الدولة التي تقوم بإقبار التعليم هي دولة في طريق الإنهيار


أحمد زوبدي
2023 / 5 / 18 - 04:47     

الدولة التي تقوم بإقبار التعليم هي دولة في طريق الإنهيار.

في تقريره لعام 1999 نشر البنك الدولي مايلي : "المعرفة ستصبح سلعة كسائر السلع تخضع لكل أصناف السوق منها المنافسة والاحتكار واحتكار القلة"(بتصرف). مما يعني أن قطاع التربية والتعليم وبالخصوص في دول الجنوب سيتم ترحيله إلى القطاع الخاص الذي يجني منه الأرباح بكل أصنافها بما فيها الإعفاءات الضريبية والمساعدات بالجملة، إلخ. المسلسل اليوم الذي ترعاه المؤسسات العالمية كالبنك العالمي هو مسلسل تسليع ( marchandisation) المعرفة والعلم.
التعليم اليوم لا قيمة له في نظر ايديولوجيي الرأسمالية الاوليغارشية إلا بجلبه لرؤوس الأموال. التعليم سيصبح خاضعا لقوانين السوق في أبشع صورها.
تنجر إلى هذه الإيديولوجية الهدامة الحكومات-الدمى بدول الجنوب. يتم إذا إهمال قطاع التربية الذي يصبح عالة على الدولة ويصبح بالتالي غير قادر على امتصاص الأفواج المتتابعة من الأطفال البالغين سن التمدرس إلى جانب الأفواج التي يقوم بقدفها إلى الشارع ليس لأنها فشلت لكن لأن المنظومة التربوية انهارت.
هذا الوضع يزيد من تأزيم الوضع الاجتماعي كما يخلق الفوضى والعنف واللاستقرار بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي المزري للفئات الإجتماعية التي تم التخلص منها في أسلاك الدراسة.
تتجه الدولة إذن إلى مستوى متدني في ما يخص تدبير ومراقبة شؤون الاقتصاد والمجتمع. تفقد الدولة إياها تحكمها في الدواليب التي تكون بنيانها الذي يتحول من بنيان مرصوص الى بنيان متهالك في طريق الزوال. سيحكم على الدول أو قل الأنظمة السياسية التي اختارت هذه المسارات سيحكم عليها بالزوال، كما قال ابن خلدون، لأنها لم تفطن بقيمة المعرفة وبدور العلم والتربية والثقافة في بناء المجتمعات المتحضرة.
هذه الملاحظات والانطباعات الأولية تنطبق على المغرب الذي أصبح عرضة مافيات يستهترون بمشاعر الأحرار في واضحة النهار..
مأساة الجامعة والبحث العلمي :
سبق لكاتب هذه السطور أن نبه إلى المأزق الذي تعرفه الجامعة والبحث الجامعي في المغرب باعتبار هذا الأخير أساس كل تقدم. في هذه الورقة المقتضبة جدا أعود لأقول أن الجامعة تعرف وضعا كارثيا ومأسويا، وضع كارثي ومأسوي فعلا نظرا للتدني المقلق جدا لمستوى الطالب والمدرس ( أقول المدرس وليس الأستاذ لأن هذه الصفة النبيلة لها شروطها. وضعه كاستاذ هو وضع إداري وليس علمي) حيث اللوم الكبير للثاني. المدرس كالطالب يعتمد على الاستنساخ وسرقة بحوث الإجازة والماستر والدكتوراه دون أدنى مراقبة ودون أدنى حس أخلاقي. كاتب هذه السطور يتوفر على العديد من الحجج تثبت ذلك. كثير من أطروحات الدكتوراه مسروقة وأصحابها إما ترقوا إداريا أو التحقوا كمدرسين في الجامعة. ناقوس الخطر سبق له أن دق، ثم دق من جديد ودق مرارا وتكرارا. ناقوس الخطر أنذر بالخطر ومازال ينذر. الجامعة ياساسة الشعوذة في خطر وهل من منقذ لها ؟ الجامعة ركبها الجهل والأمية، وهذه سياسة ممنهجة لتخريب أغلى رأسمال اللامادي بمفهوم بورديو. الجامعة ركبها سماسرة العلم والفكر. الجامعة اليوم دخلت إلى قاعة الإنعاش، فهي الآن تحتضر ! ليس هذا بالغريب لأنه مخطط لضرب مجانية التعليم و التخلص من الوظيفة العمومية وتفكيك المرفق العام. الحكومة والدولة أصبحتا رهن إشارة رأس المال المعولم ورهن إشارة الشركات العابرة للقارات وليس رأس المال رهن إشارة الحكومة والدولة. ستعم إذن الفوضى و العنف كما أصبحنا نعيش ذلك لأن الدولة أصبحت غير قادرة على تعليم أبنائها وغير قادرة على تأمين السكان وغير قادرة على مد البنيات الأساسية. الدولة أصبحت قادرة فقط على الرد بالعنف القاتل المشرعن وليس المشروع، كما قال ماكس فيبير. وحين تعجز الدولة عن فرض الأمن ستقوم بخوصصة الشرطة يعني تصبح الحماية مقابل الأداء ومن لا مال له فهو خارج السوق وهو إذن في خطر في مجتمع الخطر ! إذن الدولة ستتآكل تم تنهار وتصبح الدولة دولة المافيات أو الدولة المافيا ( Etat-mafieux) !
الدفاع عن المعرفة والعلم والتعليم والثقافة وتطوير هذه الثروة الرمزية ( fortune symbolique) والمادية هو البديل لتجاوز ثقافة الرداءة والتفاهة والردة ولوضع شروط مجتمع متقدم ترقى فيه قيم البناء والابتكار والمعرفة وتصبح هي مفاتيح النجاح والرقي. تجاوز منظومة السياسة القائمة بالفعل أي سياسة المصالح غير المشروعة والمشرعنة لأجل منظومة سياسية تتبنى البعد الثقافي والقيمي هي السبيل لمجتمع تأخذ فيه المعرفة شكل الملك الجماعي( Bien commun) وتتخلص من شكلها السلعي المهيمن في الزمن الراهن.