الدور الحاسم للجيش الاحمر في الانتصار على النازية


خليل اندراوس
2023 / 5 / 12 - 14:48     


عيد النصر على النازية ويسمى اختصارا " عيد النصر" حيث تُحيي روسيا وسابقا الاتحاد السوفييتي يوم 9 ايار من كل عام ذكرى الانتصار على المانيا النازية. وهذا عيد وطني تحتفل به روسيا وعدد من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق.

ففي فجر 22 حزيران سنة 1941 قامت المانيا النازية بهجوم غادر ومُباغت على الاتحاد السوفييتي. وأحدق بالاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت خطر رهيب. اذ كانت المسألة بالنسبة للدولة السوفييتية في الحرب التي بدأت في ذلك الوقت مسألة حياة أو موت. مسألة بقاء شعوب الاتحاد السوفييتي حرة او وقوعها في براثن العبودية.

تعتبر الحرب العالمية الثانية اكبر نزاع مسلح في العالم حتى الآن. وقد بدأت الحرب العالمية الثانية مع غزو المانيا لبولندا في أيلول من عام 1939. وانتهت عام 1945.

الهجوم العسكري الاستباقي لالمانيا النازية على الاتحاد السوفييتي بدأ في ظروف ملائمة جدا بالنسبة للعدو النازي. وفي ذلك الوقت انصب على الاتحاد السوفييتي كل ما للماكنة العسكرية الالمانية النازية الفاشية من قدرة، 190 فرقة من بينها 35 فرقة دبابات وآليات تدعمها قوات جوية ضخمة.

ان هتلر النازي وجه لاحتلال الاتحاد السوفييتي 5،5 مليون جندي وضابط وما يقرب من 5 آلاف طائرة و2800 دبابة (ما عدا الدبابات الخفيفة) وأكثر من 48 ألف مدفع هاون وكانت للجيش النازي الالماني الضخم خبرة من سنتين في خوض العمليات القتالية في اوروبا.

ولم يحتاج الجيش الالماني الهتلري غير 19 يوما لاحتلال هولندا وبلجيكا. وأدى ما يزيد قليلا على 40 يوما من العمليات القتالية الى استسلام فرنسا والقضاء التام على الحملة العسكرية الانجليزية.

فقبل الهجوم النازي على الاتحاد السوفييتي كانت اوروبا كلها تقريبا قد استعبدت من قبل الغزاة الفاشست.

ان المانيا الهتلرية قبل هجومها على الاتحاد السوفييتي بوقت طويل حولت اقتصادها الى حالة الاستعداد للحرب.

واستخدم الهتلريون القدرة الصناعية لجميع بلدان اوروبا تقريبا من اجل توفيلر المعدات الحربية والسلاح والذخيرة لجيشهم، مستغلين أبشع استغلال البلدان التي احتلوها وخاصة فرنسا وبولونيا.

وبلغ المجموع العام للموارد المادية التي استولى عليها الهتلريون حتى سنة 1941 تسعة مليارات جنيه استرليني، وهو ما يعادل ضعف الدخل القومي السنوي لالمانيا قبل الحرب. وقد هُجر الى المانيا من جميع بلدان اوروبا من جميع بلدان اوروبا ما يزيد على 10 ملايين عامل اجنبي.

ان كل ذلك حول المانيا الفاشية النازية الى أقوى بلد في العالم الراسمالي من الناحية العسكرية وأوحى للنازيين الهتلريين بالثقة في انهم يستطيعون القضاء على الاتحاد السوفييتي بضربة قاضية خاطفة جبارة كاسحة. وقد أعلن هتلر في الاجتماع الذي انعقد في برغوف في 31 حزيران سنة 1940: "كلما قضينا بصورة أسرع على روسيا، كلما كان ذلك افضل. ان العملية ستكون ذات مغزى فقط اذا حطمنا الدولة (اي روسيا) بضربة واحدة". وهذا ما كانت تستعد له الولايات المتحدة واوكرانيا النازية فعله الآن ضد روسيا من خلال تطوير الاسلحة البيولوجية والجرثومية والسلاح النووي وتحويل اوكرانيا النازية البوابة الغربية لروسيا الى قاعدة امامية للشيطان الأكبر الولايات المتحدة بهدف تفكيك وتمزيق روسيا الى دويلات واقامة ما يُسمى حلف اوروأسيا بهدف فرض هيمنة القطب الواحد الامريكي على شعوب العالم أجمع.

وفكرة هتلر في ذلك الوقت أي قبل العدوان الحربي الاستباقي النازي ضد روسيا، "بليتسكريج" - اي " الحرب الخاطفة" وضعت في أساس خطة الهجوم على الاتحاد السوفييتي. وهذه الخطة التي أعدتها هيئة الاركان العامة الالمانية النازية اطلق عليها اسم "برباروسا" وقعت من قبل هتلر في 18 كانون الاول سنة 1940.

