النسخة الأمريكية من الديمقراطية - الجزء الأول والثاني


الطاهر المعز
2023 / 5 / 22 - 16:24     

الجزء الأول

من دعائم الهيمنة
هل يمكن لنظام ديمقراطي أن يعتمد على القوة المُسلّحة لقمع المواطنين في الدّاخل ولاحتلال البلدان الأخرى واضطهاد شعوبها؟
طلبت حكومة جوزيف بايدن يوم 13 آذار/مارس 2023 ميزانية عسكرية بقيمة 842 مليار دولار لسنة 2024، وقد يُضيف أعضاء الكونغرس أربعين أو خمس وأربعين مليار دولارا، مثلما أضافوا 35 مليار دولار إلى ميزانية 2023، رغم عدم إعلان رسميا عن أي حرب ضد أي طرف في العالم، لكن يزعم البنتاغون ووسائل الإعلام الرئيسية أن الولايات المتحدة تواجه خطرًا متزايدًا باندلاع حرب مع روسيا أو الصين (أو كليهما) وبالتالي فهي بحاجة إلى تخزين كميات كبيرة من القنابل والصواريخ والدبابات والسفن والطائرات والأسلحة بعيدة المدى، وسوف يتم تخصيص نحو170 مليار دولار لـ "تحديث وتطوير أسلحة جديدة باستخدام أحدث التقنيات القادرة على السيطرة على ساحات القتال المستقبلية"، خلال السنوات السبع القادمة، و145 مليار دولارا لإعادة تأهيل أسلحة وطائرات وغيرها، ولا تتضمن الميزانية المطلوبة لسنة 2024، عدة مليارات من الدولارات للبحث في أنظمة الأسلحة المساقبلية، منها الأسلحة ذاتية التشغيل والصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت والطائرات الآلية (بدون طيار )، والروبوتات والسفن غير المأهولة وما إلى ذلك، لأن الولايات المتحدة تريد الاستمرار في الهيمنة على الأبحاث حول التقنيات الناشئة المطبقة على أسلحة المستقبل، الأمر الذي يؤدي إلى دورة لا نهاية لها من سباقات التسلح، في حين انخفضت القيمة الحقيقية للميزانية الاجتماعية والرعاية الصحية بالولايات المتحدة بنسبة 3%.
في مجال الإنتاج السينمائي والتلفزيوني، أحد أعمدة الهيمنة الثقافية والإعلامية الأمريكية، قام كتاب السيناريو الأمريكيون بعدة إضرابات طويلة، خاصة منذ عام 2007، ولا يزال إضراب سنة 2023 مستمرًّا ، حتى كتابة هذه السطور، وهو ثامن إضراباتهم الطويلة، ما يُذَكِّرُ بنضالات العاملين بمجالات السينما والتلفزيون، خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، خلال مرحلة "القائمة السوداء" لهوليوود التي أنْهَت الحياة المهنية للعديد من العاملين وطَغت الأفلام التي تُرَوّج النزعة الرجعية والمحافظة في خمسينيات القرن العشرين، بعد "التطهير" الذي استمر من 1947 حتى 1960، لما تم اتهام أكثر من 300 من العاملين بالسينما بالتخريب، ودعوة العشرات للشهادة ضدّهم زورًا، وتمت عملية الإضطهاد بإشراف السناتور جو مكارثي، ولذلك سُمِّيت تلك المرحلة بالماكارثية.
هددت نقابة كتاب السيناريو (نقابة كتاب الشاشة)، التي تأسست سنة 1930، بإضراب سنة 1941، وتمكن كتاب السيناريو من توقيع أول عقد عمل جماعي (اتفاقية مشتركة) لهم مع مالكي الاستوديوهات، ومن ثم تم تصنيف أعضائها على أنهم "شيوعيون" وأصبحوا فيما بعدُ يمثلون غالبية الأشخاص المدرجين في القائمة السوداء، في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين، أما الإتحاد النقابي الحالي (نقابة كتاب السيناريو الأمريكية) فهو ليس تقدميًا مثل (نقابة كتاب الشاشة)، لكنه يعمل على الدّفاع عن مصالح وحقوق كتاب السيناريو...
وضعت استوديوهات هوليوود، منذ الثلاثينيات من القرن الماضي، أُسُسَ تضع "القائمة السوداء"، قبل التهديد بالإضراب لسنة 1941، وأصبح إلصاق تهمة الشيوعية سلاحًا حادّا لإضعاف الاتحاد النقابي (نقابة كتاب الشاشة)، لكن انطلقت القائمة السوداء الأكثر شهرة للسينما في تشرين الثاني/نوفمبر 1947، عندما تم تسريح مديرو السينما خمسة من العاملين "المغضوب عليهم" واتفقت شركات الإنتاج على عدم توظيفهم وعدم توظيف الخمسة الآخرين الذين كان من المقرر أن يحلوا محلهم، وذلك حتى إنجاز التطهير الكامل لمن وصفوا بـ "الشيوعيين"، وعُرفت هذه القائمة السوداء باسم ( قائمة العَشْرة بهوليود "Hollywood Ten" )، لكنها سرعان ما توسّعت لتضُمّ نحو ثلاثمائة فنان وممثل وكاتب سيناريو، بحلول أوائل الخمسينيات من القرن الماضي و 451 بحلول العام 1957.
كان السبيل الوحيد للخروج من القائمة السوداء هو المثول أمام لجنة تشبه المحكمة، والاعتذار عن الانضمام إلى الحزب الشيوعي ( ولو كان الشخص لا ينتمي للحزب الشيوعي)، وكيل المديح للجنة، والوشاية بالزملاء بتسمية بعضهم واتهامهم بمعادة الوطن، ولم يمثل أمام اللجنة سوى الشيوعيون، بل كل التقدّميين، وتكاثرت اللجان التي تشجب وتُرْهِبُ الفنانين والمثقفين الذين تم استدعاؤهم بعد ذلك للمثول أمام لجنة تطلب منهم إدانة أنفسهم عَلَنًا وشَجْبَ الأفكار التقدمية المصنفة على أنها "تخريبية"، وفي الواقع بدأ الترهيب والفصل قبل أكثر من عشر سنوات من إنشاء قائمة هوليوود السوداء في 9التاسع من أيار/ مايو 1947، التي كان هدفها الرئيسي "مطاردة الحُمر – أي الشيوعيين- في هوليوود"، ثم أعادت الحرب الباردة تنشيط دعاية "الخوف من اللون الأحمر" التي أُعيد إحياؤها سنة 1947، ولكنها انطلقت منذ 1917، تاريخ الثورة البلشفية...
