الأستاذ فاروق أبوعيسى


المنصور جعفر
2023 / 5 / 16 - 17:32     

هذه لمحات من نضالات الأستاذ المحامي فاروق أبوعيسى (1933 إلى 2020) الذي تولى منذ شبابه الشيوعي المجيد مهمات تاريخية فذة يشيب من هولها الوليد ونجح في أداءها وفق أهدافها وعياراتها وثقافة زمانها ومستوى إلتزام شركاءه فيها.


كان الأستاذ فاروق من أبرز قادة ثورة أكتوبر 1964 في السودان وهي أول ثورة مدنية في العالم تسقط حكماً عسكرياًً حيث كان معارضاً شرساً لذلك الحكم الذي جاءت به تدابير المخابرات الأمريكية والبريطانية مع قادة الطوائف وقادة الجيش.


وفي أول السبعينات شغل الأستاذ فاروق أبوعيسى منصب وزيز خارجية السودان عقب ثورة 25 مايو 1969 التي أقبلت على بناء الأفكار والإمكانات المؤدية إلى تحقيق الإشتراكية قبل أن يستولى النميري على قيادتها وينقلها بالتدريج من إتجاه اليسار والوسطية إلى دجل وفساد وقمع الإسلام السياسي.


ايضاً شغل الأستاذ فاروق أبوعيسى منصب الأمين العام لإتحاد المحامين العرب في عالم الدول العربية الغارق في بؤس الإفقار والمغرم بانتهاك الحقوق.


وأيضاً حاز الأستاذ فاروق أبو عيسى شرف إختياره من نقابات وأحزاب السودان لعضوية قيادة التجمع الوطني الديمقراطي وهو التنظيم الجبهوي الذي قاد رفض الشعب السوداني للحكم الإسلامي بين 1989 و 2009. حيث أوصل حكمهم مرحلة الإنهيار.


في الفترة بين 2009 و 2020 ترأس نسل التجمع المسمى "الإجماع الوطني" وهو التنظيم الذي أسقط عبر واجهات وجهود أخرى جبروت الإسلاميين وألقى بقيادتهم في مزبلة الكذب والخلافات والصراع والسقوط والمحاكمات.

في خلجات كل هذه الأمور ونضالاتها واعتقالاتها كان الأستاذ فاروق أبوعيسى مهتماً بمكافحة التناغم الإستعماري الحديث بين قوى مثلث الشر: الإمبريالية والصهيونية والرجعية مدافعا ومنافحاً عن القضيتين الكبيرتين للعدالة في عالم ما بعد الاستعمار وهما قضية حقوق الفلسطينيين وقضية حقوق الجنوب إفريقيين.



1. في منتصف الستينيات كان الأستاذ فاروق أبوعيسى من رواد التغيير الطبقي لقيادة السياسة في السودان وتحويل دفتها من أيدي زعماء الطوائف والقبائل إلى جماهير المدن.



2. في أواخر الستينيات كان الأستاذ فاروق أبوعيسى من رواد التغيير في العمل السياسي وتحويله من جعجعة مايكروفونات إلى عملية منظمة.



3. في أول السبعينات حول الاستاذ فاروق أبو عيسى إدارة علاقات السودان الخارجية من إجتهادات سفراء إلى عملية منظومة بإدارات تقنية متخصصة تشتغل وفق حاجات خطة التنمية وليست ضد التنمية كما كانت الحالة قبله وعادت بعده.



4. في وسط السبعينيات رغم صخب الانتصارات الثورية في فيتنام وأنجولا وموزمبيق وإثيوبيا وتحول ليبيا وسوريا والعراق واليمن إلى نسق أعلى في ترتيب أمور اقتصادها بأساليب حكومية بعيدة عن سيطرة الشركات والقواعد العسكرية الامبريالية كان أبوعيسى من أوائل من أنتبهوا ونبهوا إلى تحول السياستين العالمية والداخلية في مختلف المجالات الاقتصادية والمعيشية والإعلامية والسياسية والدولية إلى زيادة التعاون الامبريالي الرجعي.