عند بدأ العدوان النازي هاجمت المانيا وحلفائها الاتحاد السوفييتي على جبهة تمتد على مسافة 2900 كليومتر. وهنا لا بد وأن نذكر بأن ستالين تجاهل جميع التحذيرات بشأن الغزو النازي الوشيك وخاصة تحذير رجل المخابرات الروسي في اليابان زوركي الذي ابلغ المسؤولين عنه عن يوم وساعة الهجوم النازي على الاتحاد السوفييتي وأبقى ستالين جيش الاتحاد السوفييتي في حالة عدم الاستعداد التام. واستهدف الجيش النازي تحقيق برامج " المجال الحيوي" التي وضعها هتلر، حيث سعت المانيا لا الى دحر الجيش الاحمر وحسب، بل لغمر الاتحاد السوفييتي بموجة عارمة من الدمار الهائل والقاسي تلتهم الاخضلر واليابس.

كانت استراتيجية هتلر القيام بحرب خاطفة تمحو من الوجود بسرعة العديد من تشكيلات الجيش الاحمر عبر منعها من الانسحاب او تلقي التعزيزات من الوحدات الاخرى. ولبلوغ هذا الهدف اعد الالمان هجوما عسكريا شاملا على نطاق غير مسبوق، حيث شارك في بداية الغزو النازي على الاتحاد السوفييتي اكثر من 3 ملايين مقاتل و 600 الف آلية، و 750 الف حصان و 3500 دبابة و1830 طائرة.

وكان هتلر يأمل في تحقيق نصر سريع يصل به الى جبال الاورال في روسيا قبل حلول الشتاء، وتقدمت قوات المانية نحو الاهداف الفورية وهي موسكو وليننغراد وكييف. وحقق الجيش الالماني نجاحا هائلا في الاسابيع الاولى للحرب. اذ قام باحتلال حزام من الارض الروسية عمقه بضع مئات من الكيلومترات، وهو يقتل ويأسر ملايين الجنود السوفييت ويُعامل السكان بوحشية.

ان الطغمة النازية الفاشية التي لم يُخامرها الشك في احراز النجاحات الحربية بسرعة في روسيا، رسمت السبل اللاحقة للاستحواذ على السيطرة العالمية.

ويوجد تسجيل في دفتر يوميات القيادة العليا للقوات المسلحة الالمانية مؤرخ في 17 شباط عام 1941 هذا نصه : "بعد الانتهاء من الحملة الشرقية ( اي الحرب على الاتحاد السوفييتي) ينبغي اعداد خطة للاستيلاء على افغانستان ثم تنظيم هجوم على الهند. ". وفي وثائق اخرى وردت بالتفصيل خُطط مُحددة للاستيلاء في خريف عام 1941 على كل من ايران والعراق ومصر وقناة السويس.

ولكن الهجوم الغادر البربري النازي على الاتحاد السوفييتي لم يحط من معنويات الشعب الروسي ففي سنة 1941 وفر التطوع الشعبي للجبهة 24 فرقة تعدادها العام مليونا شخص.

ان الصراع غير المتكافئ في بداية العدوان النازي على روسيا لم يُثن الروح المعنوية والمقاومة والمقاتلة للقوات السوفييتية. وهنا أذكر بأن العدو النازي سيطر على زمام الامور في الجو وكان كل طيار سوفييتي يعرف ان أكثر من طائرة مُعادية ستقاتل ضده في الجو. وفي كثير من الاحيان عمد الطيارون السوفييت بعد نفاذ ذخيرتهم الى مُصادمة طائراتهم بطائرات العدو.

ان الجيش النازي بملايينه العديدة لم يلاق قبل ذلك قوة قادرة على الوقوف في وجهه، فتحت وطأة ضرباته سقطت الدول الاوروبية الواحدة تلو الاخرى. وبدا ان شيئا ما لا يمكن ان يوقف الماكنة العسكرية النازية. لكن الشعب السوفييتي والجيش الاحمر قاما بذلك.

وهنا بودي ان اذكر بأن هتلر كان قد صرح في الكلمة التي وجهها الى قواته في الثاني من تشرين الأول سنة 1941 ما يلي: "واخيرا تم خلال ثلاثة شهور ونصف خلق المقدمات من اجل سحق العدو بضربة جبارة قبل حلول الشتاء. ان الاستعداد الى اقصى ما يمكن ان تسمح به قوى بشرية قد انتهى.. . واليوم تبدأ آخر معركة حاسمة في هذه السنة". ولكن هزيمة القوات الالمانية الفاشستية عند مشارف موسكو أحبطت نهائيا خُطة "الحرب الخاطفة" الهتلرية.