قام رؤساء استوديوهات الإنتاج مثل Louis B. Mayer أو Walt Disney أو Warner Brothers أو Fox أو MGM بتزويد أعضاء الكونغرس بقوائم للموظفين المُصَنَّفِين كشيوعيين، لكن في الواقع كان العديد منهم ليبراليين، وندد رئيس اتحادات المنتجين (إريك جونستون) علنًا بالمنتجين والفنيين والفنانين الذين يشكلون "تهديدًا شيوعيًا لهوليوود"، وبلغ الأمر حدّ إدانة اتحاد كتاب السيناريو (نقابة كتاب الشاشة) أعضاءَهُ الذين تم فصلهم من دون تعويض، وعانوا من الخصاصة والفقر والتّشريد، وكافح هؤلاء المنبوذون لسنوات عديدة، دون أي دعم، في جو من الرّعب، وأصدر الكونغرس، سنة 1950، قانونًا مناهضًا للنقابات، بينما تعرض أعضاء الحزب الشيوعي للاضطهاد، أما قادة الحزب فكانوا في السجن أو مختبئين، تم تم إقصاء أكثر من 150 ممثلاً وممثلة ونعتهم ب"المخربين"، وتم حل العديد من المنظمات، وبالإضافة إلى القائمة السوداء، أنتج مديرو السينما ما يقرب من خمسين فيلمًا مناهضًا للشيوعية، وأَحْجَمَ رؤساء الاستوديوهات، لأكثر من عشر سنوات (من 1947 إلى 1960)، عن إنتاج أفلام حول "القضايا الاجتماعية"، ولم يَتَحَدّى سوى عدد قليل جدًا من منتجي الأفلام (أقل من عشرة أفلام) المُطاردة المكارثية، بين سَنَتَيْ 1950 و 1960، وطغت على الإنتاج السينمائي الملاحم التوراتية والكوميديا المبتذلة والمسرحيات الموسيقية المبهجة وأفلام ذات مستوى هابط، وكانت صناعة التلفزيون أكثر قمعًا، وأكثر رقابة وكانت برامجها مبتذلة وسطحية...
كيف يحق للولايات المتحدة التّبَجّح بالدّيمقراطية والحُرّيّة، وهي التي تأسست على جماجم الشعوب الأصلية وعلى عرق ودماء العبيد الذين تم استجلابهم قَسْرًا من إفريقيا، قبل أن تُلاحق الحكومات الأمريكية المتعاقبة أي مُشَكِّكٍ في نجاعة أو عدالة النظام الرأسمالي؟
نماذج من الدّمار "الدّيمقراطي" بالخارج
أصدر معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة بجامعة براون، تقريرًا نُشِرَ يوم الإثنين 15 أيار/مايو 2023، عن تكاليف وخسائر وعواقب الحروب العدوانية التي قادتها الولايات المتحدة في ما لا يقل عن ست بلدان، منذ بداية القرن الواحد والعشرين، بذريعة "مكافحة الإرهاب"، وقدّر التقرير، وكذلك تقرير آخر نُشِرَ بموقع "آيروارز"، عدد ضحاياها بنحو 4,5 ملايين قتيل، مع الإشارة إلى استمرار القتل بشكل غير مباشر، حتى بعد الحرب، كما الحال في أفغانستان والعراق وليبيا وباكستان والصومال وسوريا و اليمن، حيث تقتل الحرب، بشكل غير مباشر (تدمير الأراضي الزراعية ومصادر المياه وشبكة الكهرباء وبسبب الجوع والمرض...) عددًا أكبر بكثير من ضحايا القنابل والأسلحة، وخاصة من الأطفال الصغار، ونشرت صحيفة "واشنطن بوست" (15/ 05/2023) مُلخّصًا يُشير إلى مُشاركة خمسين من الباحثين والأطباء وخُبراء القانون وحقوق الإنسان وغيرهم في إعداد هذه الدّراسة التي قدّرت عدد من هَجَّرَتهم هذه الحروب العدوانية الأمريكية بنحو 38 مليون شخص، فضلاً عن ارتفاع مستوى الفقر والمرض وتلوث البيئة وانعدام الأمن الغذائي، وتدمير البنية التحتية، ما يزيد من عدد الوفيات غير المباشرة بسبب سوء التغذية والمشاكل المرتبطة بالحمل وبالولادة، وانتشار العديد من الأمراض المُعْدِيَة وغير المُعْدِيَة مثل السرطان وما إلى ذلك.
أظهرت دراسات أمريكية، أن الجيش الأمريكي قصف، سنة 2004، المناطق الحضرية العراقية المكتظة بالسكان باليورانيوم المُنَضّب لتتضاعف مستويات الإشعاعات الضّارّة بنحو 1900 مرة، ما جعل أكثر من نصف الأطفال المولودين في مدينة الفلوجة بين سَنَتَيْ 2007 و 2010 يعانون من تشوهات خلقي، وتعرّضت أكثر من 45% من نساء الفلوجة للإجهاض، خلال السنتَيْن اللاّحِقَتَيْن للهجوم الأمريكي الأول على الفلوجة سنة 2004، باليورانيوم، الذي أعقبته هجومات لاحقة تركت المدينة في حالة دمار شبيه بما حصل لبعض المُدُن اليابانية التي قصفتها الطارئات الأمريكية بالسلاح النووي...
تصدير الإيديولوجيا
تستخدم الولايات المتحدة أسلحة الدّمار الشامل لتخريب البلدان، إلى جانب التخريب عبر المال وتمويل المنظمات غير الحكومية، وهو تمويل مشروط بالترويج للإيديولوجيا التي تُصَدِّرُها الولايات المتحدة، بذريعة نَشْر الدّيمقراطية وتدريب مُثَقّفِي العالم الثالث على احترام حقوق الإنسان والشفافية وما إلى ذلك من تصدير للإيديولوجيا السّائدة التي تُرَوِّجُها شبكة من المنظمات الأمريكية ومنها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) والصندوق القومي للديمقراطية (NED) وبيت الحرية (Freedom House) ومبادرة الشراكة الشرق أوسطية (MEPI) ومشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط (POMED) ، ويتم تمويل هذه المنظمات من قِبَل الخزينة الأمريكية، بينما أسّس بعض الأثرياء منظمات تُروج للإيديولوجيا السائدة أيضًا، لكن يتم تمويلها من قِبَل أفراد أثرياء أو شركات أو تبرّعات واقتطاع تلك المبالغ من الضرائب المُستَحَقّة، مثل مؤسسة "المجتمع المفتوح" ( Open Society ) التي يمتلكها الملياردير المُضارب المالي "جورج سوروس "، وتعتبر جميع هذه المنظمات والمؤسسات ركيزة من ركائز السياسة الخارجية الأمريكية، وفق تعبير كارل غيرشمان، رئيس الصندوق القومي للديمقراطية ( نيد ) من 1984 إلى 2021، الذي هَنْدَسَ، مع وكالة الإستخبارات المركزية (سي آي إي) "الثورات "الملونة" في أوروبا الشرقية وإعادة تأهيل الإخوان المسلمين واستقطاب مناضلي اليسار للعمل في المنظمات "غير الحكومية"، وغير ذلك من مُخطّطات التخريب الأمريكي "النّاعم" وأكّد "كينيث وولاك"، الذي خَلَفَهُ إن أي خطوة لصندوق "نيد" تكون بالتنسيق مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ووزارة الخارجية، بعد تمهيد الطريق لسنوات من قِبَل وكالة الإستخبارات المركزية.