5. في الثمانينيات نظم الباقي من قوى الحقوق والحريات في العالم العربي ورتب أموره باتحاد المحامين العرب ووجهه ضد كافة أشكال التسلل والتغلغل الامبريالية والصهيونية ونجح في تذويب بعض الخلافات بين الفصائل اليسارية في الدول العربية بين تيارات من القوميين والاشتراكيين والشيوعيين.



6. في التسعينيات نجح في رفع النضالات النقابية والتقدمية في دول العالم العربي من حالتها الفئوية القطرية إلى المستوى العالمي لقضية الحريات وحقوق الإنسان في كل العالم.



.7 منذ التسعينيات حتى أوائل الالفينات نجحت جهود الأستاذ فاروق أبوعيسى في إغاثة وتجميع كثير من نشطاء الديمقراطية في السودان ومن ثم تحويل التجمع الوطني من هيئة لتنعيم ونخبنة النضال إلى هيئة نضال شعبي.

أسهمت حنكة الأستاذ فاروق أبوعيسى ودرايته في إقناع زعيم كل طائفة من الطائفتين السيدتين بشرعية وحلال "الدولة المدنية" التي قضوا عمرهم يتجنبونها ويحاربون فكرتها. موقد تكلل ذلك الانتصار التاريخي لنضال الشعب السوداني ولنضال فاروق الطويل ضد الرؤية الدينية الطبقية المضادة لمصالح ومطالب الكادحين بمؤتمر سمى "مؤتمر القضايا المصيرية" عقده ممثلو النقابات والأحزاب السودانية في أسمرا عاصمة دولة ارتيريا عام 1995

بجهد الأستاذ فاروق أبوى عيسى وكم من ثقاة السياسة في السودان أصدر ذلك المؤتمر إعلانه المقر لحقيقة الاصل الإقتصادي والطبقي للمظالم الاجتماعية السياسية ونزاعاتها وحروبها.

ووفقاً لهذا التأسيس أقر كل اطراف المؤتمر حقيقة مدنية السياسة والدولة ضد دينيتها وضد عسكريتها من ثم وافقوا على المساواة والحريات وحق تقرير المصير كأسس لوقف كل العداوات وضمنها الحرب في الجنوب.

من ثم بدفع الأستاذ فاروق أبوعيسى مع الشيوعيبن لتطور نضالات التجمعيين قام الإسلاميون الحاكمين السودان في محاولتهم سرقة مدنية ابو عيسى والتنكر بها لخداع الشعب والعالم قاموا بإصدار دستور عام 1998 الذي من حيث لم يحتسبوا زاد الشقة بينهم منذ عام 1999 إلى اليوم.



8.في فترة الألفبنات نشط الأستاذ فاروق أبوعيسى في أمرين كان الأول هو توضيح نقاط التقارب ونقاط التفارق بين مواقف قيادة "الحركة الشعبية لتحرير السودان" داخل وخارج "التجمع" وكان الثاني هو التصدي لمراوغة وتنصلات الحزبين الرجعيين بعد اتفاقات "نيفاشا" و"مشاكوس" بين "الحركة الشعبية" المقاومة و(حكومة) "الحركة الإسلامية" الحاكمة.

ي عام 2005 أدت الاتفاقات الجزئية المعقودة في 2002 و 2003 إلى "اتفاقية السلام ااشاملة" من ثم أنتهت كل محاولات الأستاذ فاروق أبوعيسى إلى فشله في تنسيق الجهود الحزبية المقاومة بل انتصرت عليه أساليب التفاوض الثنائي بما فيها من فروق وخدع يستعملها كل طرف ليبرر عشمه في الطرف الآخر ويغطي إنتهازية الإنفراد معه بقيادة مصير كل السودان.


لم يهتم قادة "الحركة الشعبية" أو قادة الأحزاب الطائفية في "التجمع" برأي القوى الأخرى في عيوب تلك الأساليب وعيوب مشروعات اتفاقاتها آنذاك رغم دور تلك القوى في رفع شأنهم الإعلامي/الحزبي أمام الاسلاميين.