اخلت الولايات المتحدة وانجلترا بموعد فتح الجبهة الثانية ضد المانيا الهتلرية في غرب اوروبا وذلك خلافا لجميع الوعود "الأكيدة" التي قدمتاها. وانعدام وجود عمليات حربية ذات ابعاد ضخمة في اوروبا الغربية منح الجيش الهتلري قوة وخلق من جديد، اي بعد هزيمته على ابواب موسكو، الطغمة الهتلرية أملا بتغيير سير الحرب لصالحها. ولكن في نهاية عام 1943 استطاع الجيش السوفييتي بدون الجبهة الثانية، التي وعدت بها الولايات المتحدة وبريطانيا، أن يحرر حوالي ثلثي أراضيه ويُرغم الهتلريين على الانتقال الى الدفاع الاستراتيجي على طول الجبهة السوفييتية الالمانية.

وفقط في 6 حزيران سنة 1944 فتحت الولايات المتحدة وبريطانيا الجبهة الغربية عندما نزلت القوات الانجلوامريكية بقيادة الجنرال ايزنهاور الى اراضي فرنسا في نورماندي. وهذه الحقيقة التاريخية التي تقول بأن الاتحاد السوفييتي منذ تاريخ 22 حزيران عام 1941 حتى تاريخ 6 حزيران عام 1944 حارب النازية لوحده، بدون الجبهة الغربية اي على مدى ثلاث سنوات.

في كانون الاول عام 1944 قام الهتلريون فجأة بهجوم مُضاد على الجبهة الغربية في منطقة آردن.وبنتيجة ذلك أحدثت ثغرة في جبهة الحلفاء وأصبح الجيش الانجلوأمريكي في وضع صعب جدا. ان عملية آردن كانت تستهدف الحاق هزيمة ضخمة بالقوات الأنجلو أمريكية واستمالة الولايات المتحدة الامريكية وانجلترا الى عقد صلح منفصل مع ألمانيا النازية بغية تجميع القوى للحرب ضد الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت.

وهذه السياسة أي تجميع القوى الامبريالية الغربية التي تمارسها الآن الولايات المتحدة ضد روسيا من خلال دعم الناتو واوكرانيا النازية، تُذكرنا بتلك الاحداث. وهنا نذكر بان توسع التقدم الهتلري في ذلك الوقت اي بتاريخ ديسمبر عام 1944، وضع الحلفاء في وضع خطير.وفي هذه الظروف بعث تشرشل برسالة الى ستالين طلب فيها تعجيل تقدم القوات السوفياتية. وتنفيذا للواجب أمام الحلفاء الاخرين قررت القيادة السوفييتية العليا البدء بالهجوم قبل الموعد المقرر بفترة طويلة. وفي 12 كانون الثاني سنة 1945 انتقلت القوات السوفييتية الى الهجوم على طول الجبهة السوفييتية الالمانية. وعند حلول عام 1945 استطاعت ان تستولي على بروسيا الشرقية وتحرر بولندا وهنغاريا وتدخل عاصمة النمسا فيينا وتُصبح على مشارف برلين.

ولقد أكد الحلفاء على الدور الحاسم التي اضطلعت به القوات المسلحة السوفييتية في النضال ضد العدو المشترك النازي الفاشي. فجاء في التحية التي وجهها تشرشل في 23 شباط عام 1945: " ان الجيش الاحمر يحتفل اليوم بذكرى تأسيسه السابعة والعشرين وقد حققت نصرا أثار أعجابا لا حدود له لدى الحلفاء وقرر مصير العسكرية الالمانية. وستعترف الاجيال المقبلة بواجبها امام الجيش الاحمر بلا قيد او شرط مثلما نفعل اليوم نحن الذين عشنا لنكون شهودا على هذه الانتصارات الرائعة".

ان الحرب التي خاضها الاتحاد السوفييتي وجيشه الاحمر ضد النازية وانتصر فيها بينت الوحدة الاجتماعية والسياسية للشعب السوفييتي ووطنيته العالية وخصاله المعنوية، تفانيه، صموده، واستعداده لأن يهب حياته في سبيل الوطن وهذا ما يفعله الان الشعب الروسي في حربه ضد النازية الاوكرانية وحلف الناتو وأمريكا وسينتصر.

فالغرب الامبريالي الاستعماري وعلى رأسه الولايات المتحدة يريد صياغة العالم وفق رؤيته الاستبدادية وفرض هيمنة القطب الواحد ولكنه سيفشل في هذه المواجهة مع روسيا كما فشلت المانيا النازية.

وصدق بوتين الذي قال خلال الاحتفال بعيد النصر على النازية بتاريخ 9-5-2023 بأن " الحضارة الانسانية عند نقطة تحول". فروسيا تخوض الحرب في اوكرانيا للدفاع عن روسيا ضد عدوان امبريالي غربي بهدف دفع روسيا للانهيار والدمار. وهذا ما اراده هتلر والنازية وفشلوا في ذلك. والفشل سيكون مصير النازية في اوكرانيا.