ارتفعت الميزانية المُعْلَنَة (التي يُقرُّها أعضاء الكونغرس) للصندوق القومي للديمقراطية (نيد) من حوالي 25,5 مليون دولار سنة 1984 إلى 115 مليون دولار سنة 2008، وإلى 170 مليون دولارا سنة 2017، وإلى 300 مليون دولار، سنة 2020، ويُبرّر وأعلن أعضاء الكونغرس - لتبرير هذه الزيادات – بأن "هذه المنظمات ضرورية لأمننا القومي" وإنها تستخدم جزءًا من ميزانيتها السنوية "لدعم المنظمات والأشخاص الشجعان الذين يشاركوننا قيمنا" في البُلدان التي تريد الولايات المتحدة تغيير أنظمتها السياسية...
في الوطن العربي، تُمثل "مبادرة الشراكة للشرق الأوسط" ( ميبي) ومكتبها الرئيسي بتونس، منذ تأسيسها سنة 2002، أهم منظمة إقليمية أمريكية تستهدف الوطن العربي، بعد 11 أيلول/سبتمبر 2001، واعتبر تقريرها لسنة 2020 إن عملها يستفيد من تقارير وتحقيقات السفارات الأمريكية، وهو عمل "مُتَمِّمٌ لنشاط وزارة الخارجية وللوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، من خلال بناء شراكات مع المواطنين ومتابعة المزيد من مشاريع تعزيز الديمقراطية ودعم مجموعات المجتمع المدني المستقلة، رغم اعتراضات الحكومات المحلية..."، وتجدر الإشارة أن ميبي تُدير "برنامج المنح الصغيرة" ( "يوميد") ما يُسهِّلُ تغلغلها في الأوساط الشعبية وفي المناطق الريفية، والإشراف على شبكة من المنظمات المحلية في بلدان المغرب العربي كما في مصر ولبنان وسوريا واليمن
وثائق البنتاغون (بنتاغون ليكس)
تسربت وثائق عسكرية أمريكية وتم نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، خلال الأسبوع الأول من نيسان/ابريل 2023، وأعلنت الشّرطة الأمريكية عن اعتقال أشخاص أمريكيين، كما أكدت وزارة القضاء الأميركية يوم الجمعة 07 نيسان/ابريل 2023، أنها بدأت تحقيقًا في تسريب الوثائق، رافضة الإدلاء بمزيد من التعليقات عن الأشخاص الذين يُشتَبَهُ في مسؤوليتهم عن تسريب هذه الوثائق التي تضمنت معلومات، كان بعضها بحوزة الولايات المتحدة فقط ولم يعلم بها الحُلفاء، عن مواضيع كثيرة، منها الدفاعات الجوية الأوكرانية وجهاز المخابرات الصهيوني (الموساد)، إضافة إلى أسرار خاصة بالأمن القومي الأميركي تتعلق بالوطن العربي (ما يُسمّى في القاموس الأمريكي "منطقة الشرق الأوسط") والصين، وهو أخطر خَرق أمني، منذ تسريبات ويكيليكس، سنة 2013، وفق موقع صحيفة "نيويورك تايمز" وكذلك وكالة "رويترز" (07 و 09 نيسان/ابريل 2023)، وتضمّنت بعض الوثائق المُؤَرّخة في شباط/فبراير وآذار/مارس 2023، معلومات عن خسائر الجيش الأوكراني وأخرى عن بعض تفاصيل التنسيق بين مخابرات الولايات المتحدة والكيان الصهيوني (وما ذلك بِسِرٍّ) أو عن الضغط الأمريكي على الحُلَفاء، سواء في أوروبا أو كوريا الجنوبية لزيادة الدّعم العسكري لأوكرانيا (ما يُؤَكّد أن قرار الحرب ليس أوكراني وإنما أمريكي/أطلسي)
تحتوي هذه المئات من الوثائق أيضًا على معلومات حول أساليب الدعاية الأمريكية والتجسس الجماعي غير القانوني على المواطنين من قبل وكالة الأمن القومي، وجرائم الحرب العسكرية والأكاذيب لإطالة أمد النزاعات وما إلى ذلك.
بدأت بعض التسريبات في شبالط/فبراير 2022، عبر شبكة التواصل الاجتماعي “ديسكورد”، وهو تطبيق منتديات نقاش شباب بشأن ألعاب فيديو وعبر منتديات نقاش أخرى، تم رصدها من قبل البنتاغون والصحافة الأمريكية بنهاية آذار/مارس 2023 عندما بدأت الوثائق بالانتشار على “تلغرام” وشبكة "تويتر" والشبكات الاجتماعية الأخرى، ما جعل التسريبات تتجاوز الدائرة الأولية الضّيّقة.
تم تقديم المشتبه به الرئيسي من قبل موقع (The Intercept ) بتاريخ 23 نيسان/أبريل 2023 باعتباره شابًا (21) عنصريًا مفتونًا بالأسلحة النارية ومتعاطف مع اليمين المتطرف، ولذلك وصفه الجمهوريون بالبطل، فيما وصفه الدّيمقراطيون بالجاسوس الخائن. أما الرئيس الأمريكي فقَلَّلَ من حجم التسريبات، في حين ذكرت صحيفة بوليتيكو أن البنتاغون (وزارة الحرب الأمريكية) تعتبر أن "هذا التسريب له عواقب وخيمة للغاية على أمن الولايات المتحدة" لأن المعلومات الواردة في هذه الوثائق تشكك في الخطاب الرسمي للولايات المتحدة بشأن الحرب في أوكرانيا، كما كشفت الوثائق عن وجود مائة دبلوماسي أمريكي في أوكرانيا وعشرات من أفراد القوات الخاصة الأمريكية والبريطانية والفرنسية، الأمر الذي يتعارض مع الروايات الرسمية للحكومات المعنية، بحسب صحيفة "الغارديان" الصادرة في 21 نيسان/أبريل 2023.
لا توجد معلومات جديدة هامة، غير إن هذا التسريب الجديد يُؤَكّدُ عدم اهتمام السلطات الأمريكية والأوروبية بالمفاوضات التي تقترحها الصين أو البرازيل، ومن ناحية أخرى، لا تتردد الولايات المتحدة في التجسس على الأمين العام للأمم المتحدة وجميع الحلفاء، بمن فيهم قادة أوكرانيا وكوريا الجنوبية ومصر وشُيُوخ الخليج وحتى الكيان الصهيوني، وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز. 08 أبريل 2023، ويُؤَكّد محتوى هذه الوثائق الشكوك والأخبار التي كانت تروج حول مختلف المواضيع الواردة في الوثائق المُسَرَّبَة.

