بين الفتوى الدينية والفتوى السياسية


محمد باليزيد
2023 / 5 / 16 - 21:00     

الوضع الاقتصادي في كل العالم تقريبا(يقولون)(1) في ركود أو تدهور. لكن حدة الأزمة، ووقعها على الطبقات الاجتماعية، تختلف من بلد لآخر حسب نوعية اقتصاد (على أي القطاعات الإنتاجية يعتمد) كل بلد وكيف هو مهيكل هذا الاقتصاد وعوامل/إشكالات أخرى لا نفهمها نحن غير المختصين.
وضع المغرب قد يكون من بين الأكثر سوء حسب ما يلاحظ ودون أرقام رسمية أو غير رسمية. ومع التصريحات الغامضة حينا والمؤسفة حينا، حين يصرح المسؤولون بأن الحكومة عاجزة عن وقف المضاربين ومعاقبتهم، فأسعار جل المواد تضاعف بحوالي 10 إلى 100 في المئة تقريبا ومع ذلك الأرقام الرسمية تقول أن التضخم هو فقط حوالي 10% !.
نحن على أعتاب عيد الأضحى والمؤشرات تنذر أن قانون السوق، بالإضافة إلى تحكم المضاربين في أعناق الناس وأرزاقهم، كل هذا ينذر بأن ثمن الأضاحي سوف يحطم كل الأرقام القياسية وأنه، ليس الفقراء فقط، بل جزء كبير من الطبقة الوسطى، سيجد صعوبة في أن يمر العيد بكل طقوسه مع الفرحة الحقيقية.
ورغم أنه، جل المغاربة، كما المسلمون، يعرفون أن الأضحية يوم عيد الأضحى ليست فريضة وإنما سنة، إلا أن الثقافة الشعبية والممارسات الاجتماعية (وربما أشياء أخرى) جعلت الناس ينظرون إليها وكأنها فريضة. يؤكد قولنا هذا أن دعوات كثيرة توجه عبر وسائل التواصل للحكومة أو لجلالة الملك كي يتدخلا و"يفتوان" بسقوط هذه "الفريضة" هذا العام.
لقد سبق أن حدث، في عهد المرحوم الحسن الثاني، أنه كان هناك جفاف أثر على الماشية. وكي لا يحدث شبه انقراض للماشية إذا ضحى كل المغاربة، ولأنه لا يمكن عمليا أن نطلب من جزء فقط من المغاربة الامتناع عن الأضحية، تدخل الملك وأمر كل المغاربة بعدم الأضحية.
من المنظور وبالحيثيات السابقة، يتضح أن ما فعله الملك المرحوم ليس فتوى دينية تغير من حكم الأضحية كسنة ولو لسنة واحدة. وإنما ما فعله هو أمر سياسي/ تدبيري للحفاظ على الماشية بصفته (وكل طاقمه حكومة ومستشارين) مسؤول عن التخطيط والتدبير الاقتصادي من أجل المصلحة العامة.
لكن الحيثيات التي بسبها المغاربة اليوم يطالبون بتدخل الملك أو الحكومة هي حيثيات مختلفة. فليس هناك خطر انقراض الماشية أو أي خطر موضوعي آخر حسب علمنا. أي أن العرض موجود وفقط القدرة الشرائية للمواطن المغربي ما عادت في مستوى "مسايرة السنن الإسلامية". أي أن تفقير الشعب، سواء كان هذا التفقير نتيجة سياسة مقصودة من أجل زيادة غنى طبقة/عائلات (2) محدودة، أو نتيجة عوامل اقتصادية موضوعية، هذا التفقير جعلنا أمام أوضاع ، اقتصادية/دنيوية تخرج غالبية المغاربة من دائرة أداء سنة مؤكدة.
إذن، من جهة، الحيثيات لا تسمح للمسؤول السياسي/الدنيوي بأن يأمر بعدم الأضحية، ومن جهة أخرى، المسؤول الديني، سواء كان جلالة الملك بصفته أميرا للمؤمنين، أو المجلس العلمي(الديني) للمملكة، بصفته مسؤولا عن شؤون الدين، هذا المسؤول لا يستطيع سوى أن يثبت ما هو مثبت أصلا: الأضحية مجرد سنة وليست فرضا. وإذا كان الدين، يعفي حتى من الفروض من لا يستطيع القيام بها، فما بالك بالسنن؟ كيف نفسر إذن عقلية المغربي الذي رغم أنه يعرف أن الله سبحانه أعفاه ووضع له مخرجا، يبحث عن مخرج آخر؟ هل يمكن أن نفسر هذا بأن المواطن المغربي (مع عدم التعميم طبعا) يسعى إلى "رمي" المسؤولية على الآخر ولا يريد هو أن يتحمل مسؤولية حتى تحديد قدرته (أمام الله الذي يعرفه أكثر مما يعرف نفسه) ويريد من الآخر أن يقرر مكانه ويبقى هو مرتاحا دينيا ودنيويا؟

