حول ارتباط الحزب بالجماهير / جزء 1 من 2 / بقلم خوان باجانا / ترجمة مرتضى العبيدي


مرتضى العبيدي
2023 / 5 / 23 - 00:39     

معطيات أساسية
إن أحد الموضوعات الحاضرة دوما في النقاشات هو ارتباط الحزب بالجماهير. وهو أحد الشروط الرئيسية لاعتبار منظمة ما ماركسية لينينية أم لا.
تؤكد الماركسية اللينينية، القائمة على المادية التاريخية والمادية الديالكتيكية، بشكل قاطع أن الجماهير هم صانعو التاريخ، وأنهم صنّاع التغيير الذي يحدث في المجتمع، وأن هذا الدور، دور الصنّاع، يتحقق عندما تبلغ الجماهير الوعي الثوري، وعي لا يمكن الحصول عليه إلا من خلال العمل التربوي والعمل الأيديولوجي والسياسي الذي تؤمّنه المنظمة الثورية.
إن هذا المفهوم لدور الجماهير يتعارض بالطبع مع تصورات البرجوازية والبرجوازية الصغيرة، التي تضع في المقدمة وكعامل فريد تقريبًا، دور الفرد، مع إعطاء الجماهير دورًا ثانويًا.
لقد قيل بشكل جيد إن الجماهير هي التي تنجز الثورة، لكنها تحتاج إلى الدور القيادي للحزب الشيوعي لإنجازها. كما تم التأكيد على أن الحزب الشيوعي، بدون مشاركة الجماهير تحت قيادته، لن يكون قادرًا أيضًا على أداء مهمته التاريخية. ولهذا أصر الرفيق رافائيل لاريا على أن "الجماهير بدون الحزب الشيوعي لن تكون قادرة على القيام بمهمتها التاريخية، كما أن الحزب بدون الجماهير لا يمكنها القيام بالثورة".
التماهي مع الجماهير، إحدى المهام الأساسية للحزب
إن حزبناPCMLE، من أجل أداء دوره الريادي، والأكثر من ذلك، من أجل تنظيم وإنجاز الثورة البروليتارية، قد حدد لنفسه هدف تحقيق أحد الشروط التي لا غنى عنها للارتباط الصحيح بالجماهير، ألا وهو كسب جماهير كبيرة من الطبقة العاملة الى المواقف الثورية فكرا وعملا.
في الفقرة 12 من وثيقة إعلان المبادئ للحزب، تمت الإشارة الى الكيفية التي ننوي بها، نحن الشيوعيين، الارتباط بالجماهير؛ كما أنها تحدد عناصر ارتباطنا الأيديولوجي والسياسي والتنظيمي.
وبالمثل، تُفصّل المادة 43 من النظام الأساسي لحزبنا المهام التي على الخلية الشيوعية أن تقوم بها من أجل إقامة اتصال صحيح بين الحزب والجماهير في قطاع ملموس.
هذه العناصر التي تم إقرارها للخلية، من المفروض أن تمكّن المناضل من تجسيد الصلة بينه وبين الجماهير، أي المشاركة الكاملة والفعالة للشيوعيين في قطاع جماهيري، في المنظمات، من خلال أداء دورهم القيادي على وجه التحديد.
الصلة بين الحزب والجماهير، مهمة دائمة وذات أولوية
إن خبرات السيرورات الثورية، خاصة تلك التي أنجزها الماركسيون اللينينيون، تمنحنا جملة من الدروس وتكشف عن عناصر مختلفة ساهمت ولا تزال تساهم في إنشاء وتطوير الخط الجماهيري وفقًا لمفاهيم البروليتاريا الثورية.
لطالما تم التأكيد، ونكرّر تأكيد ذلك الآن، على أن الماركسية اللينينية ليست عقيدة، وليست صيغة أو وصفة يمكن تطبيقها ميكانيكيًا. على العكس من ذلك، فإن الطابع الإبداعي للماركسية ممكن إذا تم تطبيقها بتقدير صحيح للواقع، مع مراعاة الخطوط العامة والخاصة لنضال البروليتاريا الثورية.
ومن أجل الارتباط الصحيح بالجماهير، يجب على الحزب، على جميع المستويات، أن يعرف دائمًا ويتقن بالكامل الأهداف الاستراتيجية والتكتيكية، التي يجب أن تنبثق من التحليل الماركسي للواقع العام والخاص. وبالمثل، لتحقيق هدف كسب الجماهير، من الضروري معرفة كيفية تحديد السياسات وأشكال التنظيم الثورية ونضال الجماهير، وكذلك تكوين منظمة تعمل وفقًا للمفاهيم والمعايير الماركسية- اللينينية.