النسخة الأمريكية من الديمقراطية
الطاهر المعز
الجزء الثاني
خصائص "الدّيمقراطية" الأمريكية في الدّاخل
الفقر
تقود الولايات المتحدة اقتصاد العالم، وهي في المرتبة الأولى بحجم الناتج القومي الذي فاق 22 تريليون دولار، سنة 2022، غير أن حجم الدين الحكومي بلغ 123% من الناتج القومي، وبلغ 31 تريليون دولار، غير أن الدّيون مُقَوّمة بالدّولار، وهي العملة المحلية والعُملة الدّولية في نفس الوقت، وتفوق حصة الفرد من الناتج الإجمالي 68 ألف دولار سنويا، غير أن الفوارق كبيرة بين الأثرياء والفُقراء، بين متوسط دخل السكان البيض والسود، ورغم الثروة والقوة، يعيش عشرات الملايين من الأمريكيين في حالة فقر شديد، وبطالة وتَشَرّد.
تُعرّف الولايات المتحدة الفقر على إنه "نقص في السلع والخدمات التي يُعتبر الحُصُول عليها أمرًا مسلمًا به"، وتستخدم برامج "المُساعدات الإجتماعية" ورقة إشادات لتحديد مستوى الفقر، من خلال قيمة الدّخل ومستوى الإنفاق وعدد أفراد الأسرة وإرشادات أخرى لتحديد الأهلية للحصول على المعونة من البرامج الإتحادية مثل هيد ستارت (الأسبقية) وقَسائم الغذاء، واعتمد مكتب التّعْداد هذه المؤشرات ليتنتج ارتفاع نسبة عدد الفُقراء إلى موالي 13% سنة 2009، خلال أزمة الرّهن العقاري ( 2008/2009) وانخفضت إلى 11,8% سنة 2018، أو ما يعادل 38,1 مليون شخص من العدد الإجمالي للسّكّان، لكن البحوث والدّراسات الأكاديمية أظْهَرَت أن مستويات الفقر تفوق بكثير ما تنشرُه البيانات الرّسمية، وسبق أن صنف تقرير لليونيسف 2013 الولايات المتحدة كثاني أعلى معدل لفقر الأطفال النسبي في الدول المتقدمة، سنة 2013، كما حذّر صندوق النقد الدّولي (حزيران/يونيو 2016) من ارتفاع معدّلات الفقر بالولايات المتحدة، واقترح معالجة الفقر، بشكل عاجل، من خلال رفع الحد الأدنى للأجور وتقديم إجازة أمومة مدفوعة الأجر للنساء لتشجيعهن على دخول سوق العمل وأفْضَى تحقيق نشره (بنهاية سنة 2017) المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان إلى لفت الإنتباه بشأن التناقض بين الإرتفاع الكبير للثروات الخاصة وزيادة الفقر الشامل والبُؤس بالولايات المتحدة، ليشمل ما لا يقل عن أربعين مليون شخص يعيشون في حالة فقر وأكثر من خمسة ملايين شخص يعيشون في ظروف مُشابهة للدول الفقرة جدًّا، وأكّد تقرير آخر نُشِر في أيار/مايو 2018 زيادة الفقر بشكل مُخيف، قد يُهدّد استقرار الولايات المتحدة...
بعد خمس سنوات، تشير التوقعات إلى استمرار تباطؤ الاقتصاد الأميركي خلال الربع الثاني من سنة 2023، قبل أن يفضي انخفاض الإنفاق الاستهلاكي وتراجع الاستثمارات التجارية إلى انكماش الاقتصاد في النصف الثاني من نفس العام، وأن يرتفع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي 0,5% في الربع الثاني، وفقاً لوكالة "بلومبرغ"، وهو معدّل ضعيف، بسبب "معاناة الشركات من ارتفاع تكلفة التمويل وتضييق الائتمان"، ما يُؤَدِّي إلى انخفاض النفقات الرأسمالية وإلى ارتفاع عدد الوظائف المُلْغاة...
بالعودة إلى موضوع الفقر، كشفت بيانات مكتب الإحصاءات الأمريكي، ارتفاع معدل البطالة السنوي من 3,7% سنة 2019 إلى 8,1% سنة 2020 بسبب كوفيد-19 وبلغ 5,3% سنة 2021، بعد أن أقَرّت إدارة الرئيس جوزيف بايدن (آذار/مارس 2021) خطة تحفيز بقيمة 1,8 تريليون دولارا ( بعد خطة سابقة بقيمة 3 تريليونات دولارا)، تشمل منح ملايين الأمريكيين مدفوعات بقيمة 1400 دولارا،(لكي يتمكنوا من استهلاك ما تطرحه المصانع من سلع في الأسواق) ومع ذلك بلغ معدل الفقر 11,6% من العدد الإجمالي للسكان، سنة 2021، حيث ارتفع دخل متوسط الأثرياء وانخفض معدل دخل 90% من الأميركيين، بسبب ارتفاع الأسعار وتجميد الأُجُور، وتعميق الفجوة بين متوسط دخل أُسر البيض (أكثر من 101 ألف دولارا بنهاية سنة 2021) والسّود (48 ألف دولارا )... أنّ "تمتلك الأسرة من العرق الأبيض عشرة أضعاف ثروة أي عائلة من العرق الأسود" وفقاً لتقرير من إعداد شركة ماكينزي للإستشارات، وهذا مُؤَشِّرٌ آخر على تداخل مسألة الثروة والفقر بمسألة العِرْق واللّون، فضلاً عن الأُسُس الطبقية للفوارق في مستوى الدّخل والعيش وفُرَص التّرَقِّي المهني والطّبقي...
أعلن الرئيس الأمريكي (أيار 2022) عزمه إنهاء الجوع وانعدام الأمن الغذائي، خلال ثماني سنوات، وكَرّر هذه الرّغبة بنهاية أيلول/سبتمبر 2022، خلال مؤتمر عقده البيت الأبيض بمشاركة الوكالات الفدرالية ووزارة التعليم والشركات الخاصة ومنظمات محاربة الجوع ودعم التغذية ومنظمات الرعاية الصحية وجماعات الحفاظ على البيئة ومجموعة من المدارس...
قدّرت وزارة الزراعة الأمريكية عدد الذين عانوا من انعدام الأمن الغذائي سنة 2021 بأكثر من 34 مليون أميركي ( 13,5 مليون أُسْرة)، من بينهم تسعة ملايين طفل من انعدام الأمن الغذائي عام 2021، وهو رقم أقل من العدد الحقيقي، إذ قَدّرت الجمعيات الخيرية عدد الفقراء، سنة 2022، بنحو أربعين مليون شخص، وإن عدد النساء يفوق عدد الرجال ويتجاوز عدد الأطفال الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي إلى ما لا يقل عن 12 مليون طفل، أي ما يقرب من سُدس الأطفال الأميركيين، ويحصل 14,3 مليون مواطن على قسائم (كوبونات) حكومية لشراء الطعام المدعم، وبلغ عدد المشردين، من فاقدي المأوى حوالي 600 ألف شخص سنة 2022، يُمثل البيض أقل من نصفهم، فيما قُدِّرَ عدد المحرومين من التأمين الصحي بنحو ثلاثين مليون مواطن ( 26 مليون سنة 2021)، ويعود ارتفاع عدد المواطنين الذين فقدوا عملهم وسكنهم إلى ارتفاع عدد الشركات التي أعلنت إفلاسها إلى 67 ألف شركة سنة 2021، فيما عجز نحو نصف مليون شخص عن الوفاء بالتزاماتهم المالية، حيث يُقدّر متوسط تكلفة الكهرباء شهريا لعائلة من 4 أشخاص 95 دولارا والمياه 60 دولارا والغاز 85 دولارا، وفق مؤشرات الرُّبع الثالث من سنة 2022...
