واحدة وهي المغرب الحالي، الأندلس الحالية، تونس الحالية والجزائر الحالية وطبعا لا تدخل الأندلس في هذا الجدل بسبب طرد المسلمين منها واصبحت مسيحية، لكن الحقيقة أن الموحدين جمعوا جندهم لدعم فلسطين من كل هذه المناطق المغاربية.(جمعوا العدة العسكرية من تونس حتى الاندلس سواء بالجند أو بالدعم المادي الآخر)
مناسبة هذا الجدل هو ما أثير حول الطفلة المغربية "ملكة الرياضيات".
المسابقة إفريقية والفائزة إفريقية باعتبار المغرب دولة إفريقية (قارية القومي)، هذا هو الإطار العام. الطفلة من حيث واقع الجغرافية هي مغربية إفريقية وليست أكثر من هذا، في سياق الحمَّام البيئي من حيث التحديد الرسمي للدولة المغربية هي أمازيغية، إفريقية، عربية مسلمة.نعم هي امازيغية أصيلة والذي يحددها كعربية هو دستورنا (المسألة هي جدل داخلي حول الهوية ليس للمشرق فيه أي دخل )
المغرب من حيث هو دستوريا دولة أمازيغية عربية لا يلزم ذلك النقد المثار حول من صنفوا الفتاة كونها عربية، المشكلة هنا مغربية أساسا وليست مشكلة المشرق والمشارقة، مشكلة المشارقة هو انهم لقفوا الأمر: لقفوا أكلا امازيغيا على انه عربي: النظام السياسي في المغرب هو من حدد على أننا عرب لأسباب تخدم ديمومته وليس العرب هم من حددونا على أننا عرب والكثير من العرب أنفسهم يعرفون هذه الحقيقة،وحتى لو كانت الفتاة من أمازيغ الجزائر أو تونس او ليبيا سيقال من جهة المشرق : "فازت العربية"، المشكلة فينا، في أنظمتنا السياسية التي لأسباب تاريخية وجيوسياسية ألبستنا هذه الهوية، والمسألة بشكل عام تقرأ في سياقها التاريخي وليس في سياقها الهوياتي الذي كما أشرنا في سياق الحديث عن صاحب جائزة نوبل الإسباني، واستئناسا بالأمر، وفي التحديد الضيق للقومية، فالفتاة سوسية (امازيغ سوس)، بالمفهوم الأكثر ضيقا هي أشتوكية من اكادير المدينة الجميلة بالمغرب، لكنها تمثل المغرب بكل تنوعاته الإثنية.
باب المغاربة بفلسطين يمثل ارثا تاريخيا مشتركا للدولة الموحدية وهذا ردي على اولئك الذين جزروه (من الجزائر) او مغربوه (من المغرب) او تونسوه (من تونس) وطبعا الاندلسيون الحاليون لم يثيروا الامر كما عندنا عند الذين تجبرهم النزعة القومية الفاشية ان يروا الأمر مشتركا ليروه مغربيا خالصا او جزائريا او تونسيا.
التاريخ والتأريخ اصبح في قرننا مادة علمية لا تصلح ان تؤدلج إذ اردنا تناول الكثير من موضوعاته بموضوعية علمية بشكل أصبح التاريخ المدرس في التعليم قابل للقلب النيتشي: تفكيك الموضوعة من خلال الأسئلة المحرجة ومن خلال الحفريات والنقائش والوثائق التاريخية والتساءلات الفلسفية (البحث عن الحقيقة من خلال القلب والمساءلة بما فيها القراءات الضددية للوثيقة التاريخية ومقارعتها بالتضاد من وثائق أخرى من خلال مقارنة الغالب والمغلوب في الصراع التاريخي القديم) .