لم يابه محبو الإتفاقات الثنائية حتى بالانتقادات التي وجهت ضد عيوبها من داخل تنظيماتهم. وبهذا الضعف تأزم "التجمع الوطني" ودخل منذ عام 2005 إلى نتائج ذلك التوافق الدولي كشريك ل"الحركة الشعبية" أو مشارك مستقل معها وهي التي رضيت أصلاًٍ في إتفاقها عام 2005 مع (حكومة) البشير الإنقلابية رضاءاً تاماً بنصيب الشريك الضعيف مقابل تيسير عملية تقرير مصير الجنوب واستقلاله وتحكم تنظيم "الحركة الشعبية" في كل أمور الجنوب بشكل يمهد لذلك مقابل تركها أهم أمور الشمال لحكم تنظيم "الحركة الاسلامية".


9. بحكم خبرته الطويلة في تكوين الجباه والتنظيمات من قوى مختلفة الأفكار والأساليب والأنشطة ومع ألفته لإنقساماتها وتنصلاتها وتوبتها مرة ثم نكوصها في أخرى لم تحبط جهود الأستاذ فاروق أبو عبسى والحزب الشيوعي والقوى التقدمية ولم تقنع بدور الشريك الصغير الصامت سواء كان ذلك قبل أو بعد إستقلال الجنوب.


بجهودهم ضد فشل الإسلاميين في أمور الوحدة الوطنية وأمور الديموقراطية وأمور المعيشة وأمور النزاهة تأججت الإنتفاضة الباسلة رقم 23 للشعب السوداني ضد جبروت وعسف الاسلاميين في سبتمبر 2013 التي واجهها الإسلاميون بقمع دموي استشهد من جراءه عدد كثير من الناس.


بفشل حكومة الاسلاميين في المحافظة على الوحدة الوطنية وفي إقامة حياة ديموقراطية وفي تخفيض ولو قليل في مستويات تدهور المعيشة وفي الحد من تضخم الفساد الإسلامي نجحت جهود أبو عيسى في تجميع القوى الشعبية والحزبية وتنظيم جزء من أنشطتها في أطار واسع سمى "قوى الإجماع الوطني".


قاد فاروق بذلك الإجماع عملية مزدوجة الأولى ضد استكبار الإسلاميين وغطرستهم ذات التعذيب والمعتقلات. والثانية ضد نفاق الأحزاب الطائفية ومراوغة حركات دارفور وتلاعب كل منهم أي الأحزاب والحركات مع ديكتاتورية الإسلاميين بينما هم يتشدقون"الإجماع الوطني".


10. لم تضني التراجعات والتقلبات جهود الأستاذ فاروق أبوعيسى والحزب الشيوعي السوداني والقوى المناهضة بقدر ما لديكتاتورية الإسلاميين ولم تفت عضدهم الخيانات السياسية لفكرة وحدة المقاومة الشعبية بل زادت وتنوعت أساليبهم.

أسهم الإجماع بإضافة فكرة ومشروع تكوين "لجان المقاومة" الشعبية في كل حي سكني وفي بلورة وزيادة الضغط المطلبي من التنظيمات القاعدية على رؤوس وفروع ديكتاتورية الإسلاميين وهي الجهود والنضالات التي أدت إلى زيادة خلافات الاسلاميين في مختلف المجالات حتى بعد محاولاتهم رأب صدوعهم القديمة والحديثة وعقدهم مؤتمراً للحوار الوطني عام 2014.


فشل "مؤتمر الحوار" في وضع خارطة طريق للإسلاميين تخرجهم من الأزمات التي أوقعوا فيها السودان، من ثم مع خلافاتهم زادت التغييرات الحادة في أمور السياسة بتعيين وعزل أكثر من من مساعد للرئيس وتعيين وعزل أكثر من رئيس وزراء في فترة قصيرة، وكذلك خلافاتهم في أمور الأمن والنظام بتغيير قادة الهيئات العسكرية والأمنية خلال نفس الفترة القصيرة، وبتغيير كثير من الوزراء وحكام الولايات والمناطق، وأيضاً إرتجال تغييرات حادة في السياسات المالية والتجارية كثير منها ضد الأخرى،وكذلك تناقضوا في السياسة الخارجية والعلاقات مع امريكا واسرائيل وايران والسعودية ومصر وليبيا واليمن واثيوبيا الخ كذلك تضاربت تصريحاتهم في كل الاتجاهات.