تعلن البيانات الحكومية أعدادًا ونِسَبًا منخفضة للبطالة، ويعود ذلك إلى عدم احتساب العديد من فئات المُعَطّلين عن العمل، فضلاً عن انتشار العقود الهشة والدّوام الجزئي والرواتب المنخفضة جدّا،
الترابط بين العنصرية والفقر والسّجن
تأسّست الولايات المتحدة على إبادة الشّعُوب الأصْلِية للبلاد وافتكاك أراضيهم وعلى استعباد ملاليين الأفارقة في الحقول ثم في المصانع، وبقي القانون الأمريكي يُشَرْعِنُ نظام الفَصْل العنصري إلى أن تم إلغاؤه (قانونًا وليس واقعا) سنة 1964، إثر نضالات عديدة خاضَها المواطنون السُّود، ومع ذلك، وبعد حوالي ستة عُقُود، لا تزال العنصرية (بما فيها المُؤسساتية) سائدة، ضد السود والأقليات العرقية أو الدّينية الأخرى، ما يُؤَدِّي إلى احتجاجات ومظاهرات ضد الإغتيالات المُتَكَرِّرَة التي تنفذها عناصر الشرطة في الفضاء العام، بسبب الإمتيازات الحَصْرِية التي توارثها السكان البيض، من أصل أوروبي، وشملت مِلْكِيّة الأرض والعبيد والسّكن وحق المواطنة والتصويت، وكانت المُؤسّسات في خدمة البيض فقط، وتغيَّر شكل المَيْز العنصري، فأصبح اقتصاديا واجتماعيا، ينعكس في مجالات التعليم والعمل والسّكن وفي جميع جوانب الحياة اليومية، وفق المنظمات المختصة التابعة للأمم المتحدة، وأوردت دراسة أكاديمية نُشرت في تموز/يوليو 2020، إن 25% من المُسْتَجْوَبين يُقِرُّون صراحة بالتّحَيُّز ضد الأمريكيين من أُصُول عربية، ونشرت مجلة "إيكونوميست" نتائج استطلاع للرأي ( سنة 2018، أي بعد انتهاء فترَتَيْ رئاسة باراك أوباما) يُشِير إلى إعلان 10% تحيّزًا ضدّ الأمريكيين أصيلي أمريكا الجنوبية وأنّ 19% من الأمريكيين يعارضون الزواج بين عرقين مختلفين و 18% يعارضون الزواج من السود، و 15% يرفضون الزواج من "اللاتينيين"، وتفيد مختلف الدّراسات والوقائع (الإعتقالات التعسفية واغتيالات الشبان السود وتحيّز القضاة ضدّهم...) أن الدّولة والمجتمع الأمريكي مبنِيّان على العنصريّة والتمييز، وعلى التّشدّد مع السّود والأقليات، مقابل "التسامح" المبالغ مع حركات اليمين المتطرف العنصري ومستخدمي السلاح لارتكاب مجازر في المدارس والمتاجر ومحلاّت التّرفيه وفي الفضاء العام، ومنذ سنة 2010، اعتبرت تقارير عديدة صادرة عن وزارة الأمن الداخلي ومكتب التحقيقات الإتحادي ( إف بي آي) أنّ العنف العنصري الأبيض هو التهديد الإرهابي الداخلي الرئيسي في الولايات المتحدة، غير أن نواب الكونغرس وأعضاء الحكومة الإتحادية، ووسائل الإعلام السائدة الأمريكية تجاهلوا مثل هذه التقارير والدّراسات الأكاديمية، لأن الإيديولوجية السائدة لا تزال تُبَرِّرُ احتلال المستوطنين الأوروبيين لوطن وأرض الشعوب الأصلية، وإبادة أهلها، وتُبرّر تجارة الرقيق، كما تُبَرِّرُ الإعتداءات العسكرية واحتلال البلدان وتقتيل الشعوب، ونهب الثروات، ولذلك لم تكتمل عملية الإنهاء القانوني للعبودية والميز العنصري، ما أدّى إلى تكرار عمليات القتل من قِبَل عناصر الشرطة، وشُعُور القَتَلَة بالحماية والإفلات من المُلاحقة القضائية ومن العقاب، وأدّى كذلك إلى التعبير عن الغضب من خلال المظاهرات والإحتجاجات تحت شعار "حياة السود مهمة" ( تموز/يوليو 2020) أو شعارات مُشابهة في جميع أنحاء البلاد، وأُضيفت لها شعارات مندّدة بالعنصرية المُمَنْهَجَة ضد السود من قِبَلِ الشرطة (المُضايقة والتفتيش والشتائم والترهيب والإعتداء بالضرب والتعذيب والقتل والتواطؤ مع مجموعات مثل كيو كلاكس كلان) ومنظومة القضاء، ومُندّدة بعدم تساوي فُرَص التعليم والرعاية الصّحّية والعمل والتقدم المهني، إذ يحصل العمال السود على راتب أقل بنسبة 22% من زملائهم البيض، ذوي نفس التعليم والمؤهلات والخبرة المهنية، فيما تحصل النساء السوداوات على راتب أقل بنسبة 34,2%، وفقًا لدراسة أجرتها جامعة شيكاغو سنة 2016...
يُؤَدِّي تحيُّز المجتمع ومؤسساته ( الأمن والقضاء ) إلى سجن السود بمعدل يزيد عن خمسة أضعاف معدل البيض، فالسود يُشكلون حوالي 12,5% من العدد الإجمالي للسكان ولكنهم يُشكلون نحو 43% من العدد الإجمالي للسجناء الذّكور، وفقاً لتقرير منظمة "لون العدالة: التفاوت العرقي والإثني في سجون الولايات الأمريكية"، وكتبت جينفر أونس أستاذة علم الجريمة في جامعة ميزوري كانساس "إن ارتفاع معدلات سجن ذوي البشرة السوداء بشكل غير متناسب، أدّى إلى اكتظاظ السجون الأمريكية مقارنة ببقية دول العالم، وهذا مدفوع بالسياسات والقوانين والشرطة وهياكل الأحكام ، ولا تكمن المشكلة فقط في النظام القضائي بل كذلك في التفاوتات الاقتصادية والعلمية والإسكان والوظائف وغيرها، وهذا يؤثر بشكل غير متناسب على المواطنين السود..." وذكرت نفس الباحثة أن تعامل الشرطة والقضاء ووسائل الإعلام مع اليمين المتطرف الذي دخل مبنى مجلس النواب وخَرّب واعتدى على الأشخاص والممتلكات، كان مختلفًا تمامًا عن التعمل مع المتظاهرين السّلْمِيِّين من أجل "حياة السود مهمة... يتجلّى التمييز في كافة جوانب الحياة اليومية..."، وهو ما وصفته صحيفة "ذا غارديان" البريطانية ب"العقد الإجتماعي العنصري الذي بُنِيَتْ على أساسه الولايات المتحدة، وظهر ذلك بوضوع في التنازلات المُقَدَّمَة للعنصريين المُتعصّبين الذين اقتحموا مبنى الكابيتول، في السادس من كانون الثاني/يناير 2021... يجب صياغة عقد اجتماعي جديد ومغاير جوهرياً".