يرتبط المغاربة بالدين بسبب الجغرافية والمناخ، فقساوة الظروف والعيش تجعلهم يرتبطون مثل الشعوب الأخرى بقوى غيبية سواء في القدم قبل الديانات التوحيدية أو بعد الديانات التوحيدية والغالب أن هذا الرباط مترسخ حتى في طريقة تكيف هذه الديانات مع الديانات ما قبلها من الديانات الوثنية، إن أساس الوجود هو العيش والسلام وإذا كان السلام شأن ذاتي من خلال ضمانه بالتكتلات مثل العيش في جماعة الذي تضمنه الجامعة (الأسرة ثم العشيرة ثم القبيلة ثم العصبية القبلية من خلال التكتلات) فإن مسالة المناخ وعلاقته بالعيش (بالإنتاج) هي مسألة لا قدر للقبيلة او التكتل في ضمانها، وعليه نتج هذا الميل إلى وجود قوة غيبية يجب تثمينها من خلال طقوس معينة طلبا لسلام آخر غير السلام الذي تصنعه القوة البشرية، تاريخ المغرب (في السياق تاريخ شمال إفريقيا)مليء بالكوارث الطبيعية: جفاف، مجاعات، أمراض بيئية مثل الكوليرا وغيرها، امور أخرى، كلها عوامل ساهمت في خلق الفطرة الدينية لدى الإنسان المغاربي ولغتنا تحفل بهذه المضامين: مضامين الخوف من أي جحيم: "البراد" هو الإبريق عندنا، لكن اتخذ اسم البراد تيمنا بالبرد والبرودة ضد الحر والحرارة والكثير مما في لغتنا هو مأخوذ بالضد، لذلك، ربما لا يفهم المشارقة لغتنا الدارجية برغم أنها تبدو عربية: إنها لغة منفلتة من دلالتها في اللغة الأصلية إلى عكسها بشكل يلزمنا اأن نبحث في هذه الظاهرة (بعض المشارقة من مصر بحث في هذا الأمر، أقر بوجود كلمات عربية قديمة وظفت في المغرب بعكسها، ومن خلال ثقافة القومة المهيمنة رأى في الأمر تأصيل اللغة العربية ولم يرى فيها عقل مختلف من قيل عقل لغة امازيغية: العافيث في الأمازيغية هي النار وفي العربية هي الصحة والسلامة فمصادفة اشتراك الكلمة في حروف أصلية لا يعطينا الحق في كون الكلمة ذات أصل محدد بل في كون ان الكلمة ذات منطق مختلف، منطق اللغة العربية ومنطق اللغة الامازيغية وهذا ليس موضوعي الجدلي هذا.
عودة إلى الطفلة "ملكة الرياضيات" قلنا أن المشكل داخلي وليس مشكل المشارقة، هي بالفعل أمازيغية وليست عربية، لكن السياق الذي يحدد انها عربية هو سياق استراتيجية النظام المغربي نفسه الذي يعرف الدولة المغربية على أنها دولة عربية أولا ثم بعد سنوات من النضال الحركي الامازيغي انتزع على ان دولتنا عربية وأمازيغية، ثم علاقة بأمور استراتيجية أخرى ارتبطنا حتي بالصهيونية.
يمكن فهم السياق الجيوسياسي للنظام المغربي في تبني الهوية العربية وهو سياق يربطه بالدين كمحدد هوياتي في ارتباطه بالعربية على نقيض المفارقة الاخرى : ربط التدين بالمناخ ومن خلاله بالقوى الغيبية بشكل ترسخها كعقيدة (ترسخها كعقيدة في المغرب الوثني قبل أن تترسخ كعقيدة في المغرب الديني من خلال الديانات السماوية الثلاث: اليهودية ثم المسيحية ثم أخيرا الإسلام). ظاهرة الجفاف وحدها يمكنها ان تخلق شعب يومن بصلاة الاستسقاء الإسلامية، وقبلها كانت عاداة أخرى لا زالت إلى يومنا هذا من المغرب الوثني (ظاهرة أغنجا وهو صلاة استسقاء موروثة من المغرب الوثني او ظاهرات سوسيوقافية أخرى ك"تامزوزرت" طقس "الحجاية": حاجيتك ماجيتك بأن كذا وكذا (طقس ثقافي في طلب المطر وظاهرة "الحدوثة" كطقس في طلب الشمس ونقصد بها حكاية خرافية جميلة تنتعش بها ذاكرة الطفولة كقصة المراة التي رأت مديد شعرها في البئر أو التي يشبه وجهها وجه القمرفي البئر وهي قصص تستحق الدراسة حقا) .
خلاصة: المشكلة في اننا عرب راجع بالأساس إلى ان دولتنا هي من تبنت الهوية العربية: مشكل داخلي وليس مشكل مشرقي (في هذا السياق لا أنكر التأير العربي الإسلامي على المغرب الذي من نتائجه تبني أي حزب أو أي جمعية أو أي مؤسسة اجتماعية الهوية العربية للمغرب، في هذا السياق أستحضر مقولة ابن خلدون بتعبيري الخاص: "الشعوب على دين حكامها".
الخلاصة الثانية هي أني شخصيا أتبنى موقف الاختلاف والتميز: لسنا مشارقة ولسنا أيضا مغاربة (نسبة إلى الغرب الأوربي ) بل نحن شعب مختلف عن هؤلاء وأولئك. نحن امازيغ محليا، افارقة قاريا، عربا ومسلمين بحكم التأثير التاريخي.
لم اتكلم عن التأثير الفينيقي الذي في حكمي ليس له اي أثر، الفينيقيون تجار، احتلوا أو اكتروا مناطق شاطئية لرسو أفلاكهم التجارية والدليل هو مدينة قرطاج: بنيت بالخشب وحرقها الرومان ببساطة .
عودة إلى كاميلو، هو كاتب إسباني نال جائزة نوبل من كاستييا دي لامانتشا، سرق أو هناك قضية مفتوحة حتى الآن في القضاء الإسباني حول سرقته لرواية "كارمن، كارميلا، كارمينا" التي نشرها تحت عنوان: "صليب سان أنريس"، لم يحسم فيها القضاء الإسباني حتى الآن .