في الذكرى السادسة والثلاثين لاستشهاد غرامشي العرب، المفكر العضوي وشهيد الطبقة العاملة مهدي عامل


أحمد زوبدي
2023 / 5 / 20 - 02:48     

في الذكرى السادسة والثلاثين لاستشهاد غرامشي العرب، المفكر العضوي وشهيد الطبقة العاملة مهدي عامل.

في مثل هذا اليوم أي في ال 18 من أيار/مايو 1987، سقط مهدي عامل، حسن حمدان، في ساحة الشرف على يد الظلاميين بشارع الجزائر، بيروت، لبنان، حيث كان عائدا من معهد العلوم الإجتماعية، وهو الأستاذ الباحث البارز المتفرغ في الفلسفة و علم السياسة والمنهجيات. استشهد مهدي عامل الذي كان يزعج الظلاميين ومعهم القابضين على الحكم الطائفي في لبنان _، وقبله بشهور معدودة استشهد رفيق دربه في النضال الفكري والسياسي الشهيد حسين مروة. استعمل الظلاميون الرصاص لإسكات صوت من الأصوات الماركسية العربية الكبيرة التي تقوم بزعزعة الأنظمة القرسطوية. كان سلاح مهدي هو الفكر أي نقد السلاح. مهدي عامل، وهو المثقف الحزبي المستقل، كان مفكرا عضويا رسوليا من الطراز الكبير. كان مهدي عامل منظرا رسوليا يقوم بتفكيك الواقع من خلال قراءته وتمحيصه فكريا ومفاهيميا أو مفهوميا في ضوء فكر ماركس للتصدي للفكر الظلامي والرجعي. مهدي عامل نحث الفكر والمفاهيم الماركسية المتنورة، وليست القواميس المتجاوزة الكنائسية، لمحاورة الواقع العربي وتغييره. نجح حسن حمدان في ذلك ببراعة فائقة. مهدي عامل انتقد الطائفية ووضع نظرية ماركسية نقدية متنورة لهذه البنية السياسية التي تدخل في مجال الفكر اليومي بشكل عام أي الفكر الرجعي. مهدي عامل كتب عن الثورة، وهو الذي انتقد بشكل صارم اليسار المغامر الذي يريد القيام بالثورة دون توفر شروطها، كما انتقد بنفس الحدة اليسار المتخاذل الذي يعرقل بناء شروط الثورة. مهدي عامل انتقد مفهوم أزمة الحضارة العربية وصنفها على أنها تدخل ضمن أزمة البورجوازيات العربية أو الكومبرادوريات المسخرة من طرف الرجعية العربية لخدمة أجندة الإمبريالية والصهيونية. الشهيد مهدي عامل أكد في أكثر من مرة بل أنه كتب نظرية في ذلك أن الكتابة المناضلة هي نقد السلاح أي الصراع ضد الظلم و الاستغلال و مناهضة سلطة الاستبداد.
النضال له طقوسه، إما أن يكون المناضل مناضلا كاملا ( Militant total) أو لا يكون. أما من يعتقد أن النضال يفتح باب للاستفادة من الامتيازات التي تغدق بها السلطة الحاكمة، فهذا وهم بل هلوسة ليس إلا. المناضل الذي يريد الزبدة وثمن الزبدة، كما يقول المثل الفرنسي، هو مناضل مزيف لا مكان له في ساحة النضال الجدري الهادف إلى تغيير عميق للوضع القائم عبر خلخلة و إسقاط السلطة المهيمنة لأجل نظام ديموقراطي وعادل. المناضلون المزيفون عملة متداولة تباع وتشترى بأبخس ثمن. المناضل المزور سريع الحركة من حزب الى حزب ومن نقابة الى نقابة. ينطلق من اليسار الى اليمين. وكأنه يغير مكانه من مقهى إلى مقهى آخر. النضال عملية شاقة و صعبة تستدعي المقاومة باستمرار أمام الإغراءات التي تتربص بالمترددين، أما المناضل الصادق فإنه يسخر من تلك الإغراءات لأنه يناضل بقناعة ومبادئ راسخة. المناضل الحقيقي له هدف نبيل وأنبل هو تحقيق الديمقراطية والعدالة الإجتماعية في أفق تحقيق الاشتراكية و التحرر والمساواة. المناضل عليه أن يكون مثقفا وألا يكون لأن الثقافة تزعج العدو الطبقي. المناضل المثقف يكون جريئا في مواقفه لأنه يتوفر على الأداة المعرفية النقدية لمواجهة العدو الطبقي. العدو الطبقي هو الحاكم المستبد ومن يدور في فلكه. في المغرب المثقف المناضل، إما أنه تحول إلى مرتزق أو أنه يتفرج على العبث الذي اقترفه المثقف المبتذل أو المتعلم الأمي. لا سبيل أمام طاحونة الاستبداد إلا نكران الذات ومواصلة النضال دون كلل. هذا الموقف النضالي الشجاع يجعل العدو الطبقي يغير مواقفه ويتراجع ويدفع المناضل الصادق ليفتح مرحلة جديدة في مساره النضالي معلنا انتصاره لأن التاريخ أنصفه..
الشهيد مهدي عامل، غرامشي العرب، المفكر العربي الوحيد الذي كانت له قوة كامنة كبيرة في إنتاج المعرفة بنحث مفاهيم جديدة دون الارتكان إلى قواعد أكاديمية صرفة. غرامشي العرب أبدع في الفكر: صنف الدول المتخلفة كبنيات تابعة على أنها تدخل في نمط إنتاج معين أطلق عليه نمط الإنتاج الكولونيالي ( محل العالم الثالث أو الدول المتخلفة أو السائرة في طريق النمو أو النامية أو دول الجنوب، التي هي في الأصل مفاهيم بورجوازية). البورجوازية الكولونيالية، الطبقة النقيض، القطع البنيوي، التطور أو التناقض التناحري، تمرحل التاريخ، وأخرى، كلها مفاهيم نحتها مهدي عامل لتفسير نوع التشكيلات الاقتصادية والاجتماعية التابعة لدول المحيط. مهدي عامل أنتج الفكر الماركسي العربي والعالمثالثي على أساس أن الفكر قابل للكونية انطلاقا من الخصوصية أو قل بعبارة مهدي كونية الخصوصية.
أعتقد الظلاميون والرجعيون أنهم أسكتوا فكر الشهيد مهدي عامل الذي لازال وسيبقى حاضرا في صفوف الأحرار لأن مهدي عامل سخر حياته من أجل مد جسور بنية فكرية لمناهضة كل أشكال السلطة المستبدة وبالتالي فالفكر هذا يصمد ويناضل ويستمر لأنه يتجدد باستمرار بقراءة الواقع لتغييره في أفق بناء الإشتراكية.
لروح مهدي عامل السلام.

د. أحمد زوبدي.