السجون
أعلنت وكالة أسوشيتد برس في الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2021، عن حادثة وفاة سجين هي الثانية خلال أسبوع بالسجن الفدرالي "تير هوت" بولاية إنديانا الأمريكية، وهذا مُؤَشِّر عن اكتظاظ السجون الذي يؤدّي إلى انعدام الأمن وتفشي العنف والجريمة، يبنما يُفْتَرَضُ أن السجون هي مُؤسّسات تهدف إصلاح سلوك السجناء، ويُعتَبَرُ سجن “تيري هوت” بولاية إنديانا وسط غربي الولايات المتحدة، أحد أكثر السجون حراسة في أمريكا، لكن منظومة السجون الفيدرالية تُعاني من نقص كبير في التجهيزات والموظفين، فضلاً عن الإهمال واللامبالاة، وعدم إعارة حياة المساجين أي قيمة، ويضم سجن "تيري هوت" 1100 سجين، وشهد تنفيذ 13 عملية إعدام في الأشهر الأخيرة من رئاسة الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترمب.
تتصدر الولايات المتحدة التي يعدّ سكانها نحو 5% من سكان العالم، قائمة الدول ذات العدد الأعلى من السجناء، بنحو 2,5 مليون سجين، أو ما يُعادل 25% من سجناء العالم، وأشارت العديد من منظمات حقوق الإنسان المحلية والدّولية إلى الوضعية الكارثية للسجون الأمريكية، ويتوزع السّجناء على سجون فيدرالية ( مثل سجن تير هوت"، وأخرى محلية وسجون تشرف عليها شركات خاصة، وأشارت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، وهي منظمة شبه رسمية تمولها الحكومة بواسطة وكالاتها المختلفة، إلى العديد من الخروقات في السجون وإلى الميز العنصري من خلال الأحكام القاسية وغير المتناسبة مع التهمة الموجّهة للمتهمين السّود الذين تعادل نسبتهم 12,5% من سكان الولايات المتحدة، وتبلغ نسبهم داخل السجون قرابة نصف العدد الإجمالي للسّجناء، سنة 2021، ومعظمهم من ذوي الدّخل المنخفض، ويقدر ان شخصا من بين كل ثمانية سود دخل السجن لمرة على الأقل في أمريكا، وتفوق هذه الأرقام والنِّسَب ما كان يحصل في جنوب إفريقيا في ظل نظام المَيْز العنصري، أي 723 سجين أسود من كل مائة ألف مواطن، ويؤدّي اكتظاظ السجون وغياب برامج التّأهيل إلى ارتفاع نسبة الجريمة داخل السجون، ففي سنة 2018 مات ما لا يقل عن 4135 سجيناً داخل جدران المعتقلات الأمريكية، سُجلت311 منها بعنوان حالات انتحار و 249 "حالات تسمم إثر استهلاك المخدرات أو الكحوليات (داخل السجن !!! ) و120 جريمة ارتكبها السجناء ضد زملائهم، حسب تقرير لمكتب إحصائيات وزارة القضاء الأمريكية التي لا تورد أي ذكر لعنف حُرّاس السجن...
تُشير بيانات سنة 2013، أي قبل عشر سنوات، إلى ارتفاع عدد سُجناء الولايات المتحدة بنسبة 700 % بين سنتَيْ 1970 و 2005، رغم استقرار نسبة الزيادة السّكّانية ورغم انخفاض مُعدّل الجريمة، فأصبحت مجمل السجون الأمريكية (حوالي 4600 سجن) مكتظة، وتشكل النساء نسبة 10% والأطفال القاصرين نسبة 0,5% من العدد الإجمالي للسجناء بالولايات المتحدة...
تجاوز عدد السجناء 2,4 مليون، خلال النصف الأول من سنة 2013، أو ما يُعادل سجين واحد لكل مائة مواطن راشد، أي أربعة أضعاف عددهم سنة 1980، واعتبرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" (نيسان/ابريل 2014) شبه الحكومية، "إن الكثير من السجناء ارتكبو جرائم من مستوى ضعيف وأن الأحكام الصادرة ضدهم لا تتناسب مع حجم الجرم الذي ارتكبوه ... إن ارتفاع عدد السجناء لا يعود إلى ارتفاع نسبة الجريمة بل بسبب السياسات القَمْعِيّة المتشدّدة التي تعمل على ملء السجون بأشخاص لا ينبغي أن يكونوا هناك أصلا"، لكي تستفيد منهم شركات خاصة تستغل قوة عملهم، ما رفع من عدد الشكايات المتواترة من هذا الاستغلال الفاحش، وكان جوزيف بايدن قد وَعَد بوضع حدّ لنظام السُّجون التي تُديرها شركات خاصة، ويبدو إنه نَسِيَ وَعْدَهُ، وأشارت تقارير عديدة إلى الارتفاع الكبير في أرباح هذه الشركات جراء استغلال المهاجرين الذين يتم اعتقالهم وتوجيههم إليها، ويجري استغلالهم في ظروف تشبِّهُهَا المنظمات الحقوقية بالعبودية، وأشار موقع ( Sentencing Project ) إن أكثر من 60% من السجناء ينتمون إلى أقليات عرقية وأثنية، وتعاني النساء السجينات من العنف الجسدي والجنسي، ومن ارتفاع نسب الإصابات بفيروس نقص المناعة المكتسبة فضلا عن تعاطي المخدرات التي يتاجر بها حراس السجون، مباشرةً أو عبر سجناء آخرين، وأصدر مركز ( Treatment Advocacy Center ) تقريرً يُشير إلى اكتظاظ سجون ما لا يقل عن 44 ولاية (من إجمالي خمسين ولاية أمريكية) بالإضافة سُجون العاصمة واشنطن، وإلى وجود أعداد كبيرة من المصابين باضطرابات عقلية تفوق عشرة أضعاف الموجودين في مراكز العلاج، وقدّرت صحيفة واشنطن بوست عددهم بحوالي 356268 شخصا، ولو كانت أمريكا دولة ديمقراطية لكان هؤلاء في مركز علاج...
وضع الحريات في الولايات المتحدة سنة 2022، وفق منظمة العفو الدّولية
نشرت منظمة العفو الدّولية يوم 24 أيار/مايو 2022 تقرير عن الحكم بالإعدام في العالم، وسجلت المنظمة 579 إعدامًا في 18 بلد، سنة 2021، منها 11 بالولايات المتحدة الأمريكية التي لم تُلْغِ حكم الإعدام ولا تنفيذه، رغم الأخطاء القضائية العديدة التي تم إثباتها بعد فوات الأوان، وما ذلك سوى واحد من مجموعة مؤشرات على منظومة الأمن الدّاخلي التي تنفذ حملات الإعتقال ومنظومة القضاء التي تصدر أحكامًا قاسية، لا مُبرّر لها سوى الإيديولوجية القمعية وخدمة الشركات الخاصة التي تُشرف على إدارة السجون وتقيم داخلها مصانع لاستغلال السجناء.
