كيف نفهم ماركس؟ كيف نفكر معه؟ او ضدّه؟


عادل عبدالله
2023 / 5 / 14 - 16:47     

بعد حولين كاملين من قراءة الماركسية، أعني مؤلفات كارل ماركس و الدراسات الفلسفية الرصينة التي عملتْ على شرحها و تفسيرها، ثبتً لي: أن الفلسفة الماركسية لا يمكن لأحد فهمها على الاطلاق- أعني، أن من الممتنع تماما على أيّ باحث، مثقف او متعلم، أنْ يصبح ماركسيا حقيقياً - من دون أن يحيط علما بالموضوعات التالية:
أولاً: دراسة مؤلفات هيجل كلّها. – وهذه بديهة أشار الباحثون لها و نوّه بها لينين في " دفاتره افلسفية"-
ثانياً: دراسة مؤلفات فويرباخ كلّها. و هذه مسألة اجمع الباحثون على ضرورتها، و يمكن ربطها بالنقطة الأولى عن طريق القول الواثق: إذا كان ماركس الابن العاق لهيجل، فإنه بلا شكّ الابن البار لفويرباخ.
ثالثاً: دراسة المؤلفات الاقتصادية لجوزيف برودون، تحديدا كتابه " فلسفة البؤس" الكتاب الذي ردّ عليه ماركس بكتابه الخاص " بؤس الفلسفة" – انطلاقا من حقيقة مفادها، ان المبادئ الاقتصادية الكبرى لكتاب "رأس المال" موجودة في مؤلف برودون هذا.
رابعا: دراسة السيرة الذاتية لكارل ماركس، لا من خلال المؤلفات الموالية لفلسفة فحسب، بل من خلال المؤلفات المناهضة لفلسفته أيضا. اذ ان ثمة اسرارا فلسفية لا يمكن فهمها الا من خلال التعرف على حياة ماركس.
خامسا: التعرف عن قرب حميم على جميع المضامين الفلسفية لحركة الهيغليين الشباب، على الأخص فلسفة ماكس شتيرنر، الفيلسوف المتمرّد الذي خصص نصف كتابه الوحيد " الأنا و ملكيتها" لنقد تصورات ماركس الفلسفية، تماما كما خصص ارل ماركس أكثر من نصف مضمون كتابه "الأيديولوجيا الألمانية" للرد عليه.
سادسا: ينبغي ان نضع في الحسبان، و من دون ان نغفل طرفة عين عن حقيقة مفادها: ان النظريات الماركسية بابعادها الفلسفية و الاقتصادية و الاجتماعية و التاريخية و السياسية، تتأسس على نحو أصيل على قاعدة عنوانها الأكبر " موقف ماركس من الدين" . أمّا لماذا؟ ففضلا عن وضوح هذه القضية في مؤلفات ماركس نفسها، يمكن القول: إنّ هيجل هو "نبي الفلسفة الإلهية" و إنّ مفهوم "الله" يخترق مذهبه الفلسفي من اليفه الى يائه، و لمّا كان ماركس هو النقيض القطبي لفلسفة هيجل، كان من الطبيعي جداً ان يكون موضع الطعن و الخلاف بين الفيلسوفين، هو الموقف الديني، تحديدا: وحدة الدين و الفلسفة في مذهب هيجل، و الفصل بينهما، سبيلا للنيل منهما معا، في فلسفة ماركس.
سابعا: لا بد من التعرف عن كثب، على سلسة الدراسات النقدية بعد رحيل ماركس، اعني الدراسات التي حاولت تصحيح بعض المواقف الماركسية من جهة، و الدراسات التي رأت ان فلسفة ماركس قد أخطأت بالفعل في بعض تصوراتها الفلسفية و الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية. اذكر على سبيل المثال: اعلام مدرسة فرانكفورت، هيبوليت، شاتليه، التوسير، غرامشي، باخونين و عشرات غيرهم.
معنى هذا كلّه:
ان القسم الأعظم من المؤلفات التي كتبت بالعربية عن "كارل ماركس" – مما تسنى لي الاطلاع عليه - لم تحتفظ إلّا بالنزر اليسير من شروط فهم ماركس.
و معناه أيضا: انه اذا أراد المرء ان يصبح ماركسيا حقيقيا، مدافعا جديرا بالاحترام و الاعجاب، فلا مناص له مطلقا الا اتخاذ هذه المداخل السبعة ذخيرة فكرية و معينا مترعا للدفاع عن قضيّته، تماما كما هو الحال مع الباحث الذي يريد ان يناهض الماركسية، اذ لا مناص له هو الاخر من الاحتفاظ بهذه الشروط للنيل من الماركسية.
و معناه أخيرا: ان الماركسية ليست نظرية سياسية و نظام حكم و نوع انتماء حزبي فحسب، انها قبل ذلك و بعده، فلسفة اجتماعية و اقتصادية و تاريخية أيضا.
أقول كلّ ذلك، بمناسبة عزمي على تأليف كتاب شامل عن فلسفة كارل ماركس، ما لها و ما عليها.