خلال الندوة الثانية لحزبنا المنعقدة في أغسطس/آب 1983، من بين القضايا المتعلقة ببناء الحزب، تم تدقيق المفاهيم الماركسية لعلاقة الحزب بالجماهير، التي تمّ تشبيهها بحركة البحر، "حيث أنه في اللحظة التي تنتهي موجة، تولد موجة جديدة"، أي أن عملنا صلب الجماهير يجب أن يكون مستمرّا.
بعض العناصر الرئيسية التي يجب أخذها في الاعتبار
إن كسب الجماهير، أي إبعادها عن السيطرة الأيديولوجية التي تمارسها البرجوازية وجذبها نحو الأفكار الثورية، وكذلك جعلها عناصر فاعلة في النضال والتنظيم الثوريين، يتطلب عملا مخططا ومستمرا ومنهجيا ونشاطا دائما، ينطلق من العناصر الاستراتيجية والتكتيكية التي حددها حزب الطبقة العاملة للنضال السياسي الثوري.
وهذا يعني أن الجماهير يجب أن تعرف باستمرار محتوى الثورة البروليتارية، وما تعنيه، ومزاياها للطبقات العاملة؛ في الواقع، يجب أن يأخذ هذا العمل في الاعتبار الالتباسات والتصورات الخاطئة التي خلقتها البرجوازية حول الاشتراكية والشيوعية، من خلال أشكالها وأنماطها المختلفة.
من الضروري توضيح أن الاشتراكية، كمرحلة أولية للشيوعية، لا يمكن أن تتحقق إلا بوجود الطبقة العاملة في السلطة، من خلال انتصار الثورة البروليتارية، التي تعني القضاء التام على الرأسمالية. يجب التأكيد على أن هذا الهدف لا يمكن تحقيقه ما دامت البرجوازية في السلطة.
لتأكيد أفكارنا، يجب أن نظهر ونثبت أن الأزمة العامة للرأسمالية غير قابلة للحل، وأنه لا يمكن تغيير هذا الواقع إلا بانتصار الثورة. علاوة على ذلك، علينا أن نستثمر الأزمات الاقتصادية الدورية والإجراءات التي تتخذها البرجوازية للتغلب عليها، لإظهار أن البرجوازية لا تعطي سوى بدائل لصالح المستغِلين وأنهم وحدهم قادرون على التعافي من تبعات الأزمة هذه، باستخدام القمع والاستغلال المفرط للطبقة العاملة والشعوب ككل.
في كل لحظة يجب أن نقارن بين ماهية الرأسمالية ومزايا الاشتراكية. ولهذه الغاية، يجب أن نستعيد إنجازات الثورة البلشفية في روسيا والثورة البروليتارية في ألبانيا، تلك التي حققها العمال في جميع المجالات، أثناء وجودهم في السلطة، تحت قيادة الشيوعيين.
يجب أن نقول للجماهير إن انتصار الثورة البروليتارية هو مهمة ممكنة؛ وإن اتجاه الأحداث دائمًا ما يكون موجهًا نحو التغيير، وإن الظروف الصعبة التي نعيش فيها في ظل الرأسمالية تتطلب التغيير، وإن إجراءات حقيقية وتغييرات معينة لا يمكن أن تأتي إلا بنضالات الطبقات الكادحة ذات الموقف الثوري. إن البرجوازية لم تعد تطمح لإقامة نظام جديد، بل إنها تدافع بكل ما لديها من قوة عن الرأسمالية، وهو نظام قمع واستغلال للجماهير الواسعة لصالح أقلية.
محاربة التيارات الانتهازية والمعادية للماركسية
من أجل كسب الجماهير بهدف تنظيم وإنجاز الثورة البروليتارية، يجب علينا نحن الشيوعيين أن نتصدى ونهزم المفاهيم التي تروجها البرجوازية علانية؛ ولكن في نفس الوقت، علينا أن نواجه ونعالج جملة من المفاهيم غير البروليتارية، التي يتنكر أنصارها في زيّ يساريين وثوريين وحتى شيوعيين.