وجهت التظاهرات التي سيرها الشيوعيون والتقدميين في مناطق النيل الأزرق ودارفور ثم في يناير 2018 حيث قامت الدنيا ولم تقعد إلى الآن رغم تغير القيادة العسكرية للدولة في أبريل 2019. كثمرة من ثمرات نضال الأستاذ فاروق أبو عيسى الذي بدأت منذ أواخر عام 1949 في الحزب الشيوعي السوداني.



11. لم يتوقف عطاء الأستاذ محامي الشعب حتى في فترة احتضار حيث وجه رسالة مقاومة إلى الجماهير ضد أساليب العسكريين في تبريد الانتفاضات وتشتيت أهدافها وتقسيم قواها ثم توجيه ضربات متنوعة إليها. وفي 12 ابريل 2020 أختتم الموت حياة الاستاذ فاروق بعد سنة من مشاهدته نتيجة موجبة لنضاله تمثلت في كسر جبروت الحكم الإسلامي وعنجهية استبداده وديكتاتوريته التي أستمرت ثلاثون عاماً.

كان نضال الأستاذ فاروق يفشل في كل عام منها مشروعاً أو مشروعين للإستبداد إلى أن وجد زعماء الإسلاميين أنفسهم في السجون التي كانوا يلقون فيها المناضلين ضد ديكتاتوريتهم، لكن هذه المرة كانت حافلة بإحترام حقوق وكرامة كل معتقل معززين مكرمين بالفرش الوثيرة والاطعمة الخاصة والمشافي ذات خمسة نجوم ومحاكمات متباعدة الجلسات بعضها يأخذ يوماً كاملاً ليتحقق من جزئية صغيرة في تهمة جانبية من التهم التي كان يواجهها سدنة الديكتاتورية وهو حال رغم موجبيته سمح للإسلاميين مجدداً مع دولتهم العميقة بتفجير أوضاع الدولة النخبوية في 15 أبريل 2023 وهي الدولة التي بدأ انهيارها قبل الثورة الشعبية التي اندلعت عام 1924.


12. لا يكتمل حديث عن نضال الأستاذ فاروق أبو عيسى إلا بذكر بعض حهوده في أروقة الدول العربية وهيئة الأمم المتحدة لتكريب مختلف الجهود والقرارات المناصرة لحقوق الشعب الفلسطيني وهو أمر ليس بغريب على من استلهم في دوائر الحزب الشيوعي السوداني مآثر مناضليه وبعض من جهودهم في التعريف بهذه القضية والدفاع عنها وأشهرهم المنظم الرائد عبده دهب حسنين صاحب أول تقرير متكامل عن فداحة أزمات وتناقضات القوى العربية في فلسطين 1947 ومعه العميد زاهر سرور السادات قائد المقاتلين السودانيين في فلسطين، والأستاذ أحمد خير المحامي وزير خارجية السودان في الستينيات وصاحب الكتاب المعلم "كفاح جيل" إضافة إلى جهود كثير من المحامين في السودان والعالم لنصرة هذه القضية المعيارية في مجال عدالة النظم والعلاقات الدولية ومجال حقوق الشعوب ولم تغيب قضية فلسطين جهوده لأجل قضية المساواة في جنوب إفريقيا وكذلك قضية المساواة داخل السودان.


عند وفاة الأستاذ الجليل فاروق أبوعيسى رحمه الله كان بعيداً وبعد مسافة طويلة منه كان المجد خلفه يلهث محاولاً اللحاق به.


https://ar.m.wikipedia.org/wiki/فاروق_أبو عيسى

https://aohr-hq.net/2022/09/1119.html