كتاب التوافقية والمأزق المستمر في النظام اللبناني تأليف الدكتور كميل حبيب، عرض/ نقولا طعمة


مصطفى العبد الله الكفري
2023 / 5 / 13 - 11:00     

كتاب التوافقية والمأزق المستمر في النظام اللبناني
تأليف الدكتور كميل حبيب، عرض/ نقولا طعمة
هل ما تزال التوافقية -كسمة للحكم- صالحة لتحقيق الاستقرار السياسي في لبنان؟ ومتى يتوقف النظام الطائفي عن إنتاج الأزمات التي عانى كثيراً من ويلاتها اللبنانيون؟ هل صحيح أن الحرب الأهلية هي البديل عن التوافقية؟ وماذا عن إمكانية بناء دولة حديثة قائمة على مبادئ العدالة والمساواة تنأى بلبنان عن الضغوطات الداخلية والخارجية التي أظهر النظام الطائفي هشاشة متفوقة في التعاطي معها؟
هذه الأسئلة وغيرها حاول الباحث الدكتور كميل حبيب معالجتها في هذا الكتاب الذي ينقسم إلى قسمين رئيسيين: يتضمن الأول ستة فصول، في حين يعد الثاني عبارة عن دراسة ميدانية وعملية استطلاع لآراء أساتذة الجامعة اللبنانية حول واقع وآليات إصلاح النظام اللبناني.
يعالج الفصل الأول معنى التوافقية على المستوى النظري وآليات عملها في مجتمع متعدد، كما يسلط الضوء على شروط العمل بالتوافقية كأسلوب للحكم، وهي ثلاثة شروط: الانقسام الاجتماعي، والتمثيل النسبي لكل الشرائح الاجتماعية في الحكم، ووجود تقليد تاريخي للتوافق. وهذه الشروط متوافرة في لبنان منذ أيام المتصرفية التي اعتمدت منذ منتصف القرن التاسع عشر.
ويخلص الكاتب في هذا الفصل إلى مقولتين: الأولى تفيد بأنه لا يمكن الجمع بين التوافقية والديمقراطية، فبينما تعني الديمقراطية حكم الأكثرية، أي أكثرية سياسية، تعتمد التوافقية على تمثيل كل مكونات المجتمع في الحكم، بدون الحديث عن أكثرية وأقلية.
أما المقولة الثانية فترى أن التوافقية تبقى آلية هشة لصنع الاستقرار وتثبيته، وأنها غير قادرة على معالجة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، وأن نجاحها رهن بتوازنات داخلية وخارجية دقيقة.
هذه التوازنات وفرت للبنان نوعاً من الاستقرار السياسي منذ مطلع الاستقلال عام 1943 وحتى منتصف سبعينيات القرن الماضي (الفصل الثاني)، وكانت ركيزة ذلك الاستقرار انشغال الدول العربية المجاورة بحروب مع الدولة الصهيونية، ووجود طبقة سياسية مسيطرة على طوائفها، وتعي تماماً حدود خطر الخلافات السياسية.

الحروب الأهلية وانهيار التوافقية:
وهكذا، ففي الفصل الثالث يناقش حبيب الأسباب الداخلية والخارجية التي أدت إلى حروب أهلية على مدى 15 عاماً وانهيار التوافقية، فعلى المستوى الداخلي يذكر المؤلف أن التوافقية انهارت أمام استفحال الانقسام الطائفي، والتغيير الديمغرافي، وعدم تعاون زعماء الطوائف لمنع الحرب، وبروز زعماء للمليشيات غير ملتزمين بالتوافق، وعدم البحث عن خيارات وبدائل لحل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وبروز ظاهرة الفساد، وانهيار القيم الاجتماعية والثقافية التي اجتمع حولها اللبنانيون في زمن مضى.

أما على المستوى الخارجي، فالأسباب التي أدت إلى انهيار التوافقية عام 1975 يمكن إيجازها على النحو التالي:
1- الأطماع الصهيونية في المياه والأرض اللبنانية.
2- التعايش الصعب بل المستحيل بين مستلزمات المقاومة الفلسطينية وحقوق الدولة اللبنانية، فالوجود الفلسطيني المسلح مثَّل انتهاكاً سافراً للسيادة اللبنانية وساهم إلى حد كبير في “عسكرة” المجتمع اللبناني.
3- اعتبار سوريا أن ما يجري في لبنان يشكل تهديداً مباشراً لأمنها، الأمر الذي دفعها لإرسال وحدات من جيشها إلى لبنان في يونيو/حزيران 1976.