1) "يقولون"، أن هناك أزمة، لكن يجب أن نعرف ما طبيعة هذه الأزمة؟ فإذا كنا نتكلم مثلا عن بلد واحد، فيمكن أن نفهم الأزمة إذا نتجت عن جفاف مثلا أدى إلى تدهور الإنتاج الفلاحي. أو عن انخفاض الطلب/أسعار مادة معينة في السوق العالمي وهذه المادة هي الأساسية في تصدير هذه الدولة.... أما حين نتكلم عن كل العالم، فمثلا مسألة انخفاض سعر مادة ما(النفط مثلا)، سيجعل بعض الدول تربح وبعضها يخسر ولن نستطيع أن نقول أن كل العالم تأزم بانخفاض أسعار النفط.
على صعيد وحدة إنتاجية واحدة (مصنع مثلا)، نفهم أن ادعاء رب العمل انخفاض الأرباح لا يكون غالبا سوى حجة مغلطة للعمال كي يقبلوا بعدم رفع أجورهم أو حتى تقليصها. وهذه اللعبة لا نستغرب أن تلعبها كل البرجوازية، موحدة، على الصعيد العالمي، كي تجعل الطبقة العاملة تتخلى عن بعض مكتسباتها لأن البرجوازية العالمية أحست بأن اللحظة الآن لحظة هجوم بالنسبة لها وليست لحظت دفاع. ومعركة سن التقاعد في فرنسا مثلا دليل على ذلك.
في السبعينات، قال احد علماء التربية، اظن انه الماني: ما دام الانسان قد وصل هذا المستوى من التقدم، فينبغي ان لا يضطر الاطفال للالتحاق بالمدرسة في وقت مبكر قصد التعلم. التعلم الذي هو في النهاية من اجل العمل. يجب ان يتمتع الاطفال بسنين من اللعب والتمتع بطفولتهم قبل " التجنيد المدرسي". يجب رفع سن التمدرس بسنتين مثلا. الآن، وبعد أكثر من خمسين سنة من التقدم الهائل، لا تريد البرجوازية أن تكتفي بتقليص طفولة الإنسان وإنما شيخوخته. صار من اللازم رفع سن التقاعد والخصم من سنوات الراحة التي يتمتع بها الانسان في شيخوخته. رفع هذا السن في المغرب سنة 2016 من 60 إلى 63، والآن الجولة الثانية قد تكون من 63 إلى 65.
2) نتكلم عن الطبقات حين يكون الفرز الاقتصادي/الاجتماعي نتيجة ميكانيزمات الرأسمالية الحقيقية. أما حين تشوه هذه الرأسمالية وتتدخل فيها عوامل الزبونية والعائلية و... لتحل محل التنافس الرأسمالي، رغم عيوبه هو الآخر، فنحن إزاء عائلات أو قبائل أو مافيات وليس طبقات.