فهم يقومون بنشر جملة من المقاربات والمقترحات التي تستند إلى مفاهيمهم الطبقية، من مواقف للبرجوازية والبرجوازية الصغيرة، ومن خلال سياسات مختلفة، عبر المنظمات السياسية التي تمثلهم. هذه المفاهيم، التي تتراوح من إنكار الدور القيادي للجماهير إلى بث الوهم لدى هذه الجماهير لتعزيز المشاريع التي، تحت غطاء التغيير الاجتماعي، لا تفعل شيئًا سوى تزيين الرأسمالية أو محاولة إعادة تشكيلها من خلال بعض "الإصلاحات".
أظهرت التجارب الأخيرة لما يسمى باشتراكية القرن الحادي والعشرين، التي يغطيها مصطلح التقدمية، أنه في مواجهة رغبة الشعوب في التغيير، ستسعى البرجوازية دائمًا، وستجد في كثير من الأحيان، طرقًا للتشويش والتشويه والخداع. من أجل تحويل نضال المستغَلين نحو الحفاظ على الرأسمالية كنظام مهيمن.
من ناحية أخرى، نجد مفاهيم وممارسات مجموعات البرجوازية الصغيرة المتطرفة التي تسعى، على أساس الإرادية والذاتية، إلى اصطفاف الجماهير وراء المشاريع السياسية المغامرة والإصلاحية، التي لا تقيم وزنا للمسارات الحتمية التي يجب أن تمر من خلالها التغييرات الثورية التي تقودها الطبقة العاملة، ولا تقبل بها.
في مواجهة كليهما، يجب علينا نحن الماركسيين اللينينيين أن نطوّر الصراع الأيديولوجي بين الجماهير من أجل أن ننير دربها ونمنحها وعيًا ثوريًا كاملاً من خلال النظرية الثورية، وفي خضم تطور الصراع الطبقي.
هذا ما يفرض علينا ألا نتعامل مع الجملة التي تؤكد أنه "بدون نظرية ثورية لا يمكن أن توجد حركة ثورية"، كمجرد شعار، بل كحافز دائم للاستيعاب الكامل للماركسية اللينينية، في صفوف الحزب الشيوعي، وكشرط لا غنى عنه لكسب الجماهير بطريقة أو بأخرى على المستوى الأيديولوجي والسياسي والتنظيمي.
تطوير الصراع الطبقي في البنية الفوقية لكسب الجماهير
لقد تمت الإشارة إلى أن الطبقة الحاكمة تستخدم البنية الفوقية لتأكيد وتقنين مصالحها. إن البرجوازية تفرض تصوراتها كطبقة بواسطة البنية الفوقية ومن خلالها. من خلال التعليم والفن والثقافة والدين والسياسة والقانون والعديد من العناصر الأخرى، يتم تشكيل طريقة تفكير الناس وهيكلتها، أي طريقة فهمهم وقبولهم للواقع.
في المرحلة الحالية للرأسمالية، عصر الإمبريالية، حيث لا تقدم الأزمة العامة للرأسمالية حلاً فعالاً للمشاكل التي تواجه الشعوب، ومن أجل الحفاظ على سيطرتها على الجماهير، تشدد البورجوازية على عملها بدقة في تعزيز البنية الفوقية التي تسمح لها بربط المستغَلين بمفاهيمها الأيديولوجية والسياسية.
إنها تؤكد، بوسائل مختلفة، على توسيع أفكار الانتهازية والخضوع والبراغماتية، وكذلك على اللاسياسة واللاحزبية، وعلى القانونية، والسلمية، والعديد من الأمور الأخرى التي أدت بالجماهير إلى الاستسلام والسجود في وجه الرأسمالية.
بالنسبة للشيوعيين، من أجل كسب الجماهير للثورة البروليتارية، من الضروري تطوير الصراع الطبقي في البنية الفوقية، حتى وإن كانت هذه تتطابق مع البنية الاقتصادية، التي تحددها البرجوازية الآن، فإنه يبقى بإمكاننا، بل ويجب علينا، تقديم مشاريع ديمقراطية ويسارية في مجالات السياسة والتعليم والثقافة والفنون.
إن البرامج والمشروعات والأعمال التي يتم نشرها وصياغتها على النحو الواجب بمحتوى شعبي ويساري وثوري تسمح للجماهير بالوصول إلى الأفكار خارج إطار الرأسمالية والتعرّف عليها وفهمها. لقد ثبت أن هذه وسائل مهمة لمحاربة أفكار البرجوازية، ومواجهتها، من خلال التفكير والتحليل والتقييمات والمقاربات ذات المحتوى الديمقراطي واليساري والثوري والماركسي اللينيني.
يتبع