إن انفجار الحرب الأهلية عام 1975 يضعنا أمام المسائل التالية:
1- التوافقية لا تقوم بوظيفتها الأساسية المرجوة منها عندما تكون الحاجة ماسة إليها، أي في زمن الأزمات.
2- غياب عناصر المناعة في النظام الطائفي يفتح الباب أمام بروز حالة اللا استقرار والفوضى.
3- غياب التعاون والحوار بين زعماء الطوائف يؤدي إلى حصول كوارث.
4- التوافقية لا تنجح في حالة غياب الوفاق الوطني، والمساعدة والدعم الإقليمي والدولي.

“من الأسباب الداخلية التي أدت إلى انهيار التوافقية استفحال الانقسام الطائفي، والتغيير الديمغرافي، وعدم تعاون زعماء الطوائف لمنع الحرب، وبروز زعماء للمليشيات غير ملتزمين بالتوافق”
ولقد ظهر كل ذلك جلياً إبان الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 (الفصل الرابع)، فمع وصول الثلاثي الإرهابي (بيغن، شارون، إيتان) إلى الحكم في تل أبيب، حاولت الكيان الصهيوني من وراء غزوه للبنان تحقيق الأهداف التالية:
تدمير البنية التحتية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
إجبار سوريا على سحب جيشها من الأراضي اللبنانية.
إجبار لبنان على توقيع معاهدة سلام مع الدولة العبرية.
ورغم أن الجيش الصهيوني تمكن خلال غزوه من احتلال مدينة بيروت وإجبار منظمة التحرير على الخروج منها إلى أماكن شتات جديدة، فإن إسرائيل فشلت في تحقيق أي من أهدافها السياسية:
لم ينسحب الجيش السوري، وكان لوجوده السبب الثاني المباشر في إلغاء اتفاق 17 مايو/أيار 1983.
بروز المقاومة اللبنانية والإسلامية التي أبلت البلاء الحسن في دحر الجيش الصهيوني.
انطلاق الانتفاضة الوطنية الفلسطينية في الأراضي المحتلة، مما يعني أن الروح الوطنية الفلسطينية لم تندثر رغم الهزيمة التي لحقت بمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان.
الإدانة الدولية لإسرائيل وتحميلها مسؤولية مجازر صبرا وشاتيلا.
تصاعد الدور السوري وتأثيراته على الواقع السياسي اللبناني.
استقرار 1990-2005:
لم يتم العمل باتفاق الطائف (الفصل الخامس)، ولقد عهد إلى دمشق رعاية الخلافات بين اللبنانيين. إلى جانب ذلك، فإن الاستقرار الداخلي منذ عام 1990 وحتى عام 2005 كان يرتكز على عمودين كبيرين: ظاهرة المقاومة الممثلة بحزب الله، وظاهرة الرئيس رفيق الحريري. ولقد قام الأخير بجهود مضنية للتوفيق بين نجاح المقاومة ومنطق الدولة التي أثمرت تفاهم أبريل/نيسان 1996 الذي شرعن المقاومة على الساحتين المحلية والدولية.
ولقد ساعد ذلك حزب الله على تحقيق نصر تاريخي على إسرائيل مجبراً إياها على الانسحاب من معظم الأراضي اللبنانية المحتلة دون قيد أو شرط. وسيبقى يوم 25 مايو/أيار 2000 يوماً مشرقاً في تاريخ لبنان، البلد العربي الوحيد الذي ألحق الهزيمة بجيش إسرائيل. لكن هذا اليوم هو أيضاً يوم تصاعد الدعوة المسيحية للجيش السوري بالخروج من لبنان.
واستمر السجال الداخلي دائراً بين مؤيد ومعارض للوجود العسكري السوري إلى أن بلغ ذروته مع صدور قرار مجلس الأمن رقم 1559 الذي زاد من حالة الشرخ والانقسام بين اللبنانيين، وفتح الباب مجدداً على أزمة سياسية حادة بدأت مع اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري (الفصل السادس).
للمزيد يرجى متابعة الرابط: http://almustshar.sy/archives/10190