الإعتقالات:
تحتل الولايات المتحدة منذ سنوات عديدة المرتبة الأولى بعدد السُّجناء بنحو 760 سجين لكل مائة ألف نسمة، حيث يُمثل سكّان الولايات المتحدة نحو 5% من إجمالي سكان العالم، وبها 25% من العدد الإجمالي للسجناء بالعالم، وتتميز الشرطة والقضاء الأمريكي بالعنصرية ضد المواطنين السود الذين يمثلون نحو 12,5% من المواطنين ونحو 48% من السّجناء، سنة 2021، لأنهم لا يملكون المال لتكليف محام وتجنب السجن، لأن القُضاة اشتهروا بمحاباة المتهمين البيض وبتسليط أشد العقوبات على السود وأصيلي أمريكا الجنوبية...
تُشكّل السّجون الأمريكية شبكة اقتصادية، فهي مؤسسات تُديرها شركات خاصة، متعاقدة مع سلطات الولايات، لاستغلال السّجناء وتشغيلهم بالمجان تقريبًا، ليتحول بذلك النظام الذي صُمم أصلا لإعادة التأهيل إلى "تجارة مربحة" تزدهر على انتهاكات حقوق الإنسان والمهاجرين والأقليات.
تأسست السجون الخاصة× خلال فترة رئاسة رونالد ريغن ( بداية من 1980 ) الذي أعلن "سياسة القبضة الحديدية" التي أدّت إلى اكتظاظ السجون الفيدرالية وسجون الولايات، وتُسدّد الحكومة الأمريكية لشركات إدارة السجون الخاصة مقابلا عن كل سجين، لذلك ترتفع الأرباح كلما زاد عدد السجناء، بحسب مركز أبحاث أمريكا الشمالية في الجامعة الوطنية المستقلة بالمكسيك، ونشأت شبكات تتكون من عناصر الشرطة والمُدّعين العامين والقُضاة، متواطئة مع شركات إدارة السّجون لإرسال المزيد من الأشخاص إلى السجن بسبب جرائم بسيطة، لترتفع ثروة الشركات التي تُدير السجون وتُشغّل السّجناء ما حَوَّل نظام السجون إلى تجارة تزداد رِبْحيتها بارتفاع عدد السجناء.
زادت عائدات شركَتَيْ (جي إي أو غروب) و(كورسيفيك) أكبر الشركات التي تملك وتدير وتُشغل سجونا خاصة في الولايات المتحدة، من أربعة مليارات دولارا سنة 2020 إلى أكثر من خمسة مليارات دولارا، سنة 2021، وتضاعفت إيراداتهما بين سنتَيْ 2005 و 2020، وفقا لوزارة الأمن الدّاخلي، وسدّدت الشركتان "تبرعات" هامة للحملات الإنتخابية للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والعديد من النواب وحكام الولايات والقُضاة، وتنفق مبالغ هامة لتستفيد من خدمات شركات للضغط من أجل حماية مصالحها بين المشرعين ولدى سلطات الولايات والسلطة الإتحادية، ولذلك لن يتمكّن جوزيف بايدن من إلغاء نظام السجون الخاصة، رغم توقيع مرسوم في السادس والعشرين من كانون الثاني/يناير 2021، يقضي بإنهاء تعاقدات وزارة العدل مع السجون التي يديرها القطاع الخاص، كجزء من المساواة العرقية والتخلص من العرقية المنظمة، لأن المسؤولين الحكوميين والمحليين والإقليميين يستفيدون من النظام الحالي للسجون.

السجون الخاصة، مؤسسات صناعية
يتميز نظام السجون الأمريكي بالصّرامة، بدعم من السلطات التنفيذية (الشرطة والحكومة وحكام الولايات ) ونواب الكونغرس ومنظمة القضاء، فضلا عن الإبقاء على عقوبة الإعدام، ونشرت منظمة العفو الدّولية يوم 24 أيار/مايو 2022 تقريرًاعن الحكم بالإعدام في العالم، وسجلت المنظمة 579 إعدامًا في 18 بلد، سنة 2021، منها 11 بالولايات المتحدة الأمريكية التي لم تُلْغِ حكم الإعدام ولا تنفيذه، رغم الأخطاء القضائية العديدة التي تم إثباتها بعد فوات الأوان...
تُدير الشركات الخاصة ما لا يقل عن 130 سجنًا، بها 157 ألف سرير، ويعمل السجناء في تصنيع سلع بتكلفة منخفضة، لتُباع بأسعار قادرة على منافسة إنتاج البلدان الفقيرة، أو أي دولة أو شركة منافسة. أما العُمّال فنصفهم من المهاجرين الذين تم اعتقالهم، إضافة إلى السود الفقراء المُضْطَرِّين للعمل لكي يتمكنوا من شراء بعض ما يحتاجونه في السّجن، بأسعار مرتفعة جدّا، ورافقت هذه العملية العديد من الفضائح والتجاوزات القانونية وتواطؤ بين الشركات الخاصة والحكومة والنظام القضائي العنصري...
تمكّنت الشركات الخاصة ( أهمها - Corrections Corporation of America - و - The GEO Group - ) بفضل جماعات الضّغط، من تأمين أعداد متزايدة من السجناء الفيدراليين في منشآتها، ففي ولاية أريزونا على سبيل المثال، تتقاسم شركات السجون الخاصة الأرباح مع الحكومة المحلية التي تشن حملة مستمرة على المهاجرين غير النظاميين، وتُقدّم رشاوى للقضاة ما رَفَعَ عددهم في السجون الخاصة بالمنطقة من خمسين ألف سنة 2010 إلى 200 ألف سنة 2021، وترافقت عملية توسّع نشاط الشركات الخاصة داخل السجون بدعاوى قضائية، رفعها الإتحاد الأمريكي للحريات المدنية، ضد شركتَي كوريكشن كوربوريشن وجيو غروب، بتهم الابتزاز والفساد والرّشوة وتفشي العنف والإهمال الطبي ونقص فادح في عدد الحرّاس والطاقم الطبي، وعلى ذكر الرشاوى، ثبتَ تلقِّي قاضيَيْن من ولاية بنسيلفانيا رشوة بقيمة 2,6 مليون دولار من مراكز احتجاز القاصرين، تديره شركة خاصة، وتتمثل مُهمّة القاضي في تسليط أحكام طويلة وإرسال أكبر عدد من الأطفال إلى هذه السجون الخاصة، ليتم استغلالهم كعمال بدون أجر تقريبًا...
تمكنت العديد من المدن الصغيرة بعدة ولايات من تمويل جزء هام يصل إلى 40% و 50% من ميزانيتها، وتحقيق فوائض، بفعل تزايد عدد نزلاء السجون.

