الدوامة السودانية


خالد بطراوي
2023 / 5 / 12 - 23:24     

كما تعلمون أيها ألاحبة، فما زال السجال العسكري الدائر في السودان يلحق الدمار والشلل بكافة أوجه الحياة في البلد. لقد خفّت التغطية الاعلامية المتعلقة بالأحداث التي تدور هناك وقامت كافة الدول وبدرجات متفاوته بعمليات إجلاء لرعاياها تاركة الشعب السوداني الشقيق لطغمتين عسكريتين تستخدم كل منهما هذا الشعب الأصيل كدروع بشرية تختبىء خلفهم.
في العلوم العسكرية رغم جهلنا بها، وفي الشرف العسكري أيضا، لا يختبيء العسكري خلف المدني ، إذ أن من واجبه أن يحميه لا أن يتحامى به.
لكن، في الحروب وفي النزاعات المسلحة يضرب العسكر يعرض الحائط بكل العلوم العسكرية والشرف العسكري وقواعد الإشتباك والقانون الانساني الدولي بل وحتى تعاليم الديانات السماوية التي تدعو للحفاظ على البشر والشجر والحجر ودفن القتلى ومعاملة الأسرى أحسن معاملة وغيرها الكثير الكثير من الأمور التي هي من البديهيات.
الذي يحصل في السودان، أن قوى الظلام الخارجية التي دفعت باتجاه إشعال فتيل هذا النزاع المسلح العبثي، كانت تدرك تمام الإدراك أن البرهان وكذلك "حميدتي" لا يستطيع أي منهما أن يحسم عسكريا الوضع لصالحه، وبالتالي ستدخل السودان في نزاع إستنزاف مسلح، يقوّض الدولة واركانها وتسود شريعة الغاب ويجري تفتيت كافة مقومات البلد وبضمنها القانون والقضاء، ما يعيد السودان سنوات وسنوات الى الوراء قد تصل – لا قدّر الله – الى عصر الانسان الأول برتوش من ملامح تطور البشرية الحالي حيث لن يحتاج المواطن السوداني هذه الإيام كي يضرب الحجر بالحجر لإحداث شرارة تشعل النار، فعود الكبريت (رغم أنه لا يستخدم كثيرا هذه الأيام) قادر عل إشعال فتيل النار كما أشعلت قوى الظلام هذا النزاع المسلح بين الطغمتين العسكريتين.
ولنفترض جدلا أن طرفي النزاع المسلح قد وافقا على الجلوس حول طاولة مفاوضات، ستفضي بلا شك الى ترتيبات هشة للمحاصصة بحيث سيسعى كل طرف الى الحصول على مكتسبات أكثر من الطرف الأخر، بغية إعادة التموضع وإحكام السيطرة تمهيدا للانقضاض مجددا "لسحق" الطرف الآخر.
لقد وصل الأمر الى طريق مسدود، ومفاوضات وقف النزاع المسلح ستولد ميته، وامكانية أن يستفيق قادة الصف الثاني من قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع من سباتهم لإحداث "تمرد" ينهي سيطرة الصف الأول من قادتهم إمكانية أيضا شبه معدومة.
خلاصة القول، أنني لست متفائلا مطلقا فيما يتعلق بأية بوادر انفراج في السودان، وأعتقد جازما، أن السعي قبل أندلاع هذا النزاع المسلح لاجراء انتخابات وبث الحياة الديمقراطية في السودان قد "تبخر" وأصبح أضغاث أحلام ليس أكثر.
ستبقى السودان في دوامة النزاع المسلح مع انخفاض لوتيرته تارة وارتفاع لها تارة اخرى، سيزداد الدمار ... ويرتفع عدد القتلى والجرحى والأسرى، وتزداد الهجرة الى المجهول .... وذلك لا يفرحنا جميعا ... بل يفرح أعداء الشعوب.