تمتلك الولايات المتحدة أعلى معدلات سجن للشباب في العالم، ليتم استغلالهم ك"عُمّال/عبيد" من قِبَل شركات السجون الخاصة التي تقبض من المال العام 166 دولارا كمتوسط تكلفة احتجاز معتقل واحد لليلة الواحدة، في حين تُقَدَّرُ إيرادات الشركات الخاصة بنحو خمسة مليارات دولارا، سنة 2021، وتنفق هذه الشركات نحو أربعين مليون دولارا سنويا على مجموعات الضغط التي تعمل على تشديد القوانين الخاصة بالإرهاب، أو قوانين الهجرة، أو القوانين المنظمة للمخدرات وتجارتها، ليرتفع عدد السجناء وترتفع أرباحها
نظرت لجنة القضاء على التمييز العنصري التابعة للأمم المتحدة في سجل سجون الولايات المتحدة، لأول مرة سنة 2014، وأوردت اللجنة في ملاحظاتها الختامية تعليقًا على عدم إحراز تقدم بشأن قضايا عدة، من بينها انتشار جرائم الكراهية، والعنف باستخدام الأسلحة النارية، والاستخدام المفرط للقوة من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون، والعنف ضد النساء وتقييد المحاكم للعديد من أشكال حماية حقوق الإنسان كحقوق الإجهاض، وعدم المس بالأنظمة المتعلقة بالأسلحة النارية وبقوانين الطوارئ السارية بل تم تشديدها منذ بداية القرن العشرين...
منذ بدايات القرن السابع عشر، وبدايات تدفُّق المستوطنين الأوروبيين، تتواصل إبادة الرجال واغتصاب النساء من السكان الأصليين، ولا تزال النساء يتعرضن لعمليات الاغتصاب والعنف الجنسي والخطف والقتل بمعدلات مرتفعة على نحو غير متناسب، وبعد إلغاء العبودية ونظام الميز العنصري، لا يزال المواطنون السود يعانون من الإقصاء والبطالة والفقر والإعتقال، بشكل لا يتناسب مع عددهم ونسبتهم من العدد الإجمالي للسكان...
الحُرّيات العامة والحُقُوق الفردية:
اعتقلت الشرطة الأمريكية ما لا يقل عن 75 مُتظاهرًا من المُشاركين في الاحتجاجات التي أعقبت قَتْلَ عناصر الشرطة الرجل الأسود "جيلاند ووكر" في حزيران/يونيو 2022، بست وأربعين رصاصة، في "أكرون" بولاية "أوهايو"، ويُطالب المحتجون بمساءلة الشرطة، فكان رد السلطات المحلية إعلان حظر التجوال بالمدينة لمدة أُسبوعَيْن، وأقر الكونغرس جرائم جديدة، وأقر بالتنسيق مع السلطات التشريعية للولايات ما لا يقل عن 16 مشروع قانون مُقَيِّد للحُرّيّات، من بينها حرية التجمع، وفرض عقوبات متزايدة على الدّاعين للعصيان المدني، وإغلاق الطرقات، وتشويه النُصب التذكارية أو الممتلكات العامة...
لم تُصدر وزارة القضاء الأمريكية أي إحصاء عن عدد الأشخاص الذي قُتِلُوا برصاص الشرطة، غير أن المنظمات الحقوقية أحصت ما لا يقل عن ألف شخص توفي سنة 2021 نتيجة للعنف أثناء عمليات الإعتقال وفي مراكز الإحتجاز، كما قتلت الشرطة الأمريكية ما لا يقل عن 1093 شخصًا، باستخدام الأسلحة النارية سنة 2022.
أعربت لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري عن قلقها بشأن استخدام القوة المفرطة أو المميتة من قبل الموظفين الأمريكيين المكلفين بإنفاذ القوانين ضد الأقليات العرقية والإثنية، واستمرار الإفلات من العقاب على الانتهاكات التي يرتكبها أفراد الشرطة، وأوصت بمراجعة القوانين الفدرالية وقوانين الولايات الناظمة لاستخدام القوة المميتة لضمان تماشيها مع القانون الدولي والمعايير الدولية، وإنشاء أو تعزيز هيئات إشراف مستقلة لضمان المساءلة، وإلغاء عقوبة الإعدام ( ينتظر 43 شخصا تنفيذ حكم الإعدام بولاية أوكلاهوما لوحدها)، وإغلاق مُعتقل غوانتنامو ( داخل القاعدة البحرية الأمريكية)، حيث ظل خمسة وثلاثون رجلًا محتجزين تعسفيًا وإلى أجل غير مسمى، منذ 2001، كما طالبت لجنة الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان بوضع حدّ لنظام الاحتجاز السري الذي تديره وكالة المخابرات المركزية، دون توجيه تهمة أو تقديم المُحتَجَزِين للقضاء، فضلاً عن الاختفاء القسري والتعذيب والمُعاملات السّيّئة، في بلد يَدّعِي تلقين الدّول الأخرى دروسًا في الدّيمقراطية، في حين تُشَرّع السلطات الأمريكية شراء وحمل الأسلحة النارية، مما جعل استخدامها مُتفشّيًا، وقُتِلَ – بحسب السّلطات الأمريكية - نحو 49 ألف شخص بالأسلحة النارية سنة 2021، من بينهم الأطفال والمراهقين، في مؤسسات التعليم، والنساء، ولا تتجرأ أي حكومة أمريكية أو أي مجموعة نيابية على اقتراح قانون يُقَيِّدُ الحصول على الأسلحة وحيازتها، فيما تُغذّي قرارات المحكمة العليا التّطرّف اليميني والعنصرية، ويقابل هذا العُنف ضد المواطنين الأمريكيين عُنْفٌ مُضاعَف ضد شُعُوب العالم، من خلال العدوانات العسكرية والإغتيالات بواسطة الطائرات المسيَّرة المسلحة وقتل المدنيين في بلدان تبعد آلاف الكيلومترات عن واشنطن وقصف المشاركين في الأعراس أو في الجنازات، ورفض الإعتراف بارتكاب هذه الجرائم، ورفض أي تعويض عن الأضرار، بل تحتجز الحكومة الأمريكية أموال العراق وأفغانستان بعد احتلالهما، وتحتجز أُصُول المصارف المركزية الفنزويلية والإيرانية والروسية وغيرها...
مراجع
مركز برينان للعدالة – تقرير سنة 2016
معهد أبحاث سياسات الجريمة والعدالة في معهد الحقوق بكلية بيركبيك في جامعة لندن.
مبادرة السجون والعدالة بجامعة جورج تاون
تقرير شبكة "يو إس نيوز أند وورلد ريبورت" في تشرين الأول/أكتوبر 2021.
مركز أبحاث أمريكا الشمالية في الجامعة الوطنية المستقلة بالمكسيك
تقارير منظمة العفو الدّولية وهيومن رايتس ووتش 2022
موقع ( Sentencing Project ) ومركز ( Treatment Advocacy Center )
تقارير وكالة "بلومبرغ" ومكتب الإستشارات "ماكنزي" أيار